أفراح الروح في شهر القرآن
من عجائب قدرة الله في خلقه جمعه بين الروح والجسد في كيان واحد ، مع اختلاف طبيعة كل منها عن الآخر، فالروح لطيفة شفافة رشيقة من عالم الأمر، والجسم كثيف من عالم الخلق والمادة ، لهذا يقول أحدهم : (عرفت الله بجمعه بين الضدين –أي الروح والجسم-) .
ولعل شهر رمضان المبارك فرصة لتأهيل الروح ، وجمع القلب على الله ، وكأن ما يتم من زاد إيماني ، وأنوار وتجليات، ورحمات وبركات في هذا الشهر تنعكس على أصحابها طيلة السنة.
ومن حكم الصيام تجريد الروح وصقلها ، وتهذيب النفس وترقيتها ، وتصفيتها من الكدورات لتتذكر الحمى وديار المحبوب ، ولتسترجع ذكريات الملأ الأعلى التي كانت تأنس به قبل النزول إلى عالم الأرض ، وقبل أن تنعقد الصلة بينها وبين الجسد وتسكن فيه ، فالمنزل الأول الذي حل به الإنسان إنما هو الجنة
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّها ... مَنازلِنا الأُوْلَى وَ فِيها المُخَيَّمُ
وَلَكِنَّنا سَبْيُ العَدُوِّ فَهْلْ تَرَى ... نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَ نَسْلَمُ ؟
لذلك فإن الأرواح المشرقة المنورة دائما في حنين إليها ، وفي شوق متواصل لربوعها، وهذه غريزة في النفس البشرية في تعلقها بأول دار تسكنها ، وأول بلد تولد فيها :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ***ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ***وحنينه أبداً لأول منزل
وسوم: العدد 722