(أحاديث لا تصح) سألت عنها الشيخ عبدالفتاح أبوغدة
• إنَّ من دواعي الأسف أن تشيع بين المسلمين أحاديث موضوعة مكذوبة - عمداً أو خطأً - على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أنْ يُنبَّه إليها أو يُنكر عليها، وما ذاك إلا لتقصيرٍ من بعض أهل الاختصاص في هذا المجال، حتى بلغ السيل الزبى، وغدا الكثير يوردون هذه الأحاديث في دروسهم وخطبهم ومواعظهم، ويأخذها السامعون عنهم على أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً!
وكأنَّ مَنْ يقوم بهذا لا يدري حرمةَ روايةِ الحديث الموضوع، ولم يسمعْ قولَ النبي صلوات الله وسلامه عليه: (مَنْ كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعدهُ من النار)[1].
وقد يحتجُّ بعضُهم بأنه في حال استشهاده بالحديث الموضوع لا يعلمُ وضعَه، وبذلك يكون قد زاد الطينَ بلةً، وشهد على نفسه بالعجز والكسل، وعدمِ التثبت فيما يبلِّغه عن الله ورسوله، وكان الواجب في حقه التثبت وأخذ الحيطة والحذر في كل ما يَذكره ويذيعه.
ولقد كان لعلمائنا مِنْ قبل جهودٌ جليلةٌ ومقاصد حسنة في تمييز الطيب من الخبيث، وكشفِ خفاء ما خفيَ حكمُه على الناس والتبس، وتركوا لنا تراثاً مشكوراً في إحقاق الحق وإزهاق الباطل، كل ذلك خدمة لسُّنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحفظاً لها من عبث العابثين، وكذب الكاذبين، فما أحرانا أن نترسم الخُطا ونتابع المسير، لنحافظ على نقاء السُّنة وصفائها، وعذوبة كلام النبوة وروعته، ونبعدَ كلَّ دخيلٍ ومكذوب!
هذا، وفيما يلي ثلاثة عشر حديثاً من الأحاديث الشائعة على الألسنة، سألتُ عن بيان حالها العلامةَ الأستاذَ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة -حفظه الله-[2] فحكمَ عليها بالوضع، أوردها هنا راجياً أن يبتعدَ عنها القارئُ الكريم، وينشرَ خبر كذبها، ليتجنَّبها المتورِّطُ بحكايتها ونقلها، وزدتُ عليها حديثاً تعرّضَ له الشيخُ في بعض الكتبِ التي أخرجها، وإذا قلت: "الشيخ"، فهو المقصود، ومن الله العون والسداد.
1- حديث (يا كريم). وهذا نصه:
"خرج سيِّدُنا النبي صلى الله عليه وسلم في الثلث الأخير من الليل ليطوف حول الكعبة، إذ رأى أعرابياً يقول: يا كريم، فانتقل خلفه وقال: يا كريم، فانتقل الأعرابي إلى ركن زمزم وقال: يا كريم، فانتقل خلفه صلى الله عليه وسلم وقال: يا كريم، فانتقل الأعرابي إلى الركن اليماني وقال: يا كريم، فانتقل خلفه صلى الله عليه وسلم وقال: يا كريم، فالتفت الأعرابي إلى سيدنا النبي وقال: أيا صبيح الوجه، ويا رشيق القد، ويا كحيل العينين، أتهزأ بي لكوني أعرابياً؟ فوالله لولا صباحة وجهك، ورشاقة قدك، لشكوتك لحبيبي محمد.
فقال له النبيُّ: يا أخا العرب أتعرفُ حبيبك محمداً؟
فقال الأعرابي: آمنتُ به وصدّقتُ برسالته، ولم أره.
فقال له النبي: أنا حبيبك محمد، وشفيعك يوم القيامة.
فلما سمع الأعرابي قولَ النبي خرّ ساجداً بين يديه، فقال له النبي: يا أخا العرب ارفعْ رأسك، السجودُ لا يجوز إلا لله.
