الكرم والجود

الشيخ عبد العزيز رجب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.

من أهم الفضائل والسجايا والقيم التي رغب الله أن تنغرس في قلوب عباده المؤمنين هي صفة الكرم والجود، وهى تتماشى مع الفطرة البشرية، التي تتطلب البذل والعطاء والإنفاق، وكل ما يحمد من أنواع الخير، وما فيه نفع مشروع عن طيب النفس، وابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى .

والله وصف نفسه بالكريم الجواد، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ{ (الإنفطار:6)، وعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ كريمٌ يُحبُّ الكرمَ". أخرجه الطبراني والترمذي بسند حسن

وقد وصف الله أشياء بالكرم كالقرآن الكريم {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}[الواقعة 77]؛ ووصف الرسول صلى الله عليه

وسلم بالكرم في قوله سبحانه وتعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}[الحاقة:40]

 وكذلك وُصف سيدنا يوسف -عليه السلام- بالكرم، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ قال:

"أكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله". أخرجه: البخاري

فضل الكرم والجود:

ولأن الكرم والجود عِزُّ الدنيا، وشرف الآخرة، وحسن الصيت، وخلودُ جميل؛ فقد جاء في فضلهما في الشريعة الإسلامية آيات وأحاديث كثيرة:

1- أثنى الله سبحانه وتعالى على أصحاب الكرم والجود: فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[سورة البقرة الآية:261] وقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون} [البقرة: 272].، وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:274.

 2- الكرم يجلب بركة للمال، كما روي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا". [متفق عليه].

3- السخاء صفة تستر بها العيوب، وتزال بها الكروب والأزمات، كما قال الشافعي:

وإن كثرت عيوبك في البرايا *** وسرك أن يكون له غطاء

تستر بالسخاء فكل عيب  ***  يغطيه كما قيل السخاء

4- الكريم الجواد هو الذي يسود الناس كما قال الشاعر:

لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال

نماذج مشرفة من الكرم والجود:

امتلأ التاريخ بنماذج مشرفة للكرم والجود منها:

1- وُصف العرب قبل الإسلام بالكرم والجود، وكان حاتم الطائي أكرم العرب.

2- قال أنس بن مالك -رضي الله عنه– إنَّ رجُلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَر له بشاءٍ بيْنَ جبَلَيْنِ، فرجَع إلى قومِه فقال: أسلِموا فإنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعطي عَطاءَ رجُلٍ لا يخشى الفَاقةَ". أخرجه مسلم وابن حبان.

3- يجود عمر-رضي الله عنه- بنصف ماله لله عز وجل، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا أبقيتَ لأهلك يا عمر؟، فيقول: أبقيتُ لهم نصف مالي. 

4- يجود أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- بنصف ماله لله عز وجل، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تركتَ لأولادك يا أبا بكر؟، فيقول: تركتُ لهم الله ورسوله.

5- يرسل معاوية -رضي الله عنه- إلى السيدة عائشة -رضي الله عنها- بمال قدره مائة وثمانون ألف درهم، فأخذت تقسم المال، وتوزعه على الناس حتى تصدقت به كله، وكانت صائمة، فأمرت جاريتها أن تحضر لها الطعام لتفطر، فأحضرت لها الجارية خبزًا وزيتًا، وقالت لها: أما استطعتِ فيما قسمتِ اليوم أن تشتري لنا لحمًا بدرهم لنفطر عليه؟، وهكذا تصدقتْ بهذا المبلغ الكبير، ونسيتْ أن تبقي درهمًا تشتري به طعامًا لإفطارها.

6- هذا عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- شديد السخاء، يقال أنه ما مات حتى أعتق ألف رقبة، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألف.

مراتب الكرم والجود:

للجود والكرم مراتب، أعلاها الجود بالنفس، ثم الجود بالرياسة والجاه، والجود بالراحة، والجود بالعلم، والجود بنفع البدن، والجود بالوقت، والجود بالعرض، والجود بالصبر، والجود بالخلق الحسن، والجود بترك ما في أيدي الناس، والجود بالمشاعر والعاطفة والكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة.

آداب الكرم والجود:

للكرم والجود آداب أهمها:

1- الإخلاص: كما قال سبحانه {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [سورة الكهف:110]

2- الإنفاق من طيب المال: قال تعالى { َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267]

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً". أخرجه: مسلم والترمذي

3- اجتناب المن والأذى: كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [ البقرة:262].

 4- طلاقة الوجه وطيب اللقاء والبشر: عن أبي ذر –رضي الله عنه– عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تَبَسُّمُك في وجهِ أخيك صدقةٌ". أخرجه: الطبراني والترمذي، وقال حسن غريب.

طرق اكتساب المسلم صفة الكرم والجود:

أ- يكن مع الله بالإحسان في العبادة.

ب- يفعل كل ما أمر الله به.

ت- ينتهي عما نهى الله عنه.

ث- يطع النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به.

ج- يكن مع النفس فلا يهنها.

ح- يعامل الأهل والأقارب معاملة الحسنة.

 خ- ينفق حسب قدرته على المحتاجين من الأهل والأقارب.

د- يكن مع الناس ببذل كل خير لهم.

هذا وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وسوم: العدد 656