الدعوة و صناعة الحياة
إن حمل رسالة الهداية للناس بتبليغ رسالة الإسلام ، هي غاية كبيرة ، حملها الأنبياء عليهم السلام ، و حملها بعدهم خاتم الرسل محمد صلى الله عليه و سلم . هذه الدعوة التي تحمل كل معاني الخير ، ومن ارشاد الإنسانية كافة للعبودية الحقة ، فهذه العبودية التي أوضحتها الآية الكريمة في قوله الله تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ 56مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " (58) من سورة الذاريات .
و إننا نشهد أن الرسول صلى الله عليه و سلم قد اقام الحجة على الناس في بيان واجب التبليغ ، بيانا كافيا و شافيا في ثلاث و عشرين سنة ، و لو تأملنا جزء من خطبة الوداع لرسولنا لا أدركنا سمو هذه الدعوة ، قال الرسول الكريم في حجة الوداع: كلمات تبرز جوانب القيم الانسانية الراقية لهذه الدعوة ، جوانب تفتقر إليها حياتنا اليوم . " ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَدْرُونَ فِي أَيِّ شَهْرٍ أَنْتُمْ ؟ وَفِي أَيِّ يَوْمٍ أَنْتُمْ ؟ وَفِي أَيِّ بَلَدٍ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا: فِي يَوْمٍ حَرَامٍ، وَشَهْرٍ حَرَامٍ، وَبَلَدٍ حَرَامٍ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَهُ، ثُمَّ قَالَ: اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ وَمَالٍ وَمَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة " رواه أحمد عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ]
و سار الصحابة عليهم الرضوان على خطى الحبيب ، يحملون رسالة الدعوة بالاقتداء و الأسوة ، و تابعهم في ذلك التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، و قد تحملوا في سبيل تبليغها المحن و الشدائد في جهاد طويل صنعوا فيه الروائع في قيادة الدينا و الأخرة ، هان في سبيلها كل الصعاب و المحن ، يكفي المسلم أن يقرأ الكريمة بتدبر ليقف عند الحقيقة ، قال تعالى: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ " من سورة البقرة 214.
و فد وقفت عند كلمات الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله في بيان رسالة الداعية و بمثل هذه النظرات و بمثل هذا الفهم الرصين العملي ليسير الدعاة بدعوتهم في ربوع الدنيا بهذا النور و الهدي جاء به صاحب الرسالة الخاتمة صلى الله عليه و سلم " هيا أيها الإخوة أفيقوا جميعًا، وأنتم كذلك إن شاء الله، لكنه التذكير فاستيقظوا وعيشوا حياتكم وحياة أبنائكم وبيوتكم مع هذا الحق؛ لتكونوا إن شاء الله شعلةً من الإيمان ونورًا يُستضاء به، ونبراسًا يُقتدى به، وبمقدار إخلاصنا لله وحبنا بصدق لدعوتنا لرسالة الإسلام الخالدة لمنهج الله عزَّ وجلَّ في الأرض؛ بمقدار استقرار هذه المعاني في نفوسنا يكون أثرنا، ويكون تأثيرنا في الآخرين، فقضية الكلام سهلة يستطيعها كل إنسان لكن يجب علينا أن نعيش قضية الإسلام الكبرى قضية هذا الحق قضية هذه الرسالة، وأن نحمل همومها، وأن نهتم بكل مسلم على ظهر الأرض ففي الأثر "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" إياكم أن تشغلوا عن دعوتكم بأي شيء آخر، انشغلوا بها وعيشوا لها واستيقظوا من أجلها وابذلوا كل ما تستطيعون في سبيلها، فأنتم بذلك تطرقون أبواب الجنة إن شاء الله. "
إن الدعوة إلى الله مركبة آمنة ، و سفينة توصل إلى بر الأمان ، لا يسير في ركبها إلا الأطهار ، أطهار يكون سبيلهم و مرشدهم تلك الآية العظيمة في معانيها ، قال الله تعالى: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ " (يوسف:108). فالداعية رجل يقود الناس للخير بالحب و الإخاء ، يقود الناس يظهر بالخير الذي يحمله بذلك النموذج العملي الذي يأسر القلوب بمهارته و إبداعه ، فهو يحسن كسب القلوب ، و يجيد فن الخطاب و التوصيل ، فهو يبعث الأمل في النفوس ، و فوق ذلك هو رجل ناجح في حياته و في آخر المقالة وجدت كلمات أحسبها تستحق الوقوف عندها لرجل صاغ حياته بالدعوة و أفنى عمره يرسل رسائل حب الدعوة في نفوس الشباب يقول الأستاذ عباس السيسي رحمه الله
" إن الذين يحملون دعوة الله تعالى إلى الناس لا بد أن يكونوا قمة النظافة ، فالله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً ، ومن هنا فأنت لا تقرأ القرآن إلا وأنت طاهر، والدعوة التي آمُلك لها وأنشدك لمستقبلها في حاجة إلى نظافة قلبك، ليعطي ويأخذ، ليصبر ويصابر، ليصفح ويسامح، لينزل إلى مستوى الضعفاء، وليرتفع بهم إلى مستوى الأقوياء، يقترب ببطء حتى لا يُنفر، لا يتكلم في حق الآخرين إلا بخير لأنه ينشدهم للدعوة " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " 34 من سورة فصلت كل ذلك مفتاحه نظافة القلب فهي سر النجاح، إننا عما قريب راحلون، ونحب أن نُودّعَ الحياة وقد أَوْدَعْنَا هذه الدعوة عند شباب نظيف القلب، ويعلم الله أننا إذا أحببنا هذه الدنيا فإنما نحبها من أجل ذلك " كل نفس ذائقة الموت" ، " وما تدري نفس ماذا تكسب غذاً وما تدري نفس بأي أرض تموت".
وسوم: العدد 708