فيض من ضيف
د. بلال كمال رشيد
هلَّ وحلَّ صيفاً و ضيفاً، وأفاض فيضاً من النفحات والذكريات على كلِّ من لاقاه بقلبٍ مشتاق ، حلَّ ليحُلَّ ويمسح ما تراكم على القلوب من أدران وعُقد ،لتصفو به النفوس ، وترقى به القلوب ، جاء مُذكراً ببيانه الخالد ليُقرأ ويُتلى ، ويكون دعوة دائمة ليكون منهاج علم وعمل ، وجاء مُذكراً بسيِّد البشر وقدوتها إلى أبد الدهر الذي كان خلقه القرآن ،هلَّ وحلَّ والمؤمنون فرحون يترقبون نهارهم من نَهْره الدفاق بالمعاني من بزوغ فجرٍ إلى غروب شمسٍ عِبادةً في امتناع واتباع: امتناع عن مُباح لأجلٍ وغايةٍ ،
و اتباع نبيٍّ لا ينطق عن الهوى ، وصحابة وسلف من التابعين والصالحين عاشوه معنى ، وطاب فيهم سمتاً ومغنى .هو خير الشهور وأفضلها ، هو شهر تقويمٍ وتقييمٍ ، ونهايةِ حَوْلٍ لمتزكي مالٍ ، وبداية تحولٍ لمزكي نفسٍ وعاتقها ، هو شهر الذكريات واستدعاء الأحبة ممن بالأمس كانوا ، وممن اليوم غابوا ، هوشهر تذكر وفقد وافتقاد ، شهر العِبرة والعَبرة ، شهر للتأمل والتفكر فيمن يدركون الشهر أو يتركون ،كما أنه شهر حسنى وإحسان في النية والقول والعمل ،وشهر جهاد النفس وما تهوى ، لترقى إلى الأبقى ، وتهجر ما يهوي وما يغوي ، هو شهر الطاعات والصلات ، شهر للتفكر في قيمة الوقت وأهميته ، نهاره جهد وتسابيح ، وليله بوح وفوح وتراويح ،تؤهلك أيامه لترفع من قدرك فتكون أهلاً لِليلة قَدْرٍ ،هي خير من ألف شهر ،أسرارهُ كثيرة ، وسرائره عزيزة .
شهرٌ لتآخي الغني مع الفقير ، و لتآلف الروح مع الجسد ، ولصدق اللسان مع القلب ، وتصادق النية مع العمل ، شهر للتنافس والتسابق في إحياء هذا الشهر صياماً وقياماً وفي عمل الخيرات ،هو الزاد والميعاد، فارحل إليه ليرحل إليك ،لا تسثقل عملهُ ولا حَرَّهُ ،بل اطلب فضله وأَجره ، فسيخفف عنك ويحميك من حَرٍّ حارق ،ومصير هالك ،(يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) .
هو شهر القربى والتقرب إلى كلِّ ما يرضي الله ، فكلِّ ما دون الله فقير ، ( فبأي ألاء ربكما تكذبان ) وهو شهر التفكر والتأمل والتحدث بنعم الله التي لا تُحصى ( وأما بنعمة ربك فحدث ) ، وهي نعمة لا يقولها إلا رمضان مُذكراً بالفقير والمحتاج واليتيم والعائل والضال ، عملاً وسعياً لأخرة ( خير وأبقى )، يقولها رمضان بأبلغ لسان وأوفى جواب ، ليبقى نداها وصداها في كلِّ الشهور ، وكلُّ عام ومعاني رمضان فينا ، وكلُّ عام وأنتم بخير .