الخاطرة ٢٢٨ : فلسفة العصمة وحقيقة عصمة أئمة آل البيت
خواطر من الكون المجاور الخاطرة
كان من المفروض أن تكون مقالة اليوم جزء جديد من سلسلة " ابن رشد الفيلسوف المظلوم" ولكن كون الجزء الجديد يتعلق بعلوم مدرسة آل البيت ، وهناك جدل كبير وحاد بين علماء المسلمين في قضية هامة وهي ( عصمة آل البيت ) ، لهذا فضلت أن أتكلم عن حقيقة ( عصمة آل البيت) بمقالة منفصلة تسمح للقارئ أن يأخذ فكرة واضحة عن هذه القضية تساعده على فهم ما سنذكره إن شاءالله في المقالة القادمة عن حقيقة مصادر علوم أئمة مدرسة آل البيت وبنفس الوقت ستساعدنا في فهم أهم قضية طرحها الفيلسوف ابن رشد والتي سميت (الرشدية) والتي سنتحدث عنها إن شاء الله في الجزء الأخير من السلسلة .
مَن سيقرأ هذه المقالة دون أن يعلم شيئا عن معلومات المقالات المنشورة بصفحتي (عين الروح) ، سيظن أن معلومات المقالة مجرد خرافات فسيشعر وكأنها أتت من كوكب آخر ، لهذا اتمنى من هؤلاء القراء قبل أن يعلقوا على معلومات المقالة أن يعودوا إلى المقالات التي سأذكر أرقامها هنا ليقرأوا تفاصيل كل معلومة مذكورة هنا بشكل مختصر جدا، فالآية القرآنية تذكر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦) الحجرات .
الله عز وجل من خلال الدور الذي لعبته مدرسة آل البيت في تطور علوم الأمة الإسلامية يبين لنا القاعدة الرئيسية التي يتم عليها تكوين كل حضارة تظهر فجأة في تاريخ الإنسانية وتجعلها تقفز من مرحلة تطور إلى مرحلة تطور جديدة لتبدأ نوعية جديدة من المعارف والعلوم ، ولكن للأسف التعصب الديني والمذهبي عند المسلمين هو الذي أدى إلى تشويه الحقائق فتحولت هذه القاعدة الإلهية إلى مجرد روايات ومعلومات عشوائية وكأنها قد حصلت بالصدفة بدون أي تدخل إلهي . فرغم أن علماء العصر الحديث من مختلف جامعات العالم يحاولون فهم هذه القاعدة عن طريق تحديد المصدر الرئيسي لعلوم العباقرة أولئك الذين لعبوا أدوارا رئيسية في تطوير العلوم والفنون لتقفز المعارف الإنسانية فجأة من مرحلة إلى مرحلة جديدة أكثر تطورا . ولكن بسبب عدم فهم حقيقة مدرسة آل البيت التي أختارها الله لتكون نموذجا واضحا يفسر هذه القاعدة ، ظلت الأمور غامضة في هذا الموضوع ، فنجد اليوم ظهور آراء عديدة لا مجال لذكرها هنا ، ولكن بشكل عام هذه الآراء تعتمد على مبدأين : فبعض العلماء يؤكدون أن مصدر العلوم من الله وآخرون يؤكدون أن مصدرها من ذكاء الإنسان نفسه ومن جهوده الجبارة التي يبذلها ليصل إلى إكتشافاته وإختراعاته والتي يسمونها (طفرة) أي أنها حدثت بالصدفة دون أي تخطيط إلهي.
