تأملات في القران الكريم ح354
سورة فصلت الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ{29}
تروي الآية الكريمة على لسان الكفار في النار قولهم ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ) , يرى اغلب المفسرين انهم :
1- من الجن اللعين ابليس الذي اغوى العباد .
2- ومن الانس قابيل الذي سنّ سنة القتل .
بينما يرى اخرون انهم :
1- الشياطين التي وسوست وسولت لهم وحببت لهم الشرك والمعاصي.
2- ومن الانس ائمة الكفر الذين دعوهم الى الشرك والمعاصي ونبذ وهجر والاعراض عن الرسل وما جاؤوا به .
( نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا ) , كي ندوسهما في النار انتقاما , ( لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ) , وايضا ليكونا في اوطئ مراتب الذل والهوان .
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{30}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) , اقرارا بالوحدانية , ( ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) , على التوحيد , ( تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ) , عند الموت مبشرين اياهم :
1- ( أَلَّا تَخَافُوا ) : مما انتم مقدمون عليه من الموت وما بعده .
2- ( وَلَا تَحْزَنُوا ) : ولا تحزنوا على ما تركتم من الاهل والاولاد .
3- ( وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) : فأنه مقامكم فيها .
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها ويستمر معها كلام الملائكة للمؤمنين عند الموت ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) , بحفظكم من الشياطين والمكاره , ( وَفِي الْآخِرَةِ ) , عند الموت , حتى ندخلكم الجنة , ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ ) , لكم فيها ما تمنيتم , ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) , ولكم فيها ما تطلبون .
نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ{32}
يستكمل الملائكة قولهم في الآية الكريمة ( نُزُلاً ) , تلك المنازل وما فيها , ( مِّنْ ) , الله عز وجل , ( غَفُورٍ ) , كثير المغفرة للتوابين , ( رَّحِيمٍ ) , بالمؤمنين .
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{33}
تنعطف الآية الكريمة ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ ) , لا احد احسن ممن دعا الى توحيد الله تعالى وطاعته وعبادته , ( وَعَمِلَ صَالِحاً ) , وقرن دعوته بالعمل النافع , ( وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) , ثم يقر بأنه من المسلمين .
يختلف المفسرون في سياق الآية الكريمة في انها من كلام الملائكة ام من كلامه جل وعلا .
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ{34}
تبين الآية الكريمة ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ) , ننقل في النص المبارك رأيين :
1- لا تتساوى الحسنات ولا السيئات في جزئياتهما , حيث بعضهما اكبر وافضل من بعض .
2- لا يتساويان من حيث الجزاء , حيث بعض الحسنات جزاءها افضل من غيرها , وكذلك بعض السيئات عقابها اشد من غيرها .
( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) , نختر رأيين فيها :
1- ادفع ما اعترضتك من السيئات بالتي هي احسن من الحسنات .
2- او ادفع الخصلة السيئة بخصلة حسنة كدفع الغضب بالصبر , ودفع الجهل بالعلم ... الخ .
( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) , ان فعلت ذلك وقابلت العدو المتربص بحسن الخلق وفضائل الخصال صار كأنه صديق قريب , ولهذا الامر كثير من المصداقية والشواهد في الحياة اليومية .
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{35}
تستمر الآية الكريمة ( وَمَا يُلَقَّاهَا ) , تلك الخصلة وهي مقابلة الاساءة بالإحسان , ( إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ) , على الاذى , فأنها تحبس وتمنع النفس من الانتقام , ( وَمَا يُلَقَّاهَا ) , لا ينالها , ( إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) , ذو كمال النفس , فأن ذوي الاخلاق المتذبذبة لا يمكنهم الاتيان بها .
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{36}
تستمر الآية الكريمة ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ ) , وسوسته لعنه الله , ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ) , لذا استجر بالله تعالى وخالف الوسوسة , ( إِنَّهُ هُوَ ) , انه جل وعلا , ( السَّمِيعُ ) , لكل صوت ومقال , ( الْعَلِيمُ ) , بظواهر الامور وخوافيها .
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{37}
تنعطف الآية الكريمة مضيفة ( وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ) , تعاقبهما واختلافهما , ( وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) , في دورانهما وتعاقبهما في الليل والنهار وسائر المنافع المترتبة على ذلك , ( لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ ) , نهي عن السجود لأي منهما لأنهما من سائر المخلوقات , ( وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) , امر مباشر بالسجود له تعالى خالقهن , ( إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) , ان كنتم حقا تعبدونه ولا تشركون به شيئا من خلقه .
"السجود في الآية الكريمة واجب على كل من قرأها او سمع بها " .
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ{38}
تستمر الآية الكريمة ( فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا ) , عن امتثال الامر بالسجود له تعالى , ( فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ ) , من الملائكة , ( يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) , يسبحونه بشكل مستمر , دائم , ( وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ) , وهم لا يملون من التسبيح او العبادة .
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{39}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَمِنْ آيَاتِهِ ) , ومن دلائل قدرته جل وعلا , ( أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً ) , يابسة لا نبات ولا حياة فيها , ( فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء ) , الغيث , ( اهْتَزَّتْ ) , تحركت او دبت فيها او عليها الحركة , ( وَرَبَتْ ) , وانتفخت وعلت بالنبات , ( إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى ) , ان الذي احياها بعد موتها لمحيي الناس بعد موتهم , ( إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) , وهو جل وعلا قادر على كل شيء .
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{40}
تقرر الآية الكريمة مبينة ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ ) , يميلون و ينحرفون عن الاستقامة , ( فِي آيَاتِنَا ) , بطعنها وتحريفها وتكذيبها والمجادلة فيها ومن ثم يحاولن ابطالها والغاءها , ( لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ) , فنوفيهم جزاءهم المستحق , ( أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) , بالتأكيد لا خير في من يلقى في النار , وان كل الخير لمن و فيمن أتى آمنا يوم القيامة , ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ) , تهديدا للملحدين , ( إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) , فأنه جل وعلا مطلع عليكم وعلى اعمالكم وسوف يجازيكم عليها .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41}
تستمر الآية الكريمة ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ ) , الكفار ومن على شاكلتهم , والذكر هنا القرآن الكريم , ( لَمَّا جَاءهُمْ ) , فانهم سيجازون على كفرهم والحادهم به , ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ ) , أي القرآن , ( عَزِيزٌ ) , منيع .
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{42}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) , أي القرآن الكريم , لا ابطال له ولا تبطله الكتب السابقة ولا كتاب يأتي بعده فيبطله , ( تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ ) , في تدبير امور وشؤون خلقه , ( حَمِيدٍ ) , بما له من صفات الكمال , يحمده كل مخلوق بما غمره من نعمه جل وعلا .
وسوم: العدد 736