خواطر فؤاد البنا 824
لندعو الله أن يرضى عنا ويُرضينا، فإن رضي عنا كسبنا الفوز في الآخرة، وإن أعطانا الرضى عنه كسبنا سعادة الدنيا؛ ذلك أن الرضى بالمقسوم يُلبس المرء أردية السعادة ولو كان في ضنك من العيش، وبالرضى تصبح عُشش الصفيح قصوراً من ذهب، اللهم رضِّنا وارضَ عنا يا كريم.
*****************************
كم من أناس يواصلون الليل بالنهار في العمل من أجل أولادهم، وحينما يرتحلون إلى الدار الآخرة؛ يتركون لأولادهم الكثير من المال لكنهم لا يورثونهم شيئا من الشرف، وربما تركوهم عرايا من لباس التقوى وثياب الفضائل!
*****************************
ألا إن رمضان ربيعُ الأرواح وبهجةُ العقول، فاستنشقوا العبير الثاوي في أزهار الصيام وتضمّخوا بأريج آيات القرآن، واستمتعوا بأطايب الصلاة واستروحوا بصلاة التراويح، ولا تنسوا أن لُبّ السعادة في فكّ رقاب الضعفاء من أَغلال فقرهم وتحريرهم من أسْر انكسارهم.
*****************************
أثبتت حوادثُ الدهر وعبَر الأيام أن بقاء أي إنسان في السلطة أكثر من ١٢ عاما يصيبه بعلل عدة، ومنها أنه يتعامل مع الوظيفة كأنها ملكية خاصة، مصداقاً لقوله تعالى: {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}، حيث يعتقد يتلبسه شعور بأنه لا ينطق عن الهوى ومن ثم فإنه يندفع لإدارة السلطة خارج إطار القانون، مما يدفعه لارتكاب حماقات كبرى وهو يظن أنه لقمان الحكيم، وقد يسقط في صور من الفساد وهو يعتقد أنه يحسن صنعا.
ولهذا فقد وضع الغربيون سقفا أعلى للبقاء في السلطة ولا يزيد عن فترتين مهما كانت عظمة الشخص وإنجازاته؛ وبهذا نجحوا في الخروج من هذه الدوامة التي التهمت كثيرا من طاقات البشر، والتي ما زال يرتكس فيها الكثير من المسلمين للأسف الشديد، حيث يعتقد عامة الناس أن كل زعيم يمتلك قدراً من الكاريزما يجب العض عليه بالنواجذ؛ لأن الدهر لن يأتي بغيره ولأن النساء عقمن عن أن يلدن مثله، وما دام هذا الاعتقاد يجد عقولاً تعتنقه فستظل المهالك تستقبلنا بالأحضان!!
*****************************
يعيش كثير من المنتسبين إلى الربيع العربى في بَرزخ واسع الأرجاء؛ فقد غادروا مستنقعات العبودية لكنهم لم يصلوا إلى شوامخ الحرية، بمعنى أنهم لم يعودوا عبيدا غير أنهم لم يصبحوا أحرارا، وهذا من أهم عوامل عدم انتصار الربيع رغم شلّالات الدم التي انسكبت في طريق النضال.
*****************************
لقد أمرنا القرآن بالتبيّن والتأكد من الأنباء التي تخرج من ألسنة الفاسقين، كما ورد في سورة الحجرات: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة...}، ويبدو لي أن أكبر فاسق في الأرض هو التأريخ، فكم يروي من أكاذيب ألبسها المفترون ثياب الصدق، وكم تقف في محرابه من أباطيل صاغها الظالمون على شكل حقائق؛ ذلك أن الجبابرة هم من يكتبونه في الغالب والمنتصرين هم من يُملون أحداثه، فيَقلِبون الحقائق ويُزيفون الوقائع؛ حتى تظهر شخصياتهم كما يريدون أن يراهم الناس وليس كما هم في الحقيقة، ومن ثم فإنهم يسرقون ميزات خصومهم ويتركونهم عرايا من أي مزايا!
وسوم: العدد 824