الحكمة الإلهية وضعت (عقيدة العصمة) في فكر التراث الإسلامي لتأخذ مجالا واسعا لمناقشتها والبحث فيها ، فطائفة السنة والجماعة تؤمن بعصمة الأنبياء والرسل فقط ، بينما معظم مذاهب طائفة الشيعة فهي تؤمن بعصمة الأنبياء والرسل ولكن أيضا تؤمن بعصمة أئمة أهل البيت . والحقيقة هنا أنه لا يوجد تناقض بين المعتقدين ، ولكن يوجد إختلاف في زاوية الرؤية . وهذا الإختلاف لم يحدث صدفة ولكن حكمة إلهية تسمح لنا فهم المعنى الشامل لمصطلح (عصمة) ، ففهم المعنى الشامل للعصمة يسمح لنا فهم مصدر علوم ائمة أهل البيت، أو بشكل عام مصدر علوم العباقرة العمالقة في تاريخ الإنسانية .
المعنى الشائع لكلمة (عصمة) بين المسلمين هو : الحفظ والوقاية الإلهية للإنسان من إرتكاب المعاصي أو الأخطاء رغم استطاعته على فعلها ، ولكن هناك معنى لغوي آخر لهذه الكلمة يعطينا معنى أشمل لكلمة (العصمة) ، فالعرب يسّمون الحبل الذي تشدّ به الرحال أو الحمل «العصام»، لأنّه يمنعها من السقوط والتفرّق. أي أن كلمة ( عصمة) تعني أيضا الإتصال والترابط مع الشيء وعدم الإنفصال عنه ، القرآن الكريم يوضح لنا هذا المعنى في الآية القرآنية من سورة آل عمران (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ .... ١٠٣) ، فمما ذكرناه نستنتج أن صفة العصمة يكتسبها الإنسان عندما يكون إرتباطه مع الله إرتباط قوي بحيث يمنع الوسط الخارجي الذي يعيش فيه من التأثير على أفعاله وآرائه في إرتكاب الأخطاء . الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم ذكرت لفظة العصمة في القرآن الكريم - بجميع مشتقاتها المختلفة - ثلاث عشرة مرّة ، هذا الرقم ليس صدفة ، ولكن حكمة إلهية تساعدنا على ربط مفهوم العصمة بالقانون الإلهي الإثنا عشرية الذي تحدثنا عنه في مقالات ماضية عديدة .
العصمة كما ذكرنا تتعلق بصحة ما يفعله وما يقوله الإنسان في اجتهاداته في الامور ، ولكن ما يفعله وما يقوله الإنسان يعتمد على نوعية ومستوى معارفه الموجودة في عقله ( الخارجي والباطني) ، وما يهمنا هنا هو علوم العباقرة أولئك الذين كان لهم تأثيرا كبير على تطور الإنسانية بحيث جعلتها تشق طريقا جديدا في نوع أو أكثر من أنواع العلوم ، وحتى نوضح هذه الفكرة بشكل أفضل ، سنعرض هنا أمثلة بسيطة من نوعيات وأزمنة مختلفة تساعدنا على فهم طبيعة مصادر العلوم بشكل عام :
- المثال الاول : في القرن الثالث عشر ، أي في بداية فترة دخول الحضارة الاسلامية في عصر الإنحطاط وبداية عصر النهضة الأوربية ،كان فن الرسم في أوروبا يعاني من ركود روحي وفكري ، فكان الفنان يتقيد بقواعد الفن البيزنطي ، فكانت اللوحات الفنية في تلك الفترة قد وصلت إلى مرحلة جعلتها ضعيفة في التعبير الروحي لا تسمح لمشاهد اللوحة أن يتفاعل روحيا وفكريا بما يشاهده من العناصر التي تتكون منها اللوحة . في تلك الفترة كان بعض الفنانين يشعرون بضعف أسلوب التعبير الروحي في فن زمانهم ورغم محاولاتهم في تجديده ولكنهم فشلوا فلم يأتوا بشيء جديد يقنع بقية الفنانين لتغيير الأسلوب التقليدي . ولكن فجأة يظهر طفل أسمه جيوتو دي بوندوني (١٢٦٦-١٣٣٧) في إحدى قرى فلورنسا الإيطالية البعيدة عن أي دور تعليم ، هذا الطفل كان يعمل في رعي المواشي وكان يملك موهبة خارقة في الرسم فكان أثناء ساعات عمله يجلس ويرسم على الصخور الكبيرة كل ما تراه عيناه في الطبيعة الخلابة أمامه من حيوانات وأشجار وغيرها . في أحد الأيام وبينما كان منهمكا في الرسم شاهده شيخ الرسامين في أيطاليا وأسمه تشيمابو ، فبُهر بموهبة الطفل ، فأخذه مباشرة معه وعلمه تقنية الرسم ، وسرعان ما تغلبت موهبة جيوتو على معلمه وأصبح يرسم لوحاته بأسلوبه الخاص المختلف كثيرا عن أسلوب معلمه ، لوحات جيوتو قلبت الأسلوب التعبيري في فن الرسم رأسا على عقب ، وأبهرت أعين كل من رآها فتخلى الفنانون عن الأسلوب التقليدي وراحوا يتعلمون من لوحاته ويستخدمون أسلوبه في اعمالهم ، فكان جيوتو هو أول مؤسس لفن الرسم في عصر النهضة الأوربية .
