رسالة "وضوح الرؤية على طريق الدعوة"

معالم على طريق الدعوة

بقلم المرشد العام الخامس للجماعة المرحوم الاستاذ مصطفى مشهور أسكنه الله فسيح جناته

دورنا البناء

درب الفلاح

(قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)   وضوح الرؤية   من الأمور الضرورية التي يجب لأولئك الذين أنعم الله عليهم فجعلهم من العاملين لرفعة الإسلام : وضوح الرؤية. (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) وبداية رسالة دعوتنا المصارحة : إذ أننا نحب أن نصارح الناس بغايتنا ونجلي أمامهم منهاجنا وأن نوجه إليهم دعوتنا في غير لبس ولا غموض أضوء من الشمس وأوضح من فلق الصبح وأبين من غرة النهار، وإذا كان ذلك من حق الناس علينا فهو في حق الصف أولى. نحن ندعو الناس إلى مبدأ، مبدأ واضح محدود مسلم به منهم جميعاً هم جميعاً يعرفونه ويؤمنون به ويدينون بأحقيته ويعلمون أن فيه خلاصهم وإسعادهم وراحتهم، مبدأ أثبتت التجربة وحكم التاريخ صلاحيته للخلود وأهليته لإصلاح الوجود، والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم على حين أنه إيمان مشتعل قوى يقظ في نفوس الإخوان المسلمين. نحن نفهم الإسلام فهماً فسيحاً واسعاً ينظم شئون الدنيا والآخرة وليس مقصوراً على ضروب من العبادات أو أوضاع من الروحانية، إذ أننا نحمل مشروعاً إسلامياً على منهاج النبوة، وهذا لا يعني أننا حزباً سياسياً من المسلمين له توجهات إصلاحية إسلامية، لكننا لنا مشروعنا الإصلاحي الإسلامي الذي هو جزء تابع من الصبغة الإسلامية الكاملة التي نصطبغ بها والهوية الإسلامية التي نتصف بها، وهو مشروع مرتبط بمهمة المسلمين في الحياة التي لخصتها الآية الكريمة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)) سورة الحج. إن وضوح هذه الرؤية هو الكفيل بتحديد ميدان المعركة الرئيسية وسط ميادين المعارك الثانوية ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا… وهو الكفيل بتبيان العدو الطرف الحقيقي وسط التابعين والمتداعين والمأجورين والمستعملين والمرتزقة، (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ، وهو الكفيل بترجيح منهج للتغيير من بين المناهج إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهو الكفيل بتحديد رأس الأفعى من بين حبالهم وعصيهم التي تبدو وكأنها تسعى حتى لا نصرف الضربة إلى حبال وعصى تاركين الأفعى وعندما نختص فترة من الزمان فإن وضوح الرؤية خلالها لا يكتمل إلا بمعرفة طبيعة المرحلة وحقيقة المعركة وإدراك حجم التحديات التي تواجهننا وتبين جوهر الرسالة الذي يميز هذه الفترة بالذات ومنهج التغيير الذي يميزنا عن غيرنا، ثم باستيعاب الأدوار التي يلزم أن نؤديها ومعرفة نقطة الوصول التي نسعى إليها أو حالة النجاح في هذه المرحلة مع إدراك حالات النصر ومعنى التمكين التي لو تحققنا بها خلال فترة من الزمن لكنا من الموفقين في مسعانا بفضل الله عز وجل… وهذا ما نرجو الله تبارك وتعالى أن يوفقنا إلى بيانه.   (2) طبيعة المرحلة من وضوح الرؤية في فترة ما استيعاب طبيعة المرحلة ، فمعلوم أن الدعوة تمر بمراحل للعمل، كل مرحلة تعتني بصفة أساسية بمرتبة من مراتب العمل تسير فيها بخطوات اصطلحنا عليها أما مراتب العمل في دعوة الإسلام فهي: الفرد المسلم، البيت المسلم أو الأسرة المسلمة، الشعب المسلم أو المجتمع المسلم، الحكومة المسلمة، الدولة المسلمة، الخلافة الراشدة، ثم أستاذية العالم وأما خطوات ذلك العمل فهي : (التعريف والتكوين والتنفيذ)  هذه الخطوات وإن بدت متعاقبة في حق الفرد إلا أنها قد تكون متزامنة فيما يتعلق بالجماعة والدعوة ككل.  وبناء على ظروف الواقع، وتزاوج مراتب العمل مع خطواته، تتحدد طبيعة المرحلة والمرحلة التي تمر بها دعوتنا الآن هي مرحلة تكوين المجتمع المسلم ويعني هذا بطبيعة الحال استمرار العمل في تكوين الفرد المسلم وفي تكوين البيت المسلم مع إضافة أعباء العمل في مجال تكوين باقي مؤسسات وجوانب المجتمع المسلم، ذلك لأن المجتمع المسلم ما هو إلا حصيلة الأسر المسلمة والتي هي بدورها نتاج الفرد المسلم أو بتعبير آخر فإن الفرد المسلم والبيت المسلم مؤسستان هامتان من مؤسسات المجتمع.  ومن فضل الله علينا أن تميزت فترة عملنا حتى الآن بإحداث طفرة في العمل العام والانفتاح على بعض شرائح المجتمع من خلال الواجهات المتاحة المؤثرة مثل النقابات والاتحادات والجمعيات والمجالس الشعبية والمحلية شعر بها المجتمع كله، وعرف من خلالها صدق توجهنا ورغبتنا في التقرب إلى الله بنفع الناس (الناس عيال الله أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله) وأتاحت لنا الأنشطة التي مارسناها انتشاراً كبيراً وأثمرت ظهور رموز ورايات لدعوتنا يستدل بها الناس على طريقنا، وأثمر ذلك حصولنا على شرعية سياسية على أرض الواقع لا يمكن أن ينكرها أحد، هذه الشرعية ينبغي أن نحافظ عليها وأن نضيف إليها عمقاً من خلال زيادة شرعيتنا الاجتماعية على أرض الواقع بالالتحام بقطاعات وفئات المجتمع الحيوية وبقيادة عملية إصلاح وتكوين وتنمية مؤسسات المجتمع على أساس من الإسلام وقيمه.  