الحكمة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

د. عبد السميع اﻷنيس

تأمَّلتُ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]

وقلتُ: ما الحِكمةُ مِن أنَّ الله سبحانه بعظمَته، وملائكتَه بأعدادهم التي لا تُحصى يصلُّون على النبيِّ صلى الله عليه وسلم على الدَّوام والاستمرارِ؟

وقد أمَر الله المؤمنين أيضًا بذلك.

فرأيتُ أنَّ الحكمة هي:

1 - الثَّناء عليه، والإشارةُ إلى فضله لدَيه، وتأييده؛ ليَظهر دينُه على كلِّ الأديان، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8]؟

2 - ليَبقى ذِكرُه مرفوعًا بين الأنام على مدى الأزمان، قال تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].

إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو زينةُ الزَّمان، وجمالٌ للأمكنة والأيام، وسنَّتُه برَكة في حياة الإنسان! فبه كَمَل البناءُ، وتمَّ الدِّين.

3 - مَن تأمَّل هذه الحكمة، أدرك سرَّ حِفظ هذه الأمَّة رغم تكالُب الأمم، وتقاعُس الهِمَم، ولله في خلقه شؤونٌ وحِكَم.

ولهذا تَزداد دعوتُه على مَرِّ الأيام علوًّا، وأمَّتُه تكاثرًا، وذكره ارتفاعًا!

4 - صلاتنا وسلامُنا تُعرض عليه:

قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ مِن أفضل أيَّامكم يومَ الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النَّفخةُ، وفيه الصَّعقة، فأكثروا عليَّ من الصَّلاة فيه؛ فإنَّ صلاتكم معروضةٌ عليَّ))[1].

والحِكمة من عرْض صلاتنا وأعمالِنا عليه كونُه صلى الله عليه وسلم شاهدًا على أمَّته، والشَّاهدُ لا يسمَّى شاهدًا إلا إذا كان مطَّلعًا على ما يَشهَدُ به.

5 - من صلَّى عليه، صلَّى الله عليه عشرًا، ومَن سلَّم عليه، سلَّم الله عليه عشرًا:

عن حمَّاد بن سلَمة، أخبرنا ثابِت البنانيُّ، أنه تَلا قولَ الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

فقال ثابت: قدِم علينا سليمان مولى الحسَن بنِ عليٍّ فحَدَّثنا، عن عبدالله بن أبي طَلحَة الأنصاريِّ، عن أبيه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم جاء ذات يومٍ والبِشْر يُرَى في وجْهه، فقُلنا: يا رسول الله، إنَّا لَنَرى البِشْرَ في وجْهك؟ فقال: ((إنَّه أتاني الملَكُ، فقال: يا مُحمد، إنَّ رَبَّك يقول: أما تَرْضى ما أحدٌ من أمَّتك صلَّى عليكَ، إلَّا صَلَّيْتُ عليه عَشْرَ صلواتٍ، ولا سلَّم عليكَ أحَدٌ من أُمَّتك، إلا رَدَدْتُ عليه عشْرَ مرَّاتٍ؟ قال: بلى))[2].

‏قال اﻹمام السَّخاوي:

"وغايةُ مطلوب الأوَّلين والآخرين صلاةٌ واحدة من الله تعالى".

فكيف إذا صلَّى الله عليك عشرًا؟!

6 - لهذا كله يُسنُّ اﻹكثارُ من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيَّما في ليلة الجُمعة ويومِ الجمعة:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيِّدُ الأنام، والجمعة سيدُ الأيام؛ فللصَّلاة عليه في هذا اليوم مزيَّة ليست لغيره، وكلُّ خيرٍ نالَتْه أمَّتُه في الدنيا والآخرة فإنَّما نالَتْه على يده، فجمَع الله لأمَّته به من خيرَي الدنيا والآخرة، فأعظَم كرامةٍ تَحصل له فإنما تَحصل يوم الجمعة؛ فإنَّ فيه بَعْثهم إلى منازلهم وقصورِهم في الجنَّة، وهو يوم المزيد لهم إذا دَخلوا الجنَّةَ، وهو عيدٌ لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجِهم، ولا يرد سائلَهم، وهذا كله إنَّما عرَفوه وحصَّلوه بسببه، وعلى يده عليه الصلاة والسَّلام، فمِن شُكرِه وحمْدِه وأداء القليل من حقِّه أن نُكثِر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته"[4]

وسوم: العدد 665