مسئولية الآباء تجاه الأبناء

الشيخ عبد العزيز رجب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.

أولادنا هبة الله لنا، وهم بضعة منا، وثمرة الفؤاد، وفلذات الأكباد، ومعقد الآمال، وأحلامنا التي لم تحقق بعد، ولا يوجد إنسان يتمنى أن يكون هناك شخص أفضل منه كما يتمنى الآباء لأبنائهم.

فهم قرة أعيننا ، كما جاء في دعاء الصالحين }رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{. [الفرقان:74]

وهم زينة الحياة الدنيا، كما قال الله-عز وجل-: }الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً{. [الكهف:46].

وإنما أولاَدُنَا بَينَنا * * * أْكبَادُنَا تَمِشيَ على الأْرِض

لَوَ هبَّت الِّريُحَ على بَعِضِهْم * * * لاَمتَنَعَت عْينيِ مَن اْلغَمِض

ونحن مسئولون أمام الله –عز وجل- يوم القيامة عن الأولاد، كما روي عن عبدالله بن عمر –رضي الله عنهما– عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : « كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» . متفق عليه.

وعن أنس –رضي الله عنه–عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: «إنّ اللَّهَ تَعَالَى سائِلٌ كلَّ راعٍ عَمّا اسْتَرْعاهُ أحَفِظَ ذلِكَ أمْ ضَيَّعَهُ؟ حَتّى يَسأَلَ الرَّجُلَ عنْ أهْلِ بَيْتِهِ».أخرجه: النسائي، وابن حبان، وصححه الترمذي.

وعَن أبي هُرَيْرَة –رضي الله عنه– عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال : «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهيِمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». متفق عليه.

وعن عمرو بن سعيد بن العاص –رضي الله عنهما– عن النبي –صلى الله عليه وسلم قال: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حسن» . أخرجه: البخاري في التاريخ الكبير، والبيهقي، والحاكم  وقال: صحيح الإسناد.

وهم ذخر لنا في الدنيا والآخرة: كما جاء عن أبى هريرة –رضي الله عنه– عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: «إذا مات الإنسانُ انقطع عملُه إلا من ثلاثةٍ إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ يُنْتَفَعُ به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له» .أخرجه: البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والترمذي وقال: حسن صحيح.

وعدم الاهتمام بتربية الأبناء يؤدي إلى الندم وقت لا ينفع الندم، كما جاء في الأثر: "عَاتب بَعضهم وَلَده على العقوق فَقَالَ يَا أَبَت إِنَّك عققتني صَغِيرا فعققتك كَبِيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شَيخا". (تحفة المولود/ابن القيم: 229)

وإذا أردنا أن نعرف كيف نربي أولادنا تربية صحيحة، ونقوم بمسئوليتنا أمام الله –تبارك وتعالى-  فلا بد أن نعرف بداية سمات وخصائص الأولاد في مرحلة التكوين، حتى نعرف كيف نستثمرها ونستفيد منها مثل: شدة التقليد والنمو اللغوي السريع، والتشجيع، والتفكير الخيالي، والذاكرة الحادة الفولاذية.

ثم لا بد من توفير كل حاجيات الطفل الأساسية، من الغذاء والملبس والمسكن المناسب، والوقاية والعلاج والنوم واللعب والمرح، والحب والأمن والحرية.

ثم بعد ذلك نستخدم أساليب التربية الصحيحة مثل الثواب والعقاب والقدوة، والقصص والموقف والاستفادة من المناسبة، والعادات الطيبة، والملاحظة المستمرة في كل الجوانب من الجوانب الإيمانية والأخلاقية، والنفسية الروحية، والعلمية والعقلية، والاجتماعية والترتيب والنظافة.

ويمكن توجيهه من خلال قصص الصحابة والصالحين، وما تربى عليه ذلك الجيل القرآني الفريد، فهذا هو النبي -صلى الله عليه وسلم– وهو يصحح الأخطاء، فيعلم عمر بن أبي سلمى –رضي الله عنه- آداب الطعام فيقول: « يَا غُلاَمُ! سَمِّ الله وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» . متفق عليه.

ويوصى بالعدل بين الأبناء كما جاء عَن النعْمان بن بَشيرٍ –رضي الله عنه– عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: «اتَّقُوا الله واعدِلُوا بَيْنَ أوْلادكُمْ كَمَا تُحِبُّونَ أنْ يَبَرُّوكُمْ». متفق عليه.

وهذا لقمان الحكيم يربي ولده ويوصيه فيقول له: }يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) {. [الفرقان]

ثم تجنب أساليب التربية الخاطئة، مثل التسلط والقسوة، والحماية الزائدة، والتفرقة في المعاملة، والإهمال والتدليل.

ثم نغرز في أبنائنا صفاتٍ مهمة، كأن يكون سليم العقيدة، وصحيح العبادة، وحسن الخلق، والبعد عن الأخلاق السيئة، وسعة الثقافة، وقوة الجسد، والتنظيم والاستفادة من الوقت، ومساعدة الآخرين.

بهذا يخرج لنا جيلا مسلما مؤمنا فريدا تقر به أعيننا، ويكونون سندا لنا، نافعين لنا ولدينهم، ولأوطانهم وللإنسانية كلها، نباهي بهم الأمم في الدنيا والآخرة.

والحمد لله رب العالمين

وسوم: العدد 661