لا تحتكروا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
وعدت زميلنا الأستاذ Mohamed Ayada والزملاء أن أتطرّق لحديث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وعليه كانت هذه النقاط:
فرضت الصلاة 3 سنوات قبل الهجرة أثناء الإسراء والمعراج أي 7 سنوات بعد نزول الوحي وكان عمره صلى الله عليه وسلم حينها 47 سنة، مما يعني أن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبدأ الصلاة في طفولته ولا مراهقته ولا شبابه، فقد شرع في الصلاة وهو كهل، وصلاة الكهل والشيخ تختلف من حيث السرعة والخفّة والسّهولة واليسر عن صلاة الشاب.
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلى طيلة حياته إماما ولم يصل مأموما إلاّ مرّة واحدة حين صلى خلف سيّدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه. وصلاة المأموم تختلف من حيث السعة والراحة والضيق والحرج عن صلاة الإمام.
سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم رأوا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في هيئات مختلفة نقل كل واحد منهم الهيئة التي رآها، فالمسألة لها علاقة برؤيتهم لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على هيئة معينة.
بعض سادتنا الصحابة رأى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة الإسلامية، ومنهم من رأه يصلي وهو في المدينة، ومنهم من رآه يصلي في آخر عمره، فكل إذن رأى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في مرحلة معيّنة من حياته فنقل هيئة صلاة تتعلّق بفترة معيّنة.
قرأت أكثر من مرّة لزميلنا الأستاذ العراقي المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية مصطفى العمري وهو من أهل الفكر والنقد، يقول: كيف يختلف المسلمون حول الصلاة رغم أن الصلاة عمل ظاهري متكرّر وبشكل يومي ولسنوات عدّة؟، وعليه نقول: المسألة لاعلاقة بالاختلاف حول الصلاة إنّما لها علاقة بهيئة معيّنة في فترة معيّنة ونقلها الصحابي الأول والثاني والثالث والعاشر، وكل نقل هيئة معيّنة في وقت معيّن وفي ظرف معيّن، فالصلاة واحدة لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم نقلوا الهيئة التي رأوها رأي العين.
سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم يمكن تقسيمهم إلى: صحابة ظلّوا مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم طيلة حياته ولازموه وهؤلاء مقدّمون على غيرهم لأنهم رأوا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في جميع مراحل عمره وبمختلف الهيئات. وقسم عاش مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الوقت ثم انقطع لموت أو استشهاد أو هجرة فنقل جزء من صلاة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخفيت عنه الهيئات التي لم يستطع رؤيتها للأسباب المذكورة فهذا يأخذ منه الهيئة التي رأها ويضاف لها الهيئة التي لم يرها. وقسم لازم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر حياته فنقل آخر مارأه من صلاة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ينقل عنه آخر مارأه ويضاف لها رؤية الصحابة الذين رأوا صلاة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ومختلف الهيئات وإليهم المرجع في حالة الثبوت والاختلاف.
حين تطرّق فقهاؤنا لأركان الإسلام ومنها الصلاة، وضعوا في كتب الفقه بابا إسمه باب الصلاة ثم راحوا يشرحون سنن الصلاة، ومستحبات الصلاة، ومندوبات الصلاة، ومكروهات الصلاة ونقلوا في المذهب الواحد مختلف الآراء المتمثلة في القديم والمعاصر والمشهور، ونقلوا عن المذاهب الإسلامية الأخرى مختلف الأراء في كل هيئة من هيئات الصلاة، فوضعوا جميع هيئات صلاة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رأها ورواها مختلف سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم ولم يفرضوا على الأمة هيئة بعينها ولم يخرجوا من الملّة من خالف هيئة بعينها، ولم يتّهموا أحدا بالضلال لو اتّبع هيئة بعينها.
لايمكن فرض هيئة بعينها وادّعاء أنها "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم"، ومن خالفها فقد خالف صلاة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنها المرجع لكل المراجع والملغي لما قبله من الصفات.
من أراد أن يفهم معنى الحديث النبوي الشريف "صلوا كما رأيتموني أصلي" ، فلا يدخل السياسة في الفقه وليبعد التطاحن الطائفي عن الفهم وليرفع العصمة عن شيخه وليقرأ لشيخه ولغيره، وليعلم أن "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" ليست حكرا لأحد دون غيره ولا يمكن بحال حصرها في فهم واحد دون غيره، وقد علمت الأمة عبر سادتنا الصحابة مختلف هيئات صلاة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سلمه وحربه وكهولته وشيخوخته وصحته ومرضه وإقامته وسفره وأعياده وخطبه وفي بيته ومع أهله وأصحابه وضيوفه ومختلف الحالات عبر أزمنة مختلفة.
وسوم: العدد 732