تحقيق الأمن والأمان في الإسلام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،
الأمن هو الاطمئنان والاستقرار وذهاب الخوف وكل ما يكدر أمن الإنسان وقلقه واضطرابه، والإنسان دائما يطمح لتحقيق الأمن والاستقرار لنفسه ومن يهمهم أمره، وربما يكون عدم الأمن ابتلاء من الله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155]
ومن معاني الإسلام: السلم والأمان كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة:20]
وطلب إبراهيم عليه السلام من ربه تحقيق الأمن، فقال جل شانه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]
وذكّر الله – عز وجل - قريشا بهذه النعمة، قال تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4) (قريش)
ووصف بعض الأماكن بالأمان، مثل مكة المكرمة . قال تعالى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين:3]
وأيضا وصف جل في علاه مصر بالآمنة. {وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ} [يوسف:99]
من تحقق له الأمن فقد جمع الدنيا كلها، فعن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي عن أبيه -رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من أصبح منكم آمنا في سربه معافًى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا “. أخرجه: البخاري في الأدب المفرد، والترمذي وقال: حسن غريب.
وقيل: ثلاثة ليس لها نهاية الأمن والصحة والكفاية
ولكن ماهي أسباب عدم تحقيق الأمن والاستقرار واستبدال ذلك بالخوف والقلق؟
1- عدم الإيمان بالله، كما قال سبحانه على لسان نبيه إبراهيم - عليه السلام - لقومه: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام:82،81]
الظلم هنا بمعنى الشرك.عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ لَمَّا نَزَلَتِ }الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ{ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ " لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهْوَ يَعِظُهُ {يَا بُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ {".
ويعني الظلم أيضا غمط حقوق الناس، فقد جاء أحد الولاة إلى عمر بن عبدالعزيز– رحمه الله – وقال له: مر لي بمال أبني به سورًا حول المدينة أحصنها به. فقال له: حصنها
بالعدل.
وقال آخر: أقيموا دولة الحق في قلوبكم تقم على أرضكم.
2- معصية الله، كما قال سبحانه: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل:112]، وقال: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:89].
3- عدم شكر الله، كما قال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل:112]
ولكن كيف يتحقق الأمن للعباد وللبلاد؟
إذا أردنا أن نحقق الأمن والاستقرار للعباد والبلاد ونبتعد عن الخوف والقلق والاضطراب فعلينا بالقيام بعدة أمور منها:
1- زيادة رصيد الإيمان بالحسنات وفعل الخيرات والطاعات حتى يتحقق لنا الأمن، كما قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55]
2- الصبر على الطاعة، كما قال سبحانه {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55]
3- التعلق بالمساجد، لأنها بيوت الأمن والأمان والراحة النفسية، قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125]
4- الاستقامة على دين الله وتقواه، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نائمون أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف /96-9]
5- الوحدة وعدم التفرق، كما قال سبحانه: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]
وعن علي –رضي الله عنه – عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال:" ذمة المسلمين
واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل
الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً ". أخرجه: البخاري، ومسلم.
6- عدم إيذاء المسلمين: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:" من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه “.
أخرجه: مسلم (والترمذي وقال: حسن صحيح غريب.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:" المسلم من
سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم “. أخرجه
أحمد، والترمذي وقال: حسن صحيح .
7- الأخذ على يد الظالمين ومقاومة الظلم وأهله، فعن النعمان بن بشير- رضي الله عنه- عن
النبي –صلى الله عليه وسلم –قال:"مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا
على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا
استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذونا فقالوا
لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن
أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا". أخرجه: البخاري، والترمذي وقال: حسن صحيح.
8- العدل وعدم الظلم، فالعدل أساس الملك، وما انتشر العدل في مكان إلا حل فيه الأمن والأمان، وما انتشر الظلم في مكان إلا حل الخراب والخوف والقلق وعدم الاستقرار. وها هو عمر بن الخطاب –رضي الله عنه - لما دخل عليه رسول كسرى ووجده نائما في الصحراء تحت ظل شجره، وليس معه حارس يحرسه فقال: عدلت فأمنت فنمت فهنيئا يا عمر.
9- وأخيرا نحقق الأمن للعباد وللبلاد بالدعاء والتوبة والابتهال إلى الله -عزوجل – لعله يرفع عنا هذه الغمة، فعن العباس لما استسقى به عمر قال:" اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة". فتح الباري (12/323)
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وسوم: العدد 647