والسؤال هنا من أين أتت علوم جيوتو في الرسم ؟ فهو ظهر فجأة من العدم بأسلوب تعبيري جديد بدون أن يكون له معلم . هل أتت علوم جيوتو بفن الرسم من نفسه كطفرة كونه إنسان فائق الذكاء ؟ أم أن علومه كانت من الله عز وجل ؟
- المثال الثاني : الكواكب الخمسة اﻷولى ( عطارد، زهرة ، مريخ، مشتري، زحل) تم إكتشافها بالعين المجردة في العصور القديمة ، في ذلك الوقت كانت دراسة الفضاء يقوم بها كهنة وفلاسفة ، وهؤلاء كانوا يدرسون كل شيء له علاقة بسلوك ومصير اﻹنسان من أجل تطوير اﻹنسانية نحو الكمال الروحي والجسدي، لذلك كانت دراسة الفلك تتم بنوعين من الدراسات : دراسة مادية ( علم فلك ) ودراسة روحية ( علم تنجيم ) . ولكن في القرن السادس عشر وبعد إكتشاف المركزية الشمسية وإنفصال علم الفلك عن علم التنجيم ومع إختراع المناظير الفلكية ، ظن علماء الفلك بأنهم بإستخدام هذه المناظير سيستطيعون كشف أسرار هذا الكون ، فراحوا باستخدام المناظير يبحثون في السماء عن كواكب جديدة، ولمدة أكثر من 150 عام ظل عدد الكواكب هو نفسه كما هو معروف منذ العصور القديم ، فجأة أحد أساتذة الموسيقى يدعى ( وليم هرتشل ) شعر برغية شديدة لمراقبة السماء والنجوم وبعد فترة قصيرة من ممارسة هذه الهواية أعلن عن إكتشافه للكوكب السابع (أورانوس ) . علماء الفلك في ذلك الوقت شعروا بالصدمة وهم يرون أن أستاذ الموسيقى هو الذي حقق ما عجز عنه هم المختصون بعلم الفلك لمدة ١٥٠ عاما، شعورهم بالغيرة دفعهم إلى تقليل أهمية هذا الحدث، بأن إكتشاف هذا الكوكب قد حدث بالصدفة وليس بسبب مقدرة علمية ، وللأسف منذ ذلك الوقت وحتى اﻵن لا يزال علماء الفلك يعتقدون بأن إكتشاف كوكب أورانوس قد حدث بالصدفة .
