مفاتيح الرزق
الحمد لله القوي الرزاق، والصلاة والسلام على صاحب الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم التلاق.
قضية الرزق قضية عقيدة بالدرجة الأولى، فالله سبحانه هو الرَّزَّاقُ كما قال سبحانه: }إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ{ [الذاريات:56–58]، وقد تكفل سبحانه برزق جميع الخلق؛ قال تعالى: }وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا{ [هود:6]، ورزق الإنسان مكتوب له وهو في بطن أمه،كما روي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال:حدَّثنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: «إن خَلْق أحدِكم يُجْمَعُ في بطنِ أُمِّهِ أربعين يوماً، ثم يكون عَلَقة مثل ذلك، ثم يكون مضْغَة مثل ذلك، ثم يَبعَثُ الله إليه مَلَكاً بأربع كلمات: بكَتب رزقهِ وأجلهِ وعملهِ، وشَقي أو سعيد» متفق عليه.
وإذا أراد الإنسان تحقيق البركة في رزقه، فلن ينال ذلك إلا بالأسباب المقدرة، ومفاتيح الأرزاق المقررة، ومن أهم هذه الأسباب والمفاتيح:
الاستقامة: وهي الاستقامة على طاعة الله وطريقه المستقيم، والبعد عن معصيته وغضبه، فبذلك يتنزل الرزق عليه صبًا، كما قال سبحانه: }وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً{ [الجن: 16].
فرزق الله لا يطلب إلا بطاعته، والمعصية تمنع الرزق، وتمحو بركته، كما قال تعالى: }وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [الأعراف:96]
وروي عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الرَّجُلَ ليُحْرَمُ الرِّزْقَ بالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» أخرجه: أحمد، والطبراني، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
فالذي يحافظ على الصلاة وخاصة صلاة الفجر، دعا له النبي –صلى الله عليه وسلم- بالبركة فى الرزق، كما روي عن صَخْرٍ الغَامِدِيِّ -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «اللهمَّ بارك لأُمتي في بُكُورها» . أخرجه: أبو داود، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان
والذي يصل رحمه يبارك له الله فى رزقه، كما روي عَن أبي هُرَيْرَة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من سره أَن يبسط لَهُ فِي رزقه، وَأَن ينسأ لَهُ فِي أَثَره فَليصل رَحمَه". متفق عليه.
والذي يتوكل على ربه حق التوكل يرزقه من حيث لا يحتسب، كما روي عن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّه حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا». أخرجه: أحمد، والترمذي وقال: حسن صحيح.
وقال تعالى: }وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ{ [الطلاق:2،3].
وبعد التوكل على الله يأخذون بكل الأسباب المشروعة، كما قال الله تعالى}: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ{ [الملك:15]
وروي أن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى بعض الناس في المسجد بعد صلاة الجمعة فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. قال «عمر»: لستم المتوكلين ولكنكم المتواكلون. لَا يَقْعُدُ أحدكم عن طلب الرزق يقول اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تمطر ذهباً ولا فضة، أما سمعتم قول الله- تعالى-: }فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله{ [الجمعة:10]، وعلاهم بدُرته وأخرجهم من المسجد.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي أمر دنياه ولا في أمر آخرته".(إحياء علوم الدين:2/62)
وكثرة الذكر وخاصة الاستغفار من الأسباب المعينة على زيادة الرزق، كما جاء على لسان نوح –عليه السلام- في قوله تعالى: }فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا{ [نوح: 10-12]. وفي الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمٍ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب» . أخرجه: أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه.
ويُكثر من شكر الله على ما أعطاه فتزيد النعم والرزق، قال تعالى: }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ [إبراهيم: 7]
ويكثر مِن الإنفاق والصدقة في سبيل الله، فيفتح الله عليه أبواب الرزق الكثيرة، كما قال الله تعالى: }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{ [سبأ:39].
وكما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله عز وجل: يا ابن آدم، أَنفقْ أُنفِقْ عليك»، أخرجه الشيخان.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْ يوم يُصبِحُ فيه العبادُ إلا مَلَكانِ يَنْزِلان، يقول أحدُهما: اللهم أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً» .أخرجه: الشيخان.
فاللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 663