فقال الأعرابي: يا حبيبي يا محمد ويا قرَّة عيني يا محمد، وهل يحاسبني ربي؟
فقال له النبي: إنْ شاء يحاسبك على القليل والكثير.
فقال الأعرابي: والله إنْ حاسبني ربي لأحاسبنه.
فقال له النبي: وكيف تحاسب ربك؟
فقال الأعرابي: والله إنْ حاسبني ربي على بُخلي لأحاسبنه على جوده وكرمه، وإنْ حاسبني على معصيتي لأحاسبنه على رحمته ومغفرته.
فلما سمع النبيُّ قول الأعرابي بكى حتى ابتلَّتْ لحيته الشريفة من الدموع، وهناك نزل الأمين جبريل عليه السلام وقال: يا حبيبَ الحق، ويا رسولاً للخلق، ربُّك يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والاحترام، ويقول لك: أقللْ من بكائك لقد ألهيتَ حملة العرش عن تسبيحهم، وقل لأخيك الأعرابي: لا يحاسبنا ولا نحاسبه، وهو رفيقك في الجنة".
قلت:
كثيراً ما يُذكر هذا الحديث في حلقات الذكر، وحفلات المولد، وفوق المنابر، لترقيق قلوب الحاضرين، وإبكائهم، وقد بحثت عنه كثيراً في المراجع المختصة فلم أجد له أي أثر، ونقلي له هنا مِنْ حفظ بعض مردِّديه، وقال عنه الشيخ أبو غدة: لا يصح.
♦♦♦♦
2- حديث: (يا عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون) فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه.
سأل بعضُ الأخوة عن هذا الحديث فقال: هل هو حديث؟ ومَنْ رواه؟ وما هي درجة صحته؟ وهل يجوز الاعتقاد بأن المخلوق يكون مثل الخالق؟ أليس هذا مخالفاً للآية الكريمة (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وما الحكم فيمن ينشر هذا إن كان كذباً؟
وقد جاء في فتاوى "العدد الثامن" من "مجلة التربية الإسلامية" الغرّاء الصادر في شعبان 1406هـ بعضُ الجواب، وأضيف هنا -استناداً إلى قول الشيخ أبو غدة-:
إن هذا الحديث موضوع، ولا يجوز قطعاً الاعتقادُ بمشابهة المخلوق للخالق، وناشر هذا مرتكبٌ إثماً عظيماً لأنه إمّا أن يكون عالماً بكذبه أو جاهلاً، فالأول مشمول بما رواه الامام المسلم في مقدمة صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ حدَّث عني بحديثٍ يرى أنه كذب فهو أحدُ الكاذِبَيْن)، والثاني مؤاخذٌ على تساهله، وعدم مبالاته، وتركه البحث والسؤال والتمييز بين أقسام الحديث.
***
3- حديث: (ما حنَّ قلبُ أعجمي على عربيٍ قط وربِّ الكعبة).
قد يُفهم لفظ "أعجمي" فهماً خاطئاً إذ يقصر على عنصر معين فقط، والصحيح أنه يشمل كلَّ مَنْ لم يكن عربياً، وعلى هذا فما أشد غفلة واضع هذا الحديث حين نفى حنّية كلِّ مَنْ عدا العرب على العرب؟! وهذا أمرٌ يخالفه العقل والواقع والدين، وللعرب في نفوس كثير من الأمم منزلة كبيرة.
وقال الشيخ أبو غدة: "هذا مِنْ أكذب الكذب".
♦♦♦♦
4- حديث: (لعنَ اللهُ الشاربَ قبل الطالب).
يُقصد بهذا الكلام أن على الانسان أن لا يشرب الماء قبل طالبه، وإلّا استحق اللعنة، وقد ذكر علماءُ الحديث أن من علامات الوضع ركة لفظ الحديث ومعناه، قال العلامة البرهان البقاعي: "ومما يرجع إلى ركة المعنى: الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير، وهذا كثيرٌ في حديث القصّاص"[3].
