خواطر فؤاد البنا 811
تتلبّس روحُ الانهزامية ما يسمى بتيار الواقعية في ثقافتنا العروبية المعاصرة، فقد كانت الأمثال تقول: (كل الطرق تؤدي إلى روما) وتقول: (إذا ذهبتَ إلى روما فافعل كما يفعل الرومان)، أما اليوم فكل الطرق تؤدي إلى (تل أبيب)، وتقول ألسنة حال هؤلاء: (إفعل كما يفعل الأمريكان ولو لم تكن في واشنطن)، بل يزعم المنهزمون أن (أهل مكة لم يعودوا أدرى بشعابها)!!
*******************************
عندما يعتلي المؤمن ذروة الوعي فإنه لا يتشيّع في تفكيره وسلوكياته لأي منهج من مناهج التفكير والحركة، وإنما يأخذ من كل واحد منها أفضل ما فيه، حيث يرسم الهدف ويحدد المصلحة بوضوح كما يفعل النفعيون (البراجماتيون)، لكنه لا يسلك سبلاً غير مشروعة مثلهم وإنما يَنشَدّ إلى الأخلاق السامية التي يُجسّدها المنهج المثالي، ومن دون أن تعميه المثالية عن رؤية الحقائق في الواقع كما هي، ودون أن يتجاهل الفروق النسبية، ولذلك فإنه يستفيد من المنهج الواقعي، وهو في كل ذلك يستقرئ الوقائع بصورة شاملة لا انتقاء فيها، ويحلل الأحداث بطريقة موضوعية لا تحيّز فيها، ثم إنه يمارس التركيب بين العناصر المختلفة، ليصل من المعلوم إلى المجهول ومن البسيط إلى المُركَّب، وبسبب مزجه بين كل هذه المناهج فإنه يمتلك القدرة على الاستفادة من الماضي والتحكم بالحاضر، حتى يصل إلى استشراف الآتي وتأمُّل المآلات، حيث يقتنص الفرص ويتجنب العواقب، وإن مزجه الحكيم بين مناهج التفكير يُمكّن عقله من الدخول إلى قراءة الواقع من أبواب متفرقة، ومن استخدام مختلف الحلول وسائر الأدوية في حلّ المشكلات ومعالجة النّوازل.
*******************************
يستغرب بعضهم من توقّع بعض الجماهير العربية من زعمائها خدمتها، رغم أنهم في حالة عجز عن خدمة أنفسهم وعن أداء وظائفهم البيولوجية بشكل طبيعي، ألا تعلمون أن الشيعة منذ ألف ومائتي عاماً وهم يَدعون الله بأن يُعجِّل بفرج الإمام الغائب حتى يخرج من كهف سامرّاء ليُنفّس كرب المكروبين ويملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً؟!
*******************************
إذا كانت الحكمة هي المشط الذي تعطينا إياه تجارب الحياة ولكن بعد أن نفقد الشَّعر، فلماذا لا يستفيد أصحاب الشَّعْر الشباب من أمْشِطة الحكماء؟!
*******************************
من رحم العقول خرجت العلوم والمعارف، ومن رحم القلوب وُلدت الفنون والآداب، وعلى العقول والقلوب تنزّلت العقائد والشرائع.
بارك الرحمنُ جمعتكم.
*******************************
اتّسعت الهُوّة في الفكر السياسي الإسلامي بين المثالية التي ينبغي أن تكون وبين الواقعية التي هي كائنة برغم الأنوف، حتى وجدنا المثاليين يثورون بدون فهم للواقع ودون استكمال لشروط وأسباب الثورة، مما أدى إلى سقوط ثورات ابن الزبير والحسين وابن الأشعث وزيد بن علي، وفي المقابل ظل الواقعيون يُقدمون التنازلات للحكام حتى ظهر مستبدون وطغاة كبار، وأصبح فقه الطوارئ هو الأصل بعد أن أصّل لولاية المتغلِّب كثير من الفقهاء، وظهر من هؤلاء من يقول: "من اشتدّت وطأتُه وجَبت طاعتُه"، وبين الكائن وما يجب أن يكون ضاع الممكن، فقد كان في الإمكان أفضل مما كان، والسياسة في حقيقتها إنما هي فنّ الممكن!
*******************************
نتيجة اهتمام إيران بالفكر الشيعي والثقافة الإيرانية، فقد طبعت خلال أربعة عقود من قيام الثورة قرابة مليون وثلاثمائة ألف كتاب، ومنها أكثر من مائة وعشرين ألف عنوان العام الماضي فقط، مما يشي بالتصاعد الكبير في هذا المضمار، وطُبع من هذه العناوين مئات الملايين من النسَخ، فماذا فعل الآخرون يا ترى؟!
*******************************
يمكن اختصار القول في القدَر بأن الله وضع بين يديك قلمين، الأول تكتب به الخير والآخر تكتب به الشر، وأنت حر في أن تختار ما تشاء وتكتب ما تريد!
وسوم: العدد 811