فنحن “نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه القلوب أن  تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمناً لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الفناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا فأقضت مضاجعنا وأسالت مدامعنا وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا”. ولأنكم إخواني الذين “فهمتم الإسلام فهماً شاملاً، فآمنتم به نظاماً اجتماعياً كاملاً، يصحح للناس أوضاع مجتمعهم في كل شيء”،” نحن نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم والشعب المسلم، ولكنا نريد قبل ذلك أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في كل هذه الأوضاع وتصبغها بصبغة الإسلام ، إن هذا الإسلام، عقيدته ونظمه ولغته وحضارته، ميراث عزيز غال على مصر، ليس تفريطها فيه بالشيء الهين ولا إبعادها عنه بالأمر المستطاع مهما بُذلت في سبيل ذلك الجهود الهدامة المدمرة”. لهذا كانت الرسالة العليا للدعاة إلى الله في هذه المرحلة الحفاظ على الصبغة الإسلامية للمجتمع المصري وتنميتها وتدعيم أركانها صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ، وذلك من خلال العودة إلى تعاليم الإسلام وقواعده والاعتماد عليها وبناء النهضة الجديدة على أساسها وارتكاز الأوضاع الاجتماعية عليها، فلقد ورثنا هذا الإسلام الحنيف واصطبغنا به صبغة ثابتة قوية تغلغلت في الضمائر والمشاعر ولصقت بحنايا الضلوع وشغاف القلوب واندمجت مصر بكليتها في الإسلام بكليته عقيدته ولغته وحضارته ودافعت عنه وزادت عن حياضه وردت عنه عادية المعتدين وجاهدت في سبيله ما وسعها الجهاد بمالها ودم أبنائها.   (3) حقيقة المعركة  إدارة حقيقة المعركة وموضوعها ومعرفة أطراف الصراع الأصليين والتابعين وتحديد ميدان المعركة حالياً من أهم مفردات ومكونات الرؤية الواضحة، والناظر إلى المعركة الدائرة بين أمة الإسلام وبين عدوها قد يظن لأول وهلة أنها صارت معركة غير متكافئة، ولم يعد هناك مبرر لاستمرارها إذ يبدو أنها حسمت بالتفوق الساحق لأعداء الإسلام على المسلمين حتى صار المسلمون لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً؛ فهناك فجوة هائلة في امتلاك أسباب القوة العسكرية بين المسلمين وأعدائهم، تلك الفجوة التي إن تحقق مثلها بين أي عدوين متقاتلين لاكتفى المتفوق منهما بها واعتبر نفسه منتصراً نصراً عسكرياً ساحقاً وَعَدَّ عدوه من المهزومين الذين انتهى خطرهم. وعلى الصعيد السياسي فإن الكيانات السياسية التي تضم المسلمين على اتساع الكرة الأرضية لا تملك استقلال الإرادة السياسية وحرية القرار ومعنى ذلك أننا على صعيد الصراع السياسي مع الكيانات الأخرى نعتبر مهزومين إذ يستطيع عدونا توجيه القرار السياسي لبلادنا بما يحقق مصالحه هو وإن تعارضت مع مصالحنا ، وقد يكون هذا منتهى مراد معظم المتصارعين في الحروب والنزاعات ، أن يسلب أحدهم غريمه الإرادة السياسية أو حرية اتخاذ القرار وعندها تضع الحرب أوزارها. وعلى الصعيد الاقتصادي، تتعجب عندما تلاحظ أن المسلمين الذين يتمتعون بثروات هائلة لا يملكون على أرض الواقع استقلالاً اقتصادياً ولا هم مسيطرون على ثرواتهم سيطرة حقيقية… إننا نعاني من التبعية الاقتصادية، ولا يخفى أن كثيراً من أصحاب الأطماع في عالمنا المعاصر رأوا في امتلاك السيطرة الاقتصادية على مقدرات منافسيهم بديلاً كافياً ومرضياً عن الاحتلال العسكري، فهم يعدون النجاح في إرغام عدوهم على التبعية الاقتصادية انتصاراً حقيقياً ومعياراً لهزيمة عدوهم الشاملة، وعلى المستوى العلمي والتطبيقي، فإن تباين الفجوة الهائلة بيننا وبين أعدائنا على هذا الصعيد لا يحتاج لجهد.  والآن، ماذا يريد المنتصر أكثر من هذا، إن معركة يحقق فيها أحد طرفيها مثل هذه الانتصارات على عدوه جديرة بأن ينقشع غبارها وتخمد نارها،إن تفوقاً هذا وصفه يحققه أحد الطرفين على غريمه كفيل بأن يطمئن هذا المتفوق إلى الدرجة التي تجعله لا يأبه بالطرف الآخر ثانية ولا يخش من جهته تهديداً فقد انتهت المعركة بانتصار على كل الجبهات.  ولكنها ليست هي الحقيقة، ما زال الطرف المتفوق يكيل لنا الضربات ويحتاط منا ويجمع علينا بل مازال يعدنا العدو الأول الذي يخشى جانبه، ما زال الطرف المنتصر يزيد المعركة شراسة حتى أن الحرب لا يبدو عليها أنها في طريقها لتضع أوزارها بل هي في اتجاه أن تزيد أواراها، لماذا؟ لأن عدونا يفهم حقيقة المعركة وموضوعها وميدانها فهماً أصح وأدق من فهم كثير من بني جلدتنا الذين صدموا من عظيم الهزائم وتعددها فأحبطوا، يفهمها فهماً أصح من فهم كثير حسنت نياتهم فشغلوا أنفسهم فقط بالتحايل لاستعادة أسباب القوة في الميادين الحضارية التي هزمنا فيها عسى أن تتمكن أمتنا من العودة إلى حلبة الصراع الذي يظنونه قد حسم مؤقتاً لصالح عدونا ،  أما عدونا نفسه فهو أول من يعلم أنه لم يكسب بعد المعركة رغم كل ما حققه ، عدونا نفسه هو الذي يدرك أن المعركة الحقيقية الفاصلة لم تحسم لصالحه لذلك فهو مستمر في حربه فما هي حقيقة المعركة التي يريد الانتصار فيها؟ نجح عدونا عدة مرات على مدى سنوات الاحتلال في تفريغ الإنسان المسلم والمجتمع المسلم من مظاهر الإسلام، ولكنه صدم أيما صدمة حين وجد كيان الفرد المسلم يمتلئ إسلاماً مرة أخرى بمجرد أن سنحت له فرصة… أدرك العدو أن كيان الإنسان المسلم مازال سليماً يصلح أن يحمل إسلاماً يوماً ما، وأدرك مع هذا أن نصره الحقيقي لن يكون بالسيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية طالما ظل الكيان المسلم صالحاً أن يحمل الإسلام يوماً ما…. لذلك فإن ميدان المعركة الحقيقي الذي يحارب فيه عدونا الآن هو ميدان كيان الإنسان المسلم في الأساس . إنه يسعى لإفساد هذا الكيان، إنه ينظر إلى تكوين الفرد المسلم نظرته إلى إناء صالح للامتلاء بالإسلام، وأراد العود لهذا الإناء أن يفرغ من الإسلام ويمتلئ بغيره، فلما فشل قرر أن يثقب هذا الإناء حتى لا يصلح أن يحتفظ بالإسلام إن صب فيه مستقبلاً ،  ومن ثم صار ميدان المعركة الحقيقي الذي يجب أن نتنبه إليه هو هذا الكيان وهذا التكوين فعدونا لا يكتفي بتلك الفجوة الحضارية في المجالات العسكرية والسياسية والعلمية والاقتصادية وغيرها، عدونا يملؤه الرعب من المارد المسلم النائم رغم أن هذا المارد لا يستطيع أن يعيش إسلامه الآن، عدونا موقن أن هناك أفراداً مسلمين صالحين لحمل الإسلام مرة أخرى وهم يتزايدون وهنا مكمن الخطر ومن ثم كان جوهر المعركة وميدانها الحقيقي ، تكوين الإنسان المسلم.  إن ميدان المعركة بيننا وبينهم الآن هو الهوية والخصائص والتكوين والصبغة الإسلامية، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا… أعداؤنا يسعون بوضوح شديد لطمس الهوية الإسلامية وإزالة صبغة الله وتكريس ذلك بإفساد تكوين الإنسان المسلم حتى لا يصلح أن يحمل إسلاماً يوماً ما، وبالتالي يعجز المسلمون عن استعادة ما فقدوه على صعيد القوة والسياسة والاقتصاد والعلم، هم يسلكون في سبيل باطلهم وسيلة التربية النظرية والعملية من خلال الإعلام والتعليم والإفساد الاقتصادي والاجتماعي ويجعلون ذلك جهدهم الرئيسي. ونحن نعمل للاحتفاظ بتكوين المسلمين في حالة تيسر لهم أن يمتلئوا إسلاماً يوماً ما  من أجل ذلك كانت الرؤية عندنا واضحة أصررنا على أن نحارب في الميدان الفعلي للصراع ميدان التربية والتكوين والحفاظ على الهوية الإسلامية، وكانت الرؤية واضحة حين  تعالينا على التورط مثلما تورط غيرنا في اتخاذ الأدوات السفيهة والأجهزة الحمقى أعداءً أو أهدافاً لنا من دون العدو الحقيقي رأس الأفعى،  ومن هذه الرؤية الواضحة نبع منهجنا في التغيير بكل خصائصه ومنها نبذ العنف حتى وإن مارسته ضدنا أدوات سفيهة أو أجهزة حمقاء تدرك أو لا تدرك أنها باعت آخرتها بدنيا غيرها، وهكذا لا تستدرجنا المناوشات والهجمات التي تشنها الأدوات والأجهزة عن إدارة المعركة الحقيقية ، ولا يخدعنا تصدير أدوات باعت آخرتها بدنياها ولا أجهزة باعت آخرتها بدنيا غيرها، فتلهينا بعداوتها عن العدو الحقيقي الذي يستخدمها ويغريها ويستفيد من سفهها وحمقها، فذلك ما يريده العدو الحقيقي في سعيه للانتصار في المعركة الفاصلة بصرفنا عنها بحباله وعصيه.   (4) حجم التحديات  عرفنا طبيعة المرحلة وحقيقة المعركة ومن هم الخصوم، والآن نظرة على التحديات التي نواجهها، تحديات بعضها نلاحظها وهي تلاحقنا، وبعضها يحتاج التدقيق كي نكتشفها، في ظل معركة الهوية، ومحاولات طمسها، معركة التكوين ومحاولات إفساده، تتضافر التحديات معاً من أجل فرض واقع جديد علينا محلياً وإقليمياً ودولياً، واقع تختفي فيه الهوية الإسلامية من شخصيتنا وتتحول فيه خصائصنا على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع إلى خصائص أخرى، واقع تتوارى فيه خصائص المسلم المؤمن المحسن المجاهد وتظهر فيه خصائص الوهن حب الدنيا وكراهية الموت، بل واقع تنتكس فيه الفطرة وتختفي فيه الأخلاق الأساسية اللازمة لبناء الحضارات والقيم التي تؤهل لاستعادة الأمجاد مثل الصدق والأمانة والوفاء والمروءة والشجاعة وإتقان العمل والنظام والرأفة والرحمة والعدل . إن أول وأخطر وأهم هذه التحديات التي تواجهنا محاولات تمرير المشروع المعادي للهيمنة على مقدرات الأمة   فهو المشروع المناوئ لمشروعنا الإسلامي على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي وهو المشروع الذي يتاح له توظيف كافة المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في لب الصراع وجوهر المعركة هذا المشروع المناوئ موجود فعلاً على أرض الواقع ويعمل فيه، ومن ثم فلسنا وحدنا على الساحة، والتغيير الذي يمكن أن يحدث على أرض الواقع ليس فقط نتاج عملنا لكنه محصلة أدائنا وأداء القوى الأخرى التي تحمل مشروعات للتغيير، تلك سنة من سنن الله وقانون من قوانين الحياة التي خلقها الله سبحانه وتعالى: فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.  