والسؤال هنا هل إكتشاف كوكب أوانوس قد حدث فعلا بالصدفة ؟ أم انه حدث بسبب ذكاء وجهود وليم هرتشل الشخصية ؟ أم أن الله هو الذي أختار وليم هرتشل ليكتشف كوكب جديد ليعلم علماء الفلك الذين حولوا علم الفلك إلى علم مادي بحت ، أن ذكاء ومجهود الإنسان الشخصية عاجزة عن الإتيان بشيء جديد وأن كل شيء يسير على المخطط الإلهي ؟ لهذا أختار الله رجل موسيقي (روحي) ليكتشف هو ماعجز عنه علماء الفلك الماديين .
- المثال الثالث : في عام 1905 نشر أينشتاين أربع مقالاتٍ علميةٍ ، ونشر أيضا كتابه (النظرية النسبية) بدون أن يستعين بالمراجع العلمية أو التشاور مع زملائه الأكاديميين، المعلومات الفيزيائية التي ظهرت في النظرية النسبية والمقالات الأربعة في ذلك العام أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العلمية لأن معظم معلوماتها كانت غريبة عن المألوف لعلماء الفيزياء كونها كانت أشبه بتنبؤات علمية فهي لم تظهر نتيجة لتجارب فيزيائية ولكنها كانت من فكر خيالي ، لهذا كثير من العلماء الفيزياء في ذلك الوقت رفضوا صحتها واعتبروها خرافات ، ولكن بعد سنوات قليلة وبعد قيام بعض العلماء بدراستها وتطبيقها على الواقع تبين أن المعلومات التي قدمها أنشتاين كانت صحيحة ، ولهذا سمي عام ١٩٠٥ بعام المعجزات ، فهذه التنبؤات الفيزيائية أصبحت القاعدة الأولى للفيزياء الحديثة التي نعرفها اليوم . للأسف فبسبب جهل علماء الفيزياء عن حقيقة مصادر العلوم إعتقدوا أن أينشتاين نفسه هو صاحب هذه التنبؤات الفيزيائية وظنوا بأنه يملك ذكاء خارق للعادة ، ولكن الحقيقة هي أن زوجة أينشتاين (ماليفا ماريك) كانت هي صاحبة الفضل الأول في إكتشاف هذه المعلومات الفيزيائية الخيالية التي ظهرت فجأة وكأنها ظهرت من العدم ، ولهذا نجد أنه بعد طلاق أينشتاين لزوجته وإنفصاله عنها بسنوات قليلة قد توقفت عبقرية أينشتاين عن الإبداع ، فرغم أنه عاش ٣٥ عام بعد تقديم آخر أعماله الإبداعية في الفيزياء ، فبدلا من أن يتطور فكره ليبدع أكثر نجد عبقريته تختفي من الوجود فأهم حدث في حياة أينشتاين في تلك الفترة كان تحريضه لرئيس الولايات الأمريكية على صناعة القنبلة الذرية والتي كانت ضحاياها أكثر من ٢٠٠ ألف قتيل . هناك تناقض روحي كبير بين شخصية صاحب تلك التنبؤات العلمية وشخصية المحرض على صناعة القنبلة الذرية . إن إثبات صحة هذه الفكرة يحتاج إلى صفحات عديدة سنتكلم فيها في وقت لاحق إن شاءالله، ولكن هنا وبغض النظر عن مَن هو مكتشف معلومات النظرية النسبية سواء كان إينشتاين أو زوجته مالفيا ، فما يهمنا هنا هو مصدر تلك المعلومات التي جعلت علم الفيزياء يقفز فجأة قفزة واسعة نحو الأمام ليفتح باب جديدا لعلم الفيزياء في فهم عالم الكبائر .
