ليكن القائد قدوة
من الصفات التي ينبغي أن يتميز بها القائد هي أن يكون قدوة في سلوكه وأخلاقه ، حتى يكون أثره في نفوس أتباعه وجنوده ومرؤوسيه ... إيجابياً وقوياً .
ولقد حفل تاريخنا الإسلامي بالقادة الذين تحلوا بهذه الصفة ، بدءاً من القدوة الأكمل ، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهاء بعدد كبير من القادة في عهده صلى الله عليه وسلم وفي العهود التالية كذلك .
ونحن هنا نذكر نماذج مما حفظته السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي في هذا المضمار :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس جنوده ، يعيش بينهم بجسمه وروحه ، كما يسكن في قلوبهم ومشاعرهم ...
كانوا إذا جاعوا وجدوه جائعاً ، وإذا عَصَبَ أحدهم على بطنه حَجَراً ، من شدة الجوع ، وجدوه قد عصب حجرين ! وإذا خرجوا إلى الغزو في يوم فاقة مشى راجلاً كأحدهم ، وإذا شاركوا في عمل كان أول المشاركين وأعظمهم ... ولم تكن مشاركته لمجرد قص الشريط ، أو الإيذان ببدء " المراسيم " وسط تصفيق الجماهير المحتشدة ... لا .
لقد حفروا الخندق ، فكانوا يلوذون إليه كلما اعترضتهم صخرةٌ كأْداء ، فكان يهوي عليها بمعوله ويقول : الله أكبر ، أُعطيتُ مفاتيح الشام ... ثم يضرب ضربة ثانية ، ويقول : الله أكبر ، أعطيتُ فارس ، ثم يضرب الثالثة ويقطع بقية الحجر ويقول : الله أكبر ، أعطيتُ مفاتيح اليمن .
وكانوا إذا فزعوا من أمر وجدوه أول من يستطلع الخبر ، وقد سمع المسلمون في المدينة ذات ليلة صوتاً ، فحسبوه غارة ، فخرجوا قِبَل الصوت فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً لتوِّه يطمئنهم ويقول : " لن تُراعوا إن شاء الله "! .
وعليّ بن أبي طالب سيد الشجعان ، كرّم الله وجهه ، يقول : كنّا إذا حمي الوطيس ، واحمرت الحِدَق، نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن أحد أقرب إلى العدو منه ! .
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤْثر نفسه بشيء من الغنائم والمغانم دون أصحابه ، بل كان يُؤْثرهم على نفسه ، حتى إنه ليذبح الذبيحة فيوزع لحمها ولا يكاد يدع لنفسه وأهله منها شيئاً .
وعلى خطاه سار أصحابه والقادة من بعدهم :
عندما افتتح القائد المسلم عتبة بن فرقد بلاد أذربيجان وغنم الغنائم ، كان فيما أرسله مع بعض جنوده إلى عمر أمير المؤمنين نوعٌ من طعام فاخر ، فلما ذاقه عمر قال : إن هذا لطيّب ! أكُلُّ المهاجرين أكَلَ منه شِبَعَه ( أي أكل منه حتى شَبِع ؟ ) قال الجندي : لا ، إنما هو أَمْرٌ خَصَّكَ به . فكتب إليه: "من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد . أما بعد : فليس من كَدِّك ولا كدِّ أمك ، ولا كدّ أبيك! . لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم". [ من كتاب فتوح البلدان ] .
وشبيه بهذه الحادثة، لما انتصر أبو عبيد بن مسعود في معركة السقاطية على الفرس في شعبان 13 هـ، وكانت قبل موقعة الجسر ، جاءه مجموعة من دهاقنة السواد بأنواعٍ مِنَ الأطعمة الفارسية الفاخرة، ليكرموه بها، فقال : أأكرمتم كل جنودي بمثل هذا ؟ قالوا : لم نفعل بعد ، وإننا فاعلون. فرفض أبو عبيد الطعام وقال: " لا حاجة لنا فيما لا يسع الجند . بئس المرء أبو عبيد إن صحب قوماً من بلادهم فاستأثر عليهم بشيء " ...
وفي اليوم الثاني عادوا فقدموا له الطعام وأعدُّوا للجيش كلِّهِ مثلَه ، فقال : الآن نعم ، وأكل .
وكان أستاذ العسكرية وعبقري الحروب ، سيف الله خالد بن الوليد يضرب أروع الأمثلة في الشجاعة، حتى ملك قلوب جنوده ، وطار ذكره في الآفاق ، حتى إن أخباره تسبقه مسيرة شهر فيدبُّ الرعب في قلوب أعدائه ... ولم يحضر معركة إلا حَرَص على مقابلة القائد الخصم فإما قَتَلَه ، وإما أَسَرَه ، ولقد حدثتنا كتب التاريخ عن قادة عمالقة فرُّوا منه فمات بعضهم في صحراء العراق عطشاً ! .
ولما حضرتْ خالداً الوفاة بكى لأن يموت على فراشه وقال : " ما في جسمي موضع شبر إلا وفيه ضربةٌ بسيف ، أو طعنة برمح ، وها أنذا أموت على فراشي كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء".
فهكذا كان القادة ، وهكذا يجب أن يكون من يتصدى للقيادة!.
وسوم: العدد 665