والتحدي العالمي الآخر الذي يواجهنا يبدو في محاولات إضعاف دورنا القيادي للحركة الإسلامية العالمية وريادتنا لها هذه الريادة التي آلت إلينا على أرض الواقع لاعتبارات عديدة، هذا التحدي نابع من إدراك أصحاب المشروع المعادي لمسار حركة التاريخ، ويقينهم باتساقها مع المفهوم الإسلامي للعالمية، فرسالة الإسلام للناس كافة لذا فإن الدنيا صائرة لا محالة إلى تجمع في الأمم وتكتل في الأجناس والشعوب وتداخل الضعفاء بعضهم في بعض ليكتسبوا بهذا التداخل قوة، وانضمام المفترقين ليجدوا في هذا الانضمام أنس الوحدة، وكل ذلك ممهد لسيادة الفكرة العالمية وحلولها محل الفكرة الشعوبية القومية التي آمن بها الناس من قبل، وكان لابد أن يؤمنوا هذا الإيمان لتتجمع الخلايا الأصلية ثم كان لابد من أن يتخلوا عنها لتتألف المجموعات الكبيرة ولتتحقق بهذا التآلف الوحدة الأخيرة، وهي خطوات إن أبطأ بها الزمن فلابد أن تكون، وحسبنا أن نتخذ منها هدفاً وأن نضعها نصب أعيننا مثلاً وأن نقيم في هذا البناء الإنساني لبنته وليس علينا أن يتم البناء فلكل أجل كتاب. وعلى الصعيد المحلي فإننا نواجه جهوداً مضنية لإقصائنا عن كافة الواجهات العامة بما في ذلك المساجد التي تمثل بعض شرايين الالتحام الحيوي بهذا الشعب الطيب، هذه المساجد التي تغذي الحركة الإسلامية على مر العصور بحملة النور الرباني، وهي المنابر التي تصل من خلالها كلمة الحق إلى الناس فهي بيوت الله في الأرض.   كما أن هناك جهوداً كبيرة لمنافستنا في الأنشطة التي نقوم بها والتي اكتسبت شرعية واقعية بين الناس ومن أبرز هذه الجهود تلك المحاولات التي تبذل لتقديم الأنشطة بديلة تحت رايات مختلفة وهي نوعان: –  أولهما : منافسة محمود بأنشطة بديلة مفيدة ومطلوبة، حتى وإن كانت نيتهم فيها منافستنا وتحجيم دورنا فلا بأس من المشاركة فيها مثل صلاة العيد ومشروعات التكافل وغيرها. –  وثانيهما : أعمال تصرف الناس عن أنشطتنا دون أن يكون فيها نفع لشعبنا مثل بعض الأسر الطلابية والاتحادات المعينة وغيرها في الجامعات في محاولة لطمس الهوية الإسلامية، وهذه يجب علينا مقاطعتها وصرف الناس عنها بالحكمة والموعظة الحسنة ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن .  ويحرص النظام على تغييب اسمنا ورموزنا لارتباط هذا الاسم وهذه الرموز بالبذل والعطاء والخدمة العامة والطهارة والنقاء، والمبادرة إلى الخير والاعتدال والرفق بالناس ونبذ العنف، هذه الأمور التي تعوق إلى حد كبير نجاح حملات التشويه الإعلامية المنظمة ومحاولات تلفيق التهم لأفرادنا وإثارة الشبهات من حولهم.  أما كيان الحركة الإسلامية فيتعرض لعملية تقطيع لأوصاله وضرب العناصر الفاعلة فيه، ويتعرض الصف الداخلي لتحدي أمني يتدرج من التخذيل إلى التنصت إلى محاولة الاختراق وتضييق قنوات الموارد ومقومات نجاح الدعوات، ولقد كان الإمام الشهيد واضحاً معنا حينما صارحنا أننا سنلقى خصومات من كثير من الناس ومن الحكومات وسنتعرض للسجن والاعتقال والتفتيش والإيذاء، وأننا عندما نتعرض لذلك نكون قد بدأنا نسلك طريق أصحاب الدعوات، وقال وقد يطول بكم الامتحان فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله؟.  وبرغم ضخامة هذه التحديات إلا أنها متوقعة وطبيعية إنها تطبيق معاصر لقانون ورقة بن نوفل الذي ينطبق على كل من يحمل رسالة الحق  إن محاولات إخراجنا من ساحة التأثير هي الإخراج المناظر لما قرره ورقة بن نوفل في قانونه، قال ورقة للنبي صلى الله عليه وسلم: “إنه الناموس الذي نزل على موسى وليتني أكون معك جذعاً حين يخرجك قومك قال النبي صلى الله عليه وسلم “أو مخرجي؟” قال ورقة : ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا وأخرجه قومه”.   (5) جوهر الرسالة لما كان ميدان المعركة الآن هو الهوية: هو الخصائص والتكوين والصبغة الإسلامية (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) وعدونا لا يسعى فقط لطمس الهوية الإسلامية وإزالة صبغة الله بل لتكريس ذلك؛ بإفساد تكوين الإنسان المسلم حتى لا يصلح أن يحمل إسلاماً يوماً ما ، فمن ثم كان جوهر رسالتنا الآن هو: الحفاظ على الصبغة والهوية الإسلامية للمجتمع، وتأصيل جوانبها واستكمال أركانها، هذا الجوهر يقتضي تغيير الواقع بالتكوين والتربية والوعظ والإرشاد، وبالعمل على استمرار الصحوة الإسلامية وتعميقها وتوسيعها وتفعيلها، وبتكريس بقاء الإسلام مرجعاً حقيقياً للمجتمع رجالاً ونساءً، أفراداً ومؤسسات.   أما الهوية فقد ورثنا هذا الإسلام الحنيف واصطبغنا به صبغة ثابتة قوية تغلغلت في الضمائر والمشاعر ولصقت بحنايا الضلوع وشغاف القلوب واندمجت مصر بكليتها في الإسلام عقيدته ولغته وحضارته ودافعت عنه وذادت عن حياضه وردت عنه عدية المعتدين وجاهدت في سبيله ما وسعها الجهاد بمالها ودم أبنائها. هذه الهوية الإسلامية لا تقف عند حدود المتدينين بالإسلام في العالم الإسلامي، وإنما تشمل كذلك الأقليات غير المسلمة، التي انصهرت قومياً وحضارياً ووطنياً مع الأغلبية المسلمة، فإذا كانت الهوية الإسلامية تمثل بالنسبة للمسلم: عقيدة وشريعة، وقيماً وحضارة، وقومية ووطنية، وثقافة وتاريخاً وتراثاً، فإنها تمثل بالنسبة لمواطنيها من الأقليات غير المسلمة: حضارة، وقومية، ووطنية، وقيماً، وثقافة، وتاريخاً، وتراثاً في الفكر وفي القانون بنفس القدر الذي تمثله بالنسبة للمواطنين المسلمين في هذه الجوانب سواء بسواء.   