والسؤال هنا هل معلومات النظرية النسبية أتت من ذكاء خارق ومجهود شخصي ؟ أم كانت من الله عز وجل الذي أختار الشخص المناسب لتظهر من خلاله تلك المعلومات الفيزيائية ؟
في الحقيقة إن الإجابة على هذه الأسئلة التي طرحناها في الأمثلة الثلاثة السابقة هو موضوع فلسفي معقد جدا يعتمد على معرفة ( ما هو مفهوم كلمة الله ؟) ، فالمشكلة الرئيسية في هذا الموضوع أن مفهوم كلمة (الله) يختلف من ديانة إلى ديانة أخرى . فالمسلمون لهم رأي خاص بهم ، وكل من يخرج عن مفهومهم لهذه الكلمة يتهمونه مباشرة بالكفر ، المسيحيون لهم مفهوم آخر ، واليهودية والهندوسية والبوذية لهم أيضا مفاهيم مختلفة . والسؤال هنا مَن مِن هؤلاء على حق ؟ الجواب بشكل مختصر على هذا السؤال هو أن جميعهم على حق ، لأن معتقداتهم عن مفهوم الله لم تأتي من تحليل عقلي ولكن أتت من وحي إلهي ، فمفهوم المصطلح (الله ، إله، رب) منذ ظهور الوعي الروحي في الإنسانية كان يتطور مع تطور معارف الإنسان ، وخلال هذا التطور ظهرت أربعة مفاهيم لهذه المصطلحات ، وسنحاول هنا شرحها بشكل مبسط ، وسنتبع تسلسل عكسي أي من آخر ديانة سماوية وهي الإسلام إلى أقدم ديانة موجودة حتى الآن وهي الهندوسية :
٢- المفهوم الثاني : المقصود به هو ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم ، فهذه الروح هي التي خرجت من الجنة ودخلت الثقب الأسود البدائي، ثم استطاعت هذه الروح أن تتحرر وتخلق كل ما هو موجود داخل هذا الكون ، فهذه الروح هي بمثابة كومبيوتر وضعت فيه جميع البيانات اللازمة لتسير عليها جميع أنواع التطورات حسب المخطط إلهي منذ ولادة الكون وحتى يوم الآخرة . ورمز هذه الروح هو شكل الرقم ثمانية عشر (ΙΛ) فهذا الشكل هو أيضا أحرف يونانية ولفظه هو (إل) وإل هو أحد اسماء الله في الديانة اليهودية وهو مصدر كلمة الله في العربية ، هذا المفهوم لمصطلح ( الله) مذكور في سورة الأنعام (وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ٣) أي أنه داخل الكون وليس خارجها . هناك آية قرآنية في سورة النور أخرى تشرح لنا رموز مفهوم هذه الروح الكونية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... ٣٥) ، فالنور هو الضوء الأبيض ، لذلك كانت القيمة الرقمية لكلمة (ضوء) في الكابلا العربية تعادل (٩٠٤) وهي نفس القيمة الرقمية لكلمة ( الله) :
فالكون بدأ من ثقب أسود خالي من الضوء لأن أجزاء هذه الروح بسبب الخطيئة كانت قد تفككت وتحولت إلى كتلة عشوائية ولكن الروح الإلهية إستطاعت أن تتحرر وتستعيد طبيعتها الصحيحة ، فتكونت نوعين من القوى الكونية : قوى روح الخير العالمية تدفع جميع التطورات لتسير ضمن المخطط الإلهي ، وقوى روح السوء العالمية تحاول عرقلة المخطط الإلهي . هاتان القوتان يوجد بينهما صراع دائم حتى يوم الآخرة ، القرآن الكريم يذكر هذا الصراع الكوني في سورة الأعراف (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ٢٤) . المقصود بكلمة (اهبطوا) في هذه الآية الخروج من الجنة ودخول الثقب الأسود البدائي. الحكمة الإلهية في تصميم اللغة العربية وضعت رمزا آخر يعبر عن هذا المفهوم ، حيث نجد أن القيمة الرقمية لكلمة ( الله) في النظام الرقمي البسيط له شكل معاكس لرقم القيمة الرقمية لكلمة (شيطان) :
هذا الرقم هو رمز عالمي ، فالعالم اليوم يستخدم نوعين من الأرقام الهندية والعربية ، فرقم ثلاثة له شكلين (٣ ، 3 ) ، فإذا استخدمنا النوعين من الارقام في العدد الواحد سيكون رقم القيمة الرقمية لكلمة الله (٧٣) له الشكل (٧3) والرقم (٨٣) الشكل (٨3) ، الرقم(٧3) هو الشكل المعاكس شاقوليا للرقم(٨3) ، هذا التعاكس في الشكل له معنى أنهما رقمان متناقضان . اللغة العربية هي لغة القرآن وهذا التناقض بين الرقمين ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى يدل على وجود صراع بينهما ، فالمقصود من كلمة (الله) هنا هي روح آدم التي خرجت من الجنة وكونت روح الخير العالمية . فليس من المعقول أن يكون المقصود من هذا التناقض هو تناقض أو صراع بين الله الذي خلق آدم والشيطان وبين الشيطان نفسه ، فالآية القرآنية تذكر : وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ(٤)، أي أنه لا يجوز المقارنة بينه وبين أي شيء آخر بأي شكل من الأشكال.