وهذا الحديث داخل تحت هذه القاعدة، أوَليستْ لعنةُ الله وعيداً شديداً على أمرٍ صغيرٍ أقصى ما يمكن القولُ فيه إنه خلاف الأدب الإسلامي؟
ويؤيد هذا القولَ الأستاذ عبد الفتاح عنه: "حديث موضوع".
♦♦♦♦
5- حديث (عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ربك يُخشخش لنا بخشاخيش الجنان، والحور والولدان؟ والله لا نريد إلا وجهه).
في صياغة هذا الحديث جرأةٌ تَظهر في التعبير عن عطايا المولى الكريم، ووعده الإلهي الحق بـ "الخشخشة"، والأصل في معنى هذه اللفظة: صوت السلاح، وجاءت هنا للدلالة على ما يُلهي ويُشتغل به: (الخشاخيش).
♦♦♦♦
6- حديث: (المُؤمنُ كالكلبِ المأبورِ).
استشهد بهذا الحديث الشيخُ محمد بن أبي بكر الرازي في كتابه "مختار الصحاح"، قال[4]: "أبر الكلب: أطعمه الإبرة في الخبز، وفي الحديث: المؤمن كالكلب المأبور".
وهو حديثٌ لا يصح، وتشبيهٌ غير سائغ، ولا يمكن أن يصدر من معين النبوة، وأشبهُ بالصواب ما قاله الزمخشري في "أساس البلاغة"[5]: "شاةٌ مأبورة: أكلت الإبرة في علفها، وعن مالك بن دينار: مثل المؤمن كمثل الشاة المأبورة"[6].
وكتب الشيخ عبد الفتاح بخطِّه هنا: "يعني بهذا الكلام أنّه لا يُسرُّ بالدنيا ولا ينبسطُ لها".
♦♦♦♦
7- حديث: (لا خيرَ بخيرٍ بعده النار).
ذكر هذا الحديث العلامة الراغب الأصفهاني في "المفردات"، والاستراباذي في "شرح الشافية" لابن الحاجب، وقال عنه الشيخ أبو غدة: "ليس بحديث"، فلا تجوز نسبتُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد وردت هذه الفقرة في خطبة لأبي بكر الصديق. انظر: "كنز العمال" (16/ 61).
♦♦♦♦
8- حديث: (تعلّموا السحرَ ولا تعملوا به).
بحثتُ عنه كثيراً في كثر من الكتب ولا سيما المصادر الفقهية والحديثية التي ناقشت مسألة تعلُّم السحر، وفي مراجع الأحاديث الضعيفة والموضوعة فلم أجده، وحسمَ الأمرَ قولُ الأستاذ عبد الفتاح عنه: "ليس بحديث".
♦♦♦♦
9- حديث: (الزواج نصفُ الدِّين).
يشيع هذا الحديث في المجتمع كثيراً، وهو لا أصل له بهذا اللفظ كما قال الشيخ.
وقد روى الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (2/ 175) برقم (2681) عن أنس مرفوعاً: "من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني" وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه.
وأورد الغزالي في "الإحياء"[7]: "من تزوج فقد أحرز شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني" وقال عنه الحافظ العراقي: "أخرجه ابنُ الجوزي في "العلل" من حديث أنس بسند ضعيف".
♦♦♦♦
10- حديث: (اطلبوا العلمَ من المهد إلى اللحد).
أورد هذا الحديث الحاج خليفة في "كشف الظنون"[8]، وسألت عنه الشيخ فقال: "ليس بحديث"، ثم رأيتُه أورده في كتابه "قيمة الزمن عند العلماء" في مناسبةٍ اقتضتْ، وعلّق عليه قائلاً:
"هذا الكلام: (طلب العلم من المهد إلى اللحد) ويُحكى أيضاً بصيغة: (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد): ليس بحديث نبوي، وإنما هو من كلام الناس، فلا تجوز إضافته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتناقله بعضُهم، إذ لا ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما قاله أو فعله أو أقره.