أما الصحوة فهي تلك اليقظة التي جعلت شبابنا يعي ذاته، ويتعرف طريقه بعد أن أخفق كل تجمع على غير الإسلام، يقظة جعلته يسقط الشعارات والأفكار والمبادئ جميعها التي عجزت أن تقدم ما يقدمه الإسلام ، تلك اليقظة التي ولدت تياراً متدفقاً متحركاً مساره الإسلام ووجهته الإسلام ويستمد طاقته من الإيمان، تلك الصحوة التي ما زالت تكسب كل يوم عناصر جديدة من أفراد شعبنا المسلم الطيب، لأنها صحوة لا تدعي احتكار الإسلام لأفرادها من دون الناس وإن سبق أفرادها أشقاءهم في التعرف على واجبهم الإسلامي فتحركوا لأدائه. صحوة عبرت عن نفسها في تيار متواضع لكنه أعز من الشم الرواسي لأنه يستمد العزة من الله القوي العزيز، صحوة عبرت عن نفسها في تيار محدود ولكنه أوسع من حدود هذه الأقطار جميعاً لأن الإسلام دين العالمين، صحوة عبرت عن نفسها في تيار بدون منافع شخصية خال من المطامع والأهواء ولكنه يورث أفراده السيادة في الدنيا والجنة في الآخرة، هذه هي الصحوة ، علينا توسيعها لتضم كل الناس من العوام إلى الصفوة، وعلينا تعميقها لتصبغ كل مظاهر الحياة، وعلينا تفعيلها لتكون هي المحرك لفعل الخير ونفع الناس (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) إنها صحوة في سبيل الله ولن يستطيع أن يصدها بشر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ). الأنفال : 36   أما المرجعية فلابد لكل مجتمع من مرجعية، مرجعية على شكل قواعد حاكمة يرجع إليها لتضبط تصريف شئونه، وهذه القواعد المرجعية لا يصح أن تتصادم مع تلك القواعد التي تحكم القلوب والمشاعر في ذات المجتمع؛ لكي لا تحدث ازدواجية أو ثنائية في المعايير تتكسر عليها كل موجات الإصلاح، والمرجعية الغربية المهيمنة على العالم حالياً مادية علمانية تدعي أن كل عمل يأذن فيه العقل صواب، وهي تفسر الكون والحياة الإنسانية والاجتماع البشري تفسيراً مادياً ووضعياً وعلمانياً، وهي في ذلك تصادم ما يحكم قلوبنا ومشاعرنا لذلك فلنا المرجعية الإسلامية؛ تلك المرجعية التي تحدد قرار الفرد رجلاً كان أو امرأة ، وهي التي تحكم اختيار الجماعات أو المؤسسات حين تصرف شئونها، إنها استجابة فعلية وعملية وليست مجرد مرجعية فكرية نظرية، إنها ضبط للقرار والتصرف ليرضي الله عنه. لنا مرجعية إسلامية تجمع ما بين (الوحي) ومعارفه وبين (الطبيعة) وعلومها، وتحقق وحدة توجيه التصور والتصرف، فلا ازدواجية ولا ثنائية، وهي لا تصادم عقائد الأقلية غير المسلمة لأنها الوحيدة التي تقبل التعددية منذ أن قبلت زواج المسلم من الكتابية في بيت واحد، ثم أنها لا تتعارض مع مقتضيات تشريعية لهذه الأقلية التي اعتنت عقيدتها فقط بمملكة السماء فلم تتناقض في الأرض مع أية مرجعية تشريعية تصرف شئون الدنيا، ثم أنها سبيل لا مندوحة عنها لمريد الإصلاح في المسلمين، الذين أشربت أنفسهم الانقياد إلى الدين حتى صار طبعاً فيها. فكل من طلب إصلاحها من غير طريق الدين فقد بذر بذراً غير صالح للتربة التي أودعها فيها فلا ينبت، ويضيع تعبه ويخفق سعيه، ويضل ضلال من قال: إن السبيل إلى النهضة واحدة فذة ليس لها تعدد، وهي أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يُحب منها وما يُكره، وما يُحمد منها وما يُعاب، فنذهب مذهبهم في الحكم، ونسير سيرتهم في الإدارة ونسلك طريقهم في التشريع، وهذه المقولة كفيلة بترك المسلمين نهب لتعدد المرجعيات وتصارع المتناقضات وتذبذب الاختيارات وهدم الدين، وهي مؤدية إلى حرمان الأمة من كل فرص النهوض بل إلى إماتة الأمة ودفنها إذ أعرضت عما يحييها ويقيمها (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الأنفال 24.   (6) منهج التغيير أحد المكونات الأساسية لوضوح الرؤية: وضوح منهج التغيير ولابد من أن تكون هناك قناعة بصلاحية المتهج المختار وتقيده بالضوابط والالتزامات الشرعية. حقاً إن التغيير المنشود تغيير عميق، فنحن نريد أول ما نريد يقظة الروح حياة القلوب؛ صحوة حقيقية في الوجدان والمشاعر نريد الفرد المسلم والبيت المسلم والشعب المسلم ولكنا نريد قبل ذلك أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في كل هذه الأوضاع وتصبغها بصبغة الإسلام نريد أن نتميز بمقوماتنا ومشخصات حياتنا كأمة عظيمة مجيدة تجر ورائها أقدم وأفضل ما عرف التاريخ ” فسيادة قيم الإسلام وشريعته في المجتمع ينبغي أن تكون حقيقة وجوهراً وليست فقط مظهراً أو شعاراً وحراسة ذلك لن تكون فقط مهمة أفراد من المجتمع ولا حتى مؤسسة حاكمة من مؤسساته؛ لكنها تحتاج لجهود المؤسسات الخاصة والعامة الموجودة فيه. هذا التغيير العميق أمر دين، لذلك فلا ينبغي أن يتم جبراً ولا قسراً بل يجب أن يكون عن إرادة واختيار؛ فلا يعتبر مجرد تبديل الحكومة بأخرى إسلامية تغييراً ولا تمكيناً، ولكن يجب أن يكون ذلك مستنداً إلى قناعة واختيار الناس، وهذا أمر يفرض الجذرية على منهج التغيير المختار ويلزمه التدرج. والتغيير الجذري يختلف عن التغيير الفوقي؛ لأنه يحدث عن طريق إيجاد قناعة لدى وحدات المجتمع بضرورة الحل السلمي لمشكلاتنا تحت راية الإسلام، وهو جذري لا فوقي لأنه يبدأ من أفراد المجتمع ومؤسساته. (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم على أرضكم) جذري لأنه ينطلق من داخل مؤسسات