سبح لرب أبدعك

كل شيء يسبح بحمده :

 يسبح الكون لله تعالى تسبيح إقرار و اعتراف أنه الإله المستحق للعبادة فيسبح الطير و الشجر و يسبح الجماد و الورق في الشجر يسبح لله و الحوت يسبح في قاع البحر و ذرات الرمل الذهبية تسبح لله و نسمات الصبح في شروقها تسبح لله و ما في هذا الوجود شيء و إلا و أنفاس التسابيح ترسل للسماء حبا لله و تعظيما لله يقول جل شأنه " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }الإسراء44 "

التسبيح يدلل الصعاب :

 إن السير في دروب الحياة و تحمل مشاقها يضعف كيان النفس الضعيفة و المجبولة على الضعف و هي طبيعة فطرية فيحتاج المرء للمقويات ليقوى على حمل التكاليف المتنوعة في الحياة و تكون حاجة أصحاب الرسالات أكثر لطلب العون و أحسب أن الله هو اولى من يلوذ إليه المحتاج و يلوذ إليه صاحب الكربات و يلوذ إليه من ضاقت به السبل ويلوذ إليه المظلوم و يلوذ إليه من سدت الأبواب الموصدة في وجه فليس هناك غيره يفك الضيق و ليس هناك غيره يزيل هموم النفس المتعبة بأزمات الدهر و في سورة الصافات تحكي لنا قصة يونس المسبح يقول الله تعالى : " وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ " (148)

التسبيح دليل على صدق التعبد :

 إن اكثر الناس لزوما للتسبيح هم أخلص الناس و أقرب الناس هم الأنبياء عليهم السلام و قد كان حبيبنا محمدا أشد تعلقا بفن التسبيح و الدعاء حتى أقر المولى سبحانه و تعالى بهذه الصفة فكان متضرعا مبتهلا باكيا يرجو رضا ربه مظهرا بين يديه ضعفه و حاجته في سكون الليل يدلل مصاعب الدنيا بمشقة العبادة حتى نال الإقرار و الشرف من المولى عز و جل قال الله تعالى : " إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ " سورة المزمل: من الآية 20 وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه .. قالت عائشة : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا " رواه مسلم . إن حالنا اليوم مع هذه الخيبة التي تعيشها الأمة تحتاج منا إلى أوبة إلى لنغرف من نبعه الصافي لتعود لحياة بريقها و يعود الأمل المسلوب من القلوب التائهة المغيبة في سجون المادة الفاتنة وليزول من القلوب الخوف المزروع في أعماق النفس فنحطم تلك الآلهة المزعومة فتكون عبيدا لله تعالى فنكسر الأعلال و السلاسل التي شلت حركتنا لنكمل المسير و ليشع الخير في النفوس .

وسوم: العدد 658