وكون هذا الكلام صحيح المعنى في ذاته، وحقاً في دعوته: لا يُسوِّغ نسبتَه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ أبو الحجاج الحلبي المزي: "ليس لأحد أن ينسُب حرفاً يستحسنه من الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان ذلك الكلام في نفسه حقاً، فإن كلَّ ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حق، وليس كل ما هو حق قاله الرسول صلى الله عليه وسلم". انتهى من كتاب "ذيل الموضوعات" للحافظ السيوطي ص 202.
وهذا الحديث الموضوع: (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) مشتهر على الألسنة كثيراً، ومن العجب أن الكتب المؤلفة في (الأحاديث المشتهرة) لم تذكره"[9].
♦♦♦♦
11- حديث (خديجة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفالٍ لها ماتوا في الجاهلية فقال: هم في النار).
مرَّ بي هذا الحديث في "شرح العضدية" للعلامة الجلال الدواني، وسألت عنه الشيخ فقال: "باطل حتى يثبت، إذا كان الصغار إلى النار فلا كلام في الكبار، على أن العلماء مختلفون في هذه المسألة، ثم أين إسنادُه؟ والأصل في هذا أنه باطلٌ حتى يثبت، فإذا ثبتَ وُجِّه أو أُوِّل".
♦♦♦♦
12- حديث: (لا إسرافَ في الضوء).
قال الشيخ مازحاً: "يكون حديثاً صحيحاً إذا قال: الكهرباء، لماذا لم يقل: الكهرباء؟ الإسرافُ يدخل في كل شيء حتى في ماء النهر".
♦♦♦♦
13- حديث: (مَنْ أكرمَ مسلماً فقد أكرمني، ومَنْ أكرمني فقد أكرم الله).
قال الشيخ مازحاً أيضاً: "كأنَّ هذا من أحاديث محمد بن كرام".
وقد ذُكِرَ:
• مَنْ أكرم أخاه المؤمن -أو المسلم- فإنما يكرِمُ الله.
• أكرموا حملة القرآن فمَنْ أكرمهم فقد أكرمني، ومَنْ أكرمني فقد أكرم الله.
وهما حديثان لا يصحان. ينظر: "المقاصد الحسنة"، و"فيض القدير"، و"تنزيه الشريعة المرفوعة".
♦♦♦♦
14- حديث: (ما غُزي قومٌ في عُقر دارهم إلا ذلوا).
جاء هذا الحديثُ في رسالة الشيخ ابن تيمية إلى السلطان الملك الناصر ص 16: ".... فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما غُزي قومٌ في عُقر دارهم إلا ذلوا".
وقال الشيخ عبد الفتاح في تعليقه على "تصحيح الكتب" لأحمد شاكر ص 14: "فأورده حديثاً مرفوعاً، فالله أعلم بثبوته".
قال هذا بعد عزوِ أحمد شاكر هذا القول إلى عليٍّ رضي الله عنه.
وقد بحثتُ عنه فلم أجده مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرفعُه هنا سهو. والله تعالى أعلم.
[1] .رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
[2] كتب هذا المقال في حياة الشيخ سنة (1407هـ-1986م).
[3] . انظر: تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عرّاق(1/ 7).
[4] . انظر ص: 12 طبعة مصطفى البابي الحلبي، وكذلك ذكر في "لسان العرب" (4/ 4).
[5] . انظر ص: 1 طبعة دار المعرفة.
[6] . وفي "لسان العرب" (4/ 5) وقد أورد قولَ مالك: "أي التي أكلت الإبرة في علفها، فنشبت في جوفها، فهي لا تأكل شيئاً، وإن أكلت لم ينجع فيها".
[7] . انظر (4/ 99) طبعة دار الفكر.
[8] .(51/1)
[9]. قيمة الزمن عند العلماء ص: 30.
وسوم: العدد 646