المجتمع وبها، وليس على أنقاضها، وهو يبدأ من الوصول للأفراد والنفاذ إلى المؤسسات ولا يبدأ بامتلاك السلطة لفرض التغيير، في هذا التغيير الجذري نندمج في مؤسسات المجتمع فنكسب تأييدها ونستفيد من فاعليتها ونحرم أعداء تطبيق الإسلام من استغلالها ضد تطبيق الإسلام، ونكسب كثيراً من مهارات إدارة دولة الإسلام المنشودة إنه تغيير جذري ذو مدخل شعبي وآخر مؤسسي إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وهو التغيير المتدرج، (فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى) ( فمن أراد أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقطف زهرة قبل أوانها فخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها). لذلك نحن (نلجم نزوات العواطف بنظرات العقول، ونلزم الخيال صدق الحقيقة والواقع، ولا نصادم نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن نغالبها ونستخدمها ونحول تيارها ونستعين ببعضها على بعض) . ولأنه تغيير متدرج لا فوري فليست الوسيلة إليه القوة فالدعوة الحقة إنما تخاطب الروح أولاً، وتناجي القلوب وتطرق مغاليق النفوس، ومحال أن تثبت بالعصا أو أن تصل إليها على سنا الأسنة والسهام. لقد احتفظت القيادة العليا للحركة الإسلامية دائماً بمفتاح التدرج منذ فجر الإسلام، فبدأت بقوة العقيدة والإيمان ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، ثم قررت القيادة الإسلامية العليا بنفسها تعميق قوة الوحدة والترابط بقرارها التاريخي بالهجرة والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ثم جاء إذن القيادة العليا نفسها باستعمال قوة الساعد لأول مرة بعدما صار للمسلمين دولة نواة في المدينة (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) الحج 39 إنها قيادة حكيمة لا تستدرج بحماس زائف، لأنها تعلم أن أشد الناس حماسةً واندفاعاً وتهوراً، قد يكونون هم أشد الناس جزعاً وانهياراً وهزيمةً عندما يجد الجد وتقع الواقعة، فالاندفاع والتهور والحماسة غالباً ما تكون منبعثة من عدم التقدير لحقيق التكاليف، لا عن الشجاعة واحتمالٍ وإصرارٍ، كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال، قلة احتمال الضيق والأذى والهزيمة، فتدفعهم قلة الاحتمال إلى طلب الحركة والدفع والانتصار بأي شكل، دون تقدير لتكاليف الحركة والدفع والانتصار، حتى إذا وجهوا بهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا وأشق مما تصوروا، فكانوا أول الصف جزعاً ونكوصاً وانهياراً على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت ويعدون للأمر عدته ، (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ)، النساء 77 ، إنها قيادة واعية تدرك أن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده، أجل قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك غيرها. والتغيير الذي ننشده تغيير عالمي تحددت ملامحه منذ فجر هذه الدعوة.. وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا،.. وظهرت نواتها العالمية الأولى في اجتماع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يظهر في قوله : (أنا سابق العرب، وبلال سابق الحبش، وصهيب سابق الروم، وسلمان منا آل البيت) فهي عالمية منذ نشأتها لا تحدها الأقطار ولا تحاصرها التخوم. لهذا نريد  (أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية وأضاعت وحدته المطامع الأوربية، ولهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية، ولا نسلم بهذه الاتفاقات الدولية، التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزقة يسهل ابتلاعها على الغاصبين، ولا نسكت على هضم حرية هذه الشعوب واستبداد غيرها بها فكل شبر أرض فيه مسلم يقول لا إله إلا الله وطننا الكبير، الذي نسعى لتحريره وإنقاذه وخلاصه وضم أجزائه بعضها إلى بعض ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خفاقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حيناً من الدهر ودوى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل ليقل القاصرون الجبناء أن هذا خيال عريق ووهم استولى على هؤلاء الناس، ذلك هو الضعف الذي لا نعرفه ولا يعرفه الإسلام، ذلك هو الوهن الذي قذف في قلوب هذه الأمة فمكن لأعدائها فيها، وذلك هو خراب القلب من الإيمان وهو على سقوط المسلمين لقد أعددنا لذلك إيماناً لا يتزعزع وعملاً لا يتوقف وثقة بالله لا تضعف وأرواحاً أسعد أيامها يوم تلقى الله شهيدة في سبيله). نريد التغيير المنشود مستقراً مستمراً لا مهتزاً ولا وقتياً، لذلك يجب علينا تربية وقيادة وتوظيف قوى التغيير كلها وتنسيق تعاونها يتحقق لها الاقتناع وقبول أعباء التغيير، فللتغيير طلائع رائدة قائدة ندعو الله أن نكون منهم وله قواه الأساسية الفاعلة وهي شعبنا وله قواه المساندة الداعمة وهي “مؤسسات المجتمع” وله قواه المؤيدة المناصرة وهم الإسلاميون في العالم. كلها تعزف معزوفة واحدة.، معزوفة تقول : تغيير عميق لا سطحي، جذري لا فوقي، متدرج لا فوري، عالمي لا قطري، مستقر لا وقتي، نقود الأمة إليه ولا ننوب عنها فيه.  

