إشراقات باهرة من سورة الأنعام 21
إشراقات باهرة من سورة الأنعام
( لجوء الناس إلى الله عند الشدّة )
د. فوّاز القاسم / سوريا
(( قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) ))
هذا طرف من وسائل المنهج الرباني في خطاب الفطرة الإنسانية بهذه العقيدة ...
إنها مواجهة الفطرة بتصور الهول . . والفطرة حين تلمس هذه اللمسة ; وتتصور هذا الهول ; تدرك - ويعلم الله سبحانه أنها تدرك - حقيقة هذا التصور , وتهتز له ; لأنه يمثل حقيقة كامنة فيها , يعلم بارئها سبحانه أنها كامنة فيها ويخاطبها بها على سبيل التصور ; فتهتز لها وترتجف وتتعرى !
وهو يسألهم ويطلب إليهم الجواب بالصدق من ألسنتهم ; ليكون تعبيرا عن الصدق في فطرتهم: ( أغير الله تدعون . . إن كنتم صادقين).
ثم يبادر فيقرر الجواب الصادق , المطابق لما في فطرتهم بالفعل , ولو لم تنطق به ألسنتهم: ( بل إياه تدعون . . فيكشف ما تدعون إليه إن شاء . . وتنسون ما تشركون ). بل تدعونه وحده ; وتنسون شرككم كله ! . .
إن الهول الذي يتعرّض له الإنسان أحياناً ، في البرّ أو البحر أو الجوّ ، يعرّي فطرته - حينئذ - فيتجه بطلب النجاة إلى الله وحده . وينسى أنه أشرك به أحدا .
إن معرفة الفطرة بربها هي الحقيقة المستقرة فيها ; فأما هذا الشرك فهو قشرة سطحية طارئة عليها , بفعل عوامل أخرى . قشرة سطحية في الركام الذي ران عليها . فإذا هزها الهول تساقط هذا الركام , وتطايرت هذه القشرة , وتكشفت الحقيقة الأصيلة , وتحركت الفطرة حركتها الفطرية نحو بارئها , ترجوه أن يكشف عنها الهول الذي لا يكشفه أحدٌ غيره . .
وحتى أولئك الذين يمارسون الإلحاد في صورته الفجّة ليسوا صادقين فيما يزعمون أنهم يعتقدونه . ونحن نشك في أن هناك خلقا أنشأته يد الله , ثم يبلغ به الأمر حقيقة أن ينطمس فيه تماما طابع اليد التي أنشأته ; وفي صميم كينونته هذا الطابع , مختلطا بتكوينه ، متمثلا في كل خلية وفي كل ذرة من كيانه ...!
إنما هو التاريخ الطويل من العذاب البشع , ومن الصراع الوحشي مع الكنيسة , ومن الكبت والقمع , ومن إنكار الكنيسة للدوافع الفطرية للناس مع استغراقها هي في اللذائذ المنحرفة . . إلى آخر هذا التاريخ النكد الذي عاشته أوربا قرونا طويلة . . هو الذي دفع الأوربيين إلى هذه الموجة من الإلحاد في النهاية . . فرارً من غول الكنيسة الكريه ، إلى تيه الإلحاد المخيف ( كالمستجير من الرمضاء بالنار ) .
مع استغلال اليهود ( محرّفي الأديان ، وأعداء الإنسانية ) لهذا الواقع التاريخي ; ودفع النصارى بعيدا عن دينهم ، ليسهل عليهم إشاعة الانحلال والشقاء فيهم , وبالتالي ليسلس لهم قيادهم , وليتيسر لهم استخدامهم - كالحمير - على حد تعبير "التلمود" و"بروتوكولات" حكماء صهيون " . .
وما كان اليهود ليبلغوا من هذا كله شيئا إلا باستغلال ذلك التاريخ الأوربي النكد ، من تسلّط الكنيسة الغاشم على المجتمع الأوربي في العصور المتخلّفة ، لدفع الناس إلى الإلحاد هربا من الكنيسة البائسة .
وكذلك فعلوا في الاتحاد السوفييتي ، فمع كل هذا الجهد الناصب , المتمثل في محاولة "الشيوعية " - وهي إحدى المنظمات اليهودية - لنشر الإلحاد , خلال أكثر من نصف قرن , بمعرفة كل أجهزة الدولة الساحقة , فإن الشعب الروسي نفسه لم يزل
وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
في أعماق فطرته الحنين إلى عقيدة في الله . . ولقد اضطر "ستالين" الوحشي - كما يصوره خلفه خروشوف ! - أن يهادن الكنسية , في أثناء الحرب العالمية الثانية , وأن يفرج عن كبير الأساقفة , لأن ضغط الحرب كان يلوي عنقه للاعتراف للعقيدة في الله بأصالتها في فطرة الناس . . مهما يكن رأيه ورأي القليلين من الملحدين من ذوي السلطان حوله .
ولقد حاول اليهود - بمساعدة "الحمير" الذين يستخدمونهم من الصليبيين - أن ينشروا موجة من الإلحاد في نفوس الأمم التي تعلن الإسلام عقيدة لها ودينا . ومع أن الإسلام كان قد بهت وذبل في هذه النفوس . . فإن الموجة التي أطلقوها عن طريق "البطل" أتاتورك في تركيا . . انحسرت على الرغم من كل ما بذلوه لها - وللبطل - من التمجيد والمساعدة . وعلى كل ما ألفوه من الكتب عن البطل والتجربة الرائدة التي قام بها . . ومن ثم استداروا في التجارب الجديدة يستفيدون من تجربة أتاتورك , ألا يرفعوا على التجارب الرائدة راية الإلحاد . إنما يرفعون عليها راية الإسلام . كي لا تصدم الفطرة , كما صدمتها تجرية أتاتورك . ثم يجعلون تحت هذه الراية ما يريدون من المستنقعات والقاذورات والانحلال الخلقي , ومن أجهزة التدمير للخامة البشرية بجملتها في الرقعة الإسلامية .
غير إن العبرة التي تبقى من وراء ذلك كله , هي أن الفطرة تعرف ربها جيدا , وتدين له بالوحدانية , فإذا غشي عليها الركام فترة , فإنها إذا هزها الهول تساقط عنها ذلك الركام كله وتعرت منه جملة , وعادت إلى بارئها كما خلقها أول مرة . . مؤمنة طائعة خاشعة . . أما ذلك الكيد كله فحسبه صيحة حق تزلزل قوائمه , وترد الفطرة إلى بارئها سبحانه . ولن يذهب الباطل ناجيا , وفي الأرض من يطلق هذه الصيحة . ولن يخلوا وجه الأرض مهما جهدوا ممن يطلق هذه الصيحة .