إشراقات من سورة الأنعام 19
إشراقات من سورة الأنعام
(وظيفة الدعاة التبليغ والهداية من الله وحده)
د. فوّاز القاسم / سوريا
(( وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) ))
إن الناس يواجهون هذا الحق الذي جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلّم من عند الله وهم فريقان :
فريق حي , وجميع أجهزة الاستقبال الفطرية فيه حية , عاملة , مفتوحة . .
وهؤلاء يستجيبون للهدى . فهو من القوة والوضوح والاصطلاح مع الفطرة والتلاقي معها إلى الحد الذي يكفي أن تسمعه , فتستجيب له: ( إنما يستجيب الذين يسمعون ). .
وفريق ميت , معطل الفطرة , لا يسمع ولا يستقبل , ومن ثم لا يتأثر ولا يستجيب . . وليس الذي ينقصه أن هذا الحق لا يحمل دليله - فدليله كامن فيه , إنما الذي ينقص هذا الفريق من الناس هو موت الفطرة , وتعطّل أجهزة الاستقبال فيها ... !
وهؤلاء لا حيلة فيهم للرسول صلى الله عليه وسلّم ، ولا مجال معهم للبرهان ، وسيظلون مثل الأموات في الدنيا حتى يرجعون إلى الله يوم القيامة ، وهو يتولى حسابهم ( والموتى يبعثهم الله . ثم إليه يرجعون ). .
هذه هي قصة الاستجابة وعدم الاستجابة ! تكشف حقيقة الموقف كله , وتحدد واجب الرسول صلى الله عليه وسلّم وأتباعه من بعده ، وهو التبليغ والدعوة والبيان ، وتترك الأمر كله لصاحب الأمر يقضي فيه بما يريد .
لقد خلق الله الإنسان لوظيفة معينة , تقتضي - في تدبيره العلوي الشامل - أن تكون له استعدادات معينة غير استعدادات الملائكة . من بينها التنوع في الاستعدادات , والتنوع في استقبال دلائل الهدى وموحيات الإيمان , والتنوع في الاستجابة لهذه الدلائل والموحيات . في حدود من القدرة على الاتجاه , بالقدر الذي يكون عدلا معه تنوع الجزاء على الهدى والضلال . .
لذلك لم يجمعهم الله على الهدى بأمر تكويني من عنده , ولكنه أمرهم بالهدى وترك لهم اختيار الطاعة أو المعصية , وتلقي الجزاء العادل في نهاية المطاف.