(7)  دورنا البناء

إن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا، وتنهض لمهمة كمهمتنا، وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها، لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال والأماني، وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوي شديد بين الحق والباطل وبين النافع والضار، وبين صاحب الحق وغاصبه، وسالك الطريق وناكبه، وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين….

وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة والعزيمة القوية الصادقة والسخاء بالتضحيات والإقدام عند الملمات وبغير ذلك تغلب على أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها.

 والشباب المسلم الملتزم بإسلامه هو عدة المستقبل والدرع الواقي لأمتنا من كل عدوان مادي أو معنوي، هذه النوعية من الرجال هم لبنات البناء الصلبة التي يقوم بها بناء الوطن،

وبأمثالهم تقوم الأسر المثالية التي تمثل ركيزة في بناء المجتمع،

لذلك كان أهم عنصر في البناء لكي يكون سليماً متيناً هو بناء المواطن الصالح، الذي هو ركيزة الانطلاق لمواجهة تخطيط أعداء الإسلام وما حققه في أوطاننا الإسلامية من ضياع وتدمير، وضعف وتبعية، وانتشار العلل والأمراض، وتولد ما يشبه اليأس من النهوض والإصلاح والنجاة من التردي.

 والحقيقة أن بناء الأمم أمر ليس يسيرا إذا كان المطلوب قبل وضع الأساس البناء وإزالة الركام والمخلفات التي أدت إلى ضعف البناء وانهياره، ثم وضع الأساس العميق المتين الذي سيقوم عليه البناء الجديد ،

لذلك يقع على عاتقنا دور هام في حمل الدعوة ونشره حفاظاً على الصبغة والهوية الإسلامية للمجتمع المصري وتأصيل جوانبها واستكمال أركانها عن طريق التربية والوعظ والإرشاد والعمل على استمرار الصحوة الإسلامية وتعميقها وتوسيعها وتفعيلها والوصول بها إلى القطاعات المؤثرة.

وهناك دور آخر يتلخص في العمل على امتلاك الأمة أسباب القوة في جميع المجالات التي تمكنها من تحقيق رسالتها، وذلك بتغيير واقع مؤسسات المجتمع وأفراده (رجالاً ونساءً)، وفق رؤية تنموية شاملة تتبنى حلولاً لمشاكل الحاضر، وتعد للمستقبل، مجسدة شعار (الإسلام هو الحل) على هيئة برامج تفصيلية تعالج مشاكل وهموم الناس

تريد أن يتم ذلك العلاج بوضوح واقتناع بأنه لا بديل سوى الحل الإسلامي، وأنه الحل الحتمي لأنه من عند الله خالق البشر الخبير بما فيه خيرهم ومنفعتهم، ثم أنه ليس موضع تجربة جديدة ولكن سبق تطبيقه وسعد به الناس أزماناً طويلة قبل تعرض وطننا العزيز وغيره من أقطارنا العربية والإسلامية إلى تجارب مريرة قاسية بسبب تطبيق نظم أرضية مستوردة من صنع البشر العاجز، الأمر الذي جر على شعوبنا قدراً كبيراً من الشقاء والمعاناة والضعف وتدهور الأحوال والتبعية للدول الغنية المتحكمة،إننا نأمل أن يسود الاقتناع بفشل النظم الوضعية وأحقية الحل الإسلامي بالحجة والدليل.

 وغني عن القول أنه لا يصلح لتحمل هذه الأعباء والقيام بهذه الأعمال إلا من رصدوا حياتهم لهذه الدعوة، وراضوا أنفسهم على تحمل مشاق الطريق، يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون، يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، يتقنون عملهم رجاء القبول فلا يقصرون ولا يتباطئون، يبتغون وجه الله ولا يراءون

لا يقوم بهذه الأعباء إلا من أعد نفسه، فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة، والاختبار الدقيق، وامتحنوها بالعمل، العمل القوي الشاق عليها وأفطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعادتها، فإنه يسهل على كثيرين أن يتخيلوا ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالاً باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا، ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع العمل، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد والعمل المضني

وقد اثبتت الأحداث والأيام أنه بقدر الاهتمام بالتربية تتحقق الأصالة للحركة الإسلامية واستمراريتها ونموها، ويكون التلاحم بين الأفراد ووحدة الصف، والتعاون والإنتاج المبارك، فالتربية دور أساسي مطلوب منا ولنا.

والأمر الطبيعي أن يسير العمل لتحقيق التمكين لدين الله في الأرض بإقامة الخلافة الإسلامية وفقاً لتخطيط دقيق، وألا يكون ارتجالياً أو ردود أفعال، فيقسم الهدف الكبير إلى أهداف مرحلية وتوضع الخطة لكل منها والوسائل اللازمة ويتابع التنفيذ وهكذا،

وذلك يلزمه دراسة الظروف القائمة ومعرفة الإمكانيات اللازمة وتحديد الذين سيقومون بالتنفيذ والمدة المناسبة لإتمام التنفيذ وافتراض الاحتمالات المتوقعة التي قد تؤثر عليه وكيفية مواجهتها (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)

والتطوير والتجديد أمر مطلوب يحث عليه الإسلام للترقي في أساليب العمل ووسائل الحياة (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)، وفتح له أبواباً كثيرة، (الحكمة ضالة المسلم أنى وجدها فهو أحق بها) ، طالما كان ذلك في حدود تعاليم الإسلام وآدابه، (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)،

ويلزم أن يوضع في الاعتبار عندما نقوم بدورنا في التخطيط والتطوير الإداري لميدان الدعوة أننا نتعامل مع قلوب ونفوس، وأن القلوب بيد الله، فقد يتيسر فتح مغاليق بعضها ويستعصي البعض الآخر، والتوفيق من الله فقد يجري الله خيراً كثيراً على يد فرد، وقد لا يتحقق مثله على أيدي أفراد عديدين ،

حقاً إن الأمور كلها بيد الله فلا يظن أحد أن التخطيط بتعارض مع كون الأمور بيد الله، فالله تعالى أمرنا بالعمل والأخذ بالأسباب، أما النتائج فموكول أمرها إلى الله، والتخطيط أخذ بالأسباب ونحن في ذلك نتوكل على الله، والتوكل هو أن نأخذ بالأسباب ثم نعول عليها ونكل الأمر الله.

