الإسلام دين الرحمة
الإسلام دين الرحمة:
ومِنْ رحمته أنه "يجبُّ ما كان قبله"[1].
♦♦♦
اللهُ في الإسلام ربٌّ رحيمٌ:
قال الله تعالى: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54].
وعن عمر بن الخطاب قال:
(قدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم سبيٌ، فإذ امرأةٌ من السبي قد تحلّب ثديُها تسعى إذ وجدتْ صبياًّ في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعتْه فقال النبي صلى عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدَها في النار؟ قلنا: لا، وهي قادرة على أن لا تطرحه. فقال: للهُ أرحمُ بعباده مِنْ هذه بولدها)[2].
♦♦♦
ورحمتُه - سبحانه - يومَ القيامة أكبر وأكثر مِنْ رحمته في الدنيا:
عن سلمان قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(إنَّ الله خلقَ -يوم خلقَ السماوات والأرض- مئة رحمة، كلُّ رحمة طباقَ ما بين السماء إلى الأرض، فجعلَ منها في الأرض رحمة، فبها تعطفُ الوالدةُ على ولدها، والوحشُ والطيرُ بعضُها على بعض، فإذا كان يومُ القيامة أكملها بهذه الرحمة)[3].
ولاحظوا هذه الصورة التي نبَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأذهانَ إليها: عطف الوالدة على ولدها، وتراحم الحيوان أيضاً، ويوضِّحُ هذا اللفظُ الآخرُ:
(جعل اللهُ الرحمةَ مئةَ جزء، فأمسكَ عنده تسعة وتسعين، وأنزلَ في الأرضين جزءاً واحداً. فمِنْ ذلك يتراحمُ الخلائق، حتى ترفع الدابةُ حافرَها عن ولدها خشيةَ أنْ تطأهُ وتصيبَهُ)[4].
♦♦♦
ورحمتُه تغلب غضبه:
عن أبي هريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لما خلق اللهُ الخلقَ كتبَ في كتابه -فهو عندَه فوقَ العرش-: إنّ رحمتي تغلبُ غضبي)[5].
ولهذا فإنه -سبحانه- يقولُ -كما حدَّثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم -:
(مَنْ ذا الذي دعاني فلم أجبه، وسألني فلم أعطه، واستغفرني فلم أغفرْ له، وأنا أرحمُ الراحمين؟)[6].
وقد عرَف ملائكةُ الله هذا فانظرْ إلى ما رواه ابنُ عباس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لما أغرقَ اللهُ آلَ فرعون، قال فرعون: آمنتُ بالذي آمنتْ به بنو إسرائيل. قال جبريل: يا محمدُ لو رأيتَني وأنا آخذُ مِنْ حالِ البحر[7] فأدسُهُ في في[8] فرعون مخافةَ أنْ تدركَهُ الرحمةُ)[9].
♦♦♦
وحقيقة الرحمة وسعتها لا يعلمها الإنسان:
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(لو يعلمُ الكافرُ ما عند الله من الرحمة ما قنطَ من الجنة أحدٌ...)[10].
♦♦♦
ونبيُّ الإسلام نبي الرحمة:
وصفه الله تعالى بهذا فقال: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
ووصف النبيُّ صلى الله عليه وسلم نفسَه فقال: (وأنا نبيُّ الرحمة)[11].
ومِنْ مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم: رحمتُه بالأطفال وشفقتُه عليهم:
عن أبي هريرة قال:
(قبّلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الحسنَ بنَ علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال: إنَّ لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحداً، فنظرَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال: مَنْ لا يَرحم لا يُرحم)[12].
وعن عائشة قالت:
(قدم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتقبِّلون صبيانَكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنّا واللهِ ما نُقبِّل. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: وأملكُ إنْ كان اللهُ نزعَ منكم الرحمة)[13].
وعن أنس بن مالك قال:
(ما رأيتُ أحداً كان أرحمَ بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: كان إبراهيم مُسترضعاً له في عوالي المدينة، فكان ينطلقُ ونحن معه، فيدخل البيت وإنه ليدخِّنُ -وكان ظئرُهُ قيناً[14]- فيأخذُهُ فيقبِّلهُ ثم يرجعُ...)[15].
وليست رحمتُه لأبنائه فقط، بل لغيرهم أيضاً:
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما:
(كان رسولُ الله يأخذني، فيُقعدُني على فخذه، ويُقعد الحسنَ على فخذهِ الأخرى، ثم يضمُّهما ثم يقول: اللهم ارحمْهما فإنني أرحمُهما)[16].
وأعلنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ مَنْ لم يرحم الأطفالَ فليس منا فقال:
(ليس منا مَنْ لم يرحمْ صغيرَنا، ويعرفْ شرفَ كبيرنا)[17].
وعمَّمَ هذا في الناس كلهم فقال:
(مَنْ لا يرحم الناسَ لا يرحمه اللهُ)[18].
♦♦♦
وأعلنَ أيضاً أنَّ عدمَ الرحمة يدلُّ على الشقاء فقال:
(لا تُنزَعُ الرحمةُ إلا مِنْ شقيٍّ)[19].
♦♦♦
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسألُ الله الرحمة وهو في الصلاة:
فعن ابن عباس قال:
(كان رسولُ الله يقول بين السجدتين: اللهم اغفرْ لي، وارحمني، وعافني، وارزقني، واجبرني، واهدني)[20].
ويعلِّم صاحبَه الأول أبا بكر رضي الله عنه أنْ يسألها:
فعن أبي بكرٍ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي.
قال: قلْ: اللهم إنّي ظلمتُ نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت، فاغفرْ لي مغفرة مِنْ عندك، وارحمني إنك أنتَ الغفورُ الرحيم)[21].
♦♦♦
وإذا دعوتَ فاجزمْ بطلب الرحمة:
فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقولنَّ أحدُكم: اللهم اغفرْ لي إنْ شئتَ، اللهم ارحمني إنْ شئت، لِيَعزمِ المسألةَ فإنّه لا مُكرِهَ له)[22].
♦♦♦
وهذه الأمة مرحومة:
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(إنَّ هذه الأمة مرحومة، عذابُها بأيديها، فإذا كان يومُ القيامة، دُفِعَ إلى كل رجلٍ من المسلمين رجلٌ من المشركين فيُقال: هذا فداؤُك من النار)[23].
♦♦♦
والرحمة صفة المجتمع المسلم:
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(مثلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مثلُ الجسدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهر والحُمّى)[24].
[1] رواه أحمد.
[2] رواه البخاري ومسلم.
[3] رواه مسلم.
[4] رواه مسلم.
[5] رواه مسلم.
[6] رواه أبو نُعيم في "أخبار أصفهان".
[7] أي طينه الأسود.
[8] فم.
[9] رواه أحمد في "المسند"، والترمذي وقال: حسن".
[10] رواه أحمد.
[11] رواه أحمد.
[12] رواه البخاري ومسلم.
[13] رواه مسلم.
[14] حداداً.
[15] رواه مسلم.
[16] رواه البخاري.
[17] رواه الترمذي.
[18] رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
[19] رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن.
[20] رواه الترمذي.
[21] رواه البخاري ومسلم.
[22] رواه البخاري ومسلم.
[23] رواه ابن ماجه.
[24] رواه البخاري ومسلم.
وسوم: العدد 678