خواطر فؤاد البنا 834
أن ترضي جميع الناس، هذا أمر صعب المنال إن لم يكن مستحيل الوقوع في عالم تختلف مستويات أبنائه العقلية والعلمية. وعلى سبيل المثال يتواصل معي بعض قرائي على الخاص مطالبين إياي بتسهيل القضايا التي أكتب عنها والنزول بأسلوبي إلى مستوى القراء الذين لا يفقهون بعض ما أكتب، وفي المقابل يصفني بعض الأكاديميين وأصحاب الفكر بأنني أمتلك القدرة علي ابتكار الأفكار وأنني أهل لمخاطبة الصفوة، لكن بعض هؤلاء يطالبوني بأن أزيد من التعمق في الأفكار والتوسع في العرض، وأنه لا ينبغي أن أراعي العامة لكوني أكاديميا. أشكر هؤلاء وأولئك لكنني مضطر للاستمرار في مخاطبة الوسط من الناس، وأعد الجميع بأنني سأحاول دوماً التسديد والمقاربة، وليتكرم المطالبون بالتعمق بالنزول قليلاً في مقابل اجتهاد الآخرين في الارتقاء بأفهامهم وصولاً إلى فهم ما يُكتب والبناء عليه.
****************************
يمتاز اليمنيون بقدرة هائلة ونادرة في التكيف على المتغيرات، وبقدر ما أعانتهم هذه القدرة على الصمود أمام كوارث الطبيعة وقلة الموارد وأمام التحديات الناتجة عن كثرة الصراعات والحروب؛ فإنها أورثتهم صبراً وجلَداً كبيرين أمام الظلم، كما يتجلى ذلك في الصبر الشديد أمام جرائم الحوثيين؛ مما يستدعي من أهل الفكر وعلماء الاجتماع والنفس التدخل في تفكيك منظومة التكيف السلبية!
****************************
يشنّ الغرب الاستعماري بجذريه الصليبي والصهيوني على العالم الإسلامي حربا صليبية ناعمة، تتضح من خلالها عبقريته وعدم استفزازه لعواطف المسلمين، فجنودها ينتسبون للإسلام، وأسلحتها إسلامية، وأموالها تأتي من خيرات المسلمين، وها هي حصون المسلمين وقلاعهم تتهاوى تباعاً؛ فحصون الشام والعراق واليمن في سبيلها للسقوط بأيدي التشيع الحاقد، وحصن الهوية يسقط في الإمارات العربية المتحدة، وحصن اللغة العربية يسقط في المغرب، وجهاز المناعة الداخلية يتعرض لضربات قوية في بقية البلدان، من استئصال للحركات والمؤسسات الإسلامية، ومن استهداف للعقائد والثوابت، ومن تجفيف لمنابع التدين الوسطي مع تشجيع واسع النطاق للتدين الآسن، وها هو نفط المسلمين يحرق قلوب المسلمين ويشعل الحرائق في بلدانهم!
****************************
وصلت عناية الفقه الإسلامي بالحرية إلى حد بروز اجتهادات أظهرت مدى مركزية الحرية في منظومة القيم الإسلامية، ومن ذلك ذهاب الإمام الطوفي الحنبلي إلى تقديم الحرية على الشريعة، وذكر ابن عابدين الحنفي في (حاشيته) أن قاضيا مسلما جاءته امرأتان تدّعي كل واحدة منهما أنه ولدها بدون بَيّنة، وكانت الأولى مسلمة لكنها جارية بينما كانت الأخرى حرة لكنها نصرانية، فحكم القاضي بالطفل للنصرانية مراعاة لمقصد الحرية؛ بمعنى أنه قدّم مقصد الحرية على الدين!!
****************************
رأيت في تأملاتي لأحوال المتدينين أن من يميلون إلى (القطع) في أمور (ظنية)، ويذهبون نحوَ (الإطلاق) في مسائل (نسبية)، وينحون منحى (التعميم) في قضايا (جزئية)؛ إنما هم من أصحاب العلوم المنقوصة والمعارف المُزجاة، ويبدو أن أصحاب (القطع) في الرؤى هم من (تقطّعت) بهم سُبل الفكر وتنكّبوا طريق التعلم المنهجي، الذي يمنح أصحابه التواضع ويعطيهم القدرة على رؤية الحقائق من زوايا متعددة!
وسوم: العدد 834