  

(8)  درب الفلاح

النجاح  ……. النصر …… التمكين

 من تمام وضوح الرؤية معرفة علامات النجاح وحالات النصر وحقيقة التمكين

إنه درب الفلاح الذي تسير عليه الدعوة جيلاً تلو جيل، ولا شك أن نفوس الدعاة تشتاق لرؤية النجاح ونوال النصر والتمتع بالتمكين لدين الله عز وجل، فذلك من أسباب اطمئنان النفس واستمرار الحماس، نعم نريد أن نطمئن، وربما تطمئن منا النفوس عندما نرى علامات نعرفها تدل على النجاح، فنشكر الله وندعوه أن: يرزقنا الإخلاص، ويقبل منا العمل، ويطمئننا بمزيد من علامات النجاح  (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

 عندما تشعر أن رؤيتك وإخوانك واضحة، وأن الجميع على بصيرة من طبيعة المرحلة وحقيقة المعركة وحجم التحديات وجوهر الرسالة والدور الذي علينا القيام به، وتستشعر وضوح منهج التغيير والقناعة به وتجلي معاني النصر والتمكين وعلامات النجاح في ذلك، وعندما يقترن ذلك كله بتعمق في التحقق بالمقتضيات العشرة اللازمة لمن باع نفسه لله على هذا الطريق، والصفات العشرة المؤهلة للعاملين هذا العمل عندها قل: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، واطمئن إلى أن شجرة أهدافنا التربوية وارفة، وأن ثمارها ناضجة، وأن من شأن ظلها أن يفيء على أعداد جديدة وجماهير غفيرة فتلك علامات نجاح مسيرة التربوية والتكوين.

وعندما يقتطع كل منا من وقته وجهده لإتقان جانب من احتياجات العمل للإسلام فيتخصص فيه ويعمل فيه، وعندما يتوزع حمل الدعوة على كل قادر، ويوظف كل منا لصالح الإسلام أكثر من راغب، عندها نتغلب على نقص الموارد وننجح في الاستفادة المثلى منها، وتتميز وظيفة كل وحدة عمل أو منفذ دعوة، وتعلو المؤسسية على الفردية، عند ذلك نكون قد وفقنا إلى إتقان دعوة الله (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) وإحسان الأداء فيها (إن الله كتب الإحسان على كل شيء).

  وعندما ترى القيم الإسلامية تنتشر في قطاعات المجتمع الحيوية، وينعكس ذلك من سلوكيات وتصرفات الطلاب والعمال والمهنيين والنخبة، وعندما يصل هذا الخير إلى قاعدة المجتمع من الطبقات الشعبية فقل رب أوزعني أن أشكر نعمتك وانتظر أن تنشأ في هذه القطاعات مجموعات للإصلاح تلتزم بالإسلام كمنهج حياة وتعمل على نشره،عندها ستجد القناعة لدى الشارع المصري بضرورة التغيير الإسلامي وذلك يعد نجاحاً لنشر الدعوة.

 وعندما يتبنى قومنا رؤية تنموية شاملة نقدمها في كل تخصص تجسد التعامل الإسلامي الصحيح مع مشكلات مجتمعنا، عندها ينجح مشروع الحل الإسلامي ويتجسد شعار الإسلام هو الحل.

 وعندما تستمر مسيرتنا في الدعوة إلى الله رغم التضييق، ونبتكر لإفادة قومنا ودعوتنا طرقاً جديدة، ونستعيد زمام المبادرة بأطروحات متجددة في القضايا الحيوية يقبلها شعبنا، فثق أنه قد صار لنا حضوراً دائماً في حياة الأمة يستعصي على التغييب.

وطالما احتفظ الصف بتماسكه وثباته والتفافه حول قيادته الصلبة واستعداده للبذل والتضحية فلسوف تتنامى مظاهر التفهم لفكرتنا والتعاطف مع حركتنا والتأييد لأعمالنا والالتفاف حولنا بل ونصرتنا إن أوذينا، كل ذلك سيضفي علينا منعة كتلك التي طلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوار مطعم بن عدي ثم من ألأنصار في بيعة العقبة حيث قال (أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم) فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال “نعم والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعك مما نمنع منه أزرنا”.

وعندما تعلو كلمة الله ويفشل أعداؤه في إثنائنا عن مهمتنا أو تحويلنا عن عقيدتنا، وحين ييأس المبطلون من إعلاء باطلهم عندها تذكر معنى النصر.

النصر الذي تحقق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه إذ هما في الغار، يوم خرج وحيداً إلا من صاحبه الصديق، لا جيش ولا عدة، أعداؤه كثر، وقوتهم إلى قوته ظاهرة، القوة المادية كلها في جانب وهو صلى الله عليه وسلم مع صاحبه منها مجرد، ومع ذلك كان النصر. إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحرن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم.

وهو النصر الذي تحقق للغلام عبد الله بن الثامر، يوم أجبر الظالم في حشد من الناس أن يقذف باسم ما جحد ليصيبه: قذف الجاحد وهو كاره باسم الله رب الغلام، فمات الغلام وانتصر؛ إذ آمن الناس برب الغلام وأعلنوا أن كلمة الله هي العليا، ثم تكرر النصر في الأخدود حين استعلى الإيمان على الفتنة والعقيدة على الحياة، حين يأس الطغاة من السيطرة على الأرواح رغم سيطرتهم على الأجساد أنه نصر بلا تمكين ومثله انتصار صالح إذ أنجاه الله والقلة معه يوم هلكت ثمود .

 إنه أيضاً نصر بلا تمكين ولكن هناك النصر مع التمكين وعد الله الذين آمنوا منكم وعلموا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور يومها تعود الخلافة الراشدة، وعندها تعلو راية الحق ويعم العدل (حكمت فعدلت، فأمنت فنمت يا عمر) ويسود الأمن ،  (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الأنعام 82.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وسوم: العدد 653