تأملات في القران الكريم ح366 سورة الدخان الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ{17}
تنعطف الآية الكريمة لتحقق ( وَلَقَدْ فَتَنَّا ) , بلونا , اختبرنا , ( قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ) , القبط , ( وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ) , موسى "ع" .
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ{18}
تستمر الآية الكريمة ( أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ) , للنص المبارك منحنيين :
1- أرسلوا معي عباد الله "بني اسرائيل" .
2- أدوا الي حقوق الله تعالى من الايمان وقبول الدعوة وما فرض عليكم من الصلاة والزكاة والصوم .
( إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ) , يعرف موسى "ع" عن نفسه بأنه رسول مؤتمن على ما ارسل به , غير متهم به .
وَأَنْ لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{19}
يستمر خطاب موسى "ع" في الآية الكريمة ناهيا ( وَأَنْ لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ) , لا تتكبروا ولا تتجبروا على رسوله بترك طاعته والاعراض عنه , وكذلك مقررا ( إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) , ها قد جئتكم ببرهان واضح الحجة .
يلاحظ في الآيتين الكريمتين ان الاولى ذكرت الامانة مع الاداء والتالية ذكرت السلطان مع الترفع والاستعلاء .
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ{20}
يستمر خطاب موسى "ع" في الآية الكريمة ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي ) , التجأت الى ربي , ( وَرَبِّكُمْ ) , المستحق للعبادة لا الذي تعبدونه , ( أَن تَرْجُمُونِ ) , ضربا بالحجارة او أي نوع اخر من الاذى , كالسب والشتم وكيل التهم .
وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ{21}
يستكمل موسى "ع" خطابه في الآية الكريمة ( وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي ) , وان لم تصدقوني , ( فَاعْتَزِلُونِ ) , كونوا بمعزل عني , لا لي ولا عليّ , لكنهم لم يتركوه "ع" .
فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ{22}
تبين الآية الكريمة ان القوم لم يكفوا عن التعرض له "ع" بالأذى ( فَدَعَا رَبَّهُ ) , بعد ان كذبوه وتعرضوا له , ( أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ) , مشركون , موغلون في الشرك والاعتداء .
فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ{23}
تضمنت الآية الكريمة شأنين :
1- ( فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً ) : الامر الالهي لموسى "ع" ومن معه بالمسير ليلا .
2- ( إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ) : اخطار , بأن فرعون وجنوده سيتبعونهم ان علموا بخروجهم.
وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ{24}
تستمر الآية الكريمة وفيها شأنين اخرين :
1- ( وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً ) : امر إلاهي اخر , أي اذا اجتزتم البحر فاترك فجوتيه ساكنتين حتى يدخل فرعون وجنوده .
2- ( إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ) : تقرير , ان فرعون وجنوده سيغرقون , وهذا ما كان , وفيه تطمين لموسى "ع" ومن معه من خطر فرعون وجنوده .
كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{25}
تستمر الآية الكريمة مبينة ( كَمْ تَرَكُوا ) , بيانا لكثرة المتروكات , ( مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) , من البساتين والعيون الجارية , كل ذلك تركه فرعون وجنوده خلفهم بعد الغرق .
وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ{26}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَزُرُوعٍ ) , وايضا تركوا فيما تركوه مزارع حسنة تسر الناظرين , وكذلك ( وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ) , منازل فارهة .
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ{27}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَنَعْمَةٍ ) , وكذلك تركوا خلفهم كثيرا من النعم الاخرى , ( كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ) , كانوا فيها مترفين .
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ{28}
تستمر الآية الكريمة ( كَذَلِكَ ) , مثل هذا العقاب الذي عوقب به فرعون وقومه وهو عقاب تبديل النعمة وتوريثها لقوم اخرين لم يآلوا جهدا في تحصيلها , ( وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ) , يرى بعض المفسرين ان من ورثهم هم بني اسرائيل , ويرى اخرون غير ذلك وهو الارجح , أي ان اقباطا من الفقراء استحوذوا على املاك الاقباط الاغنياء الهالكين مع فرعون .
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ{29}
تستمر الآية الكريمة وفيها محورين :
1- ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ ) , للمفسرين اراء حول النص المبارك منها :
أ) انه مجاز لعدم الاكتراث بهلاكهم .
ب) ان السماء والارض تبكيان لموت المؤمن .
2- ( وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ) : ممهلين الى وقت اخر , او مؤجلين الى حين التوبة .
( عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه مر عليه رجل عدو لله ولرسوله فقال فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين ثم مر عليه الحسين عليه السلام ابنه فقال لكن هذا لتبكين عليه السماء والأرض وقال وما بكت السماء والارض إلا على يحيى بن زكريا عليه السلام وعلى الحسين بن علي عليهما السلام ) . "تفسير القمي" .
وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ{30}
تحقق الآية الكريمة مؤكدة ( وَلَقَدْ نَجَّيْنَا ) , كتب الله تعالى النجاة , ( بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) , جميع بني اسرائيل , برهم وفاجرهم , من عذاب فرعون واهل مصر لهم بالاستعباد وقتل الابناء .
مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ{31}
تستمر الآية الكريمة ( مِن فِرْعَوْنَ ) , مما انزله فرعون وقومه عليهم من ذل الاستعباد وقتل الابناء وغير ذلك , ( إِنَّهُ ) , حيث ان فرعون :
1- ( كَانَ عَالِياً ) : متكبرا متجبرا .
2- ( مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ) : مسرفا في التكبر والقتل والعصيان .
وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ{32}
تستمر الآية الكريمة محققة ( وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ ) , بني اسرائيل , ( عَلَى عِلْمٍ ) , بحالهم , وانهم الاجدر بحمل الرسالات السماوية من غيرهم ان اختاروا ذلك , ( عَلَى الْعَالَمِينَ ) , على عالمي زمانهم .
وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ{33}
تستمر الآية الكريمة مبينة ( وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ ) , من المعجزات على يد موسى "ع" , كفلق البحر وتظليل الغمام والمن والسلوى , ( مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ ) , نعمة جليلة او اختبار ظاهر "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ{34}
تنتقل الآية الكريمة الى مشركي مكة ( إِنَّ هَؤُلَاء ) , مشركي مكة , ( لَيَقُولُونَ ) , معترضين .
إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ{35}
تروي الآية الكريمة مورد اعتراضات كفار مكة وكان في منحنيين :
1- ( إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى ) : العاقبة هي الموتة الاولى فقط , بها نفارق الحياة ولا حياة بعدها .
2- ( وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ) : عدم الايمان والتصديق بالحياة الاخرة وهذا ما يقتضي ويستلزم نفي البعث .
فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{36}
تستمر الآية الكريمة في مورد اعتراضات كفار مكة مقترحين اعجازا من شأنه ان يثبت صحة كلامهم وبطلان ما جاءهم به الرسول الكريم محمد "ص واله" في محاولة يائسة بائسة ( فَأْتُوا بِآبَائِنَا ) , أأتوا بإبائنا الذين قد ماتوا منذ مدة قصيرة او منذ زمن طويل , ( إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) , ان كنتم صادقين في دعواكم ان الله يبعث من في القبور .
وسوم: العدد 753