٣ - المفهوم الثالث : المقصود بكلمة (الله) هي أحد الأجزاء الثلاثة التي تتألف منها روح الخير العالمية التي توجد داخل الكون ، فالرمز (ΙΛ) يتألف من ثلاث خطوط (\ / Ι ) ، والضوء الأبيض كما نعلم يتألف من ثلاثة ألوان رئيسية وهي ( الأزرق ، الأخضر ، الأحمر ) ، هذه الأجزاء الثلاثة هي رمز الثالوث المقدسة التي تذكره الديانة المسيحية ، والهندوسية ، والمصرية القديمة ، وغيرها من الديانات القديمة.
٤- المفهوم الرابع : المقصود به هي الأجزاء التي تتألف منها كل وحدة من الثالوث المقدس ، فالشكل الرمزي لروح الخير العالمية (ΙΛ) هو أيضا الرقم ثمانية عشر وهذا الرقم في الحقيقة يتألف من ثلاثة أجزاء ( ٦ + ٦ + ٦) ، كل جزء فيه ينقسم إلى ستة أجزاء ، ولهذا كان رمز أعور الدجال في المسيحية هو العدد (٦٦٦) والذي يعني إنفصال أجزائها الثلاثة ليعمل كل جزء فرعي منها بشكل عشوائي مع الأجزاء الآخرى ، ولهذا تقول الآية القرآنية (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) ، المسلمون يظنون أن الآية تقصد أن عيسى عليه الصلاة والسلام ليس ابن (الله) وأن مفهوم (الله) هنا بمفهومه الأول لأن ( الله) الذي خارج الكون ليس له أي طبيعة بشرية فلا يمكن تشبيهه بأحد مهما كان . ولكن المسيحية لا تقصد هذا المعنى وإنما تقصد ( الله) الذي استوى على العرش والمقصود به روح الخير العالمية(ΙΛ) ، فهذا ( الله) هو داخل الكون ، فعندما صحح خطيئته وقضى على الثقب الأسود البدائي ، استوى على العرش أي أنه بدأ يتحكم بالمخطط الإلهي ، أما (الله) الذي هو خارج الكون فلا يحتاج أن يستوي على عرشه ، لأنه (اللَّهُ الصَّمَدُ) لا يتبدل ولا يحتاج لتغيير مكانه . (في الخواطر رقم : ٢٠٥،١٢٢،٣٥،٣٠ ) تكلمنا بشكل مفصل عن الرمز (ΙΛ) و الخواطر: (٣٢، ٣٣) عن الرمز(٦٦٦) ، والخواطر : (١٩٨،١٦٠) عن الثقب الاسود البدائي).
أما عن علاقة الإثنا عشرية بالرقم (١٨) ، فالمقصود من الإثنا عشرية هو (٦+٦) أي أنها تأخذ من الثالوث المقدس جزئين فقط ، فعندما تكون الإثنا عشرية من الجزء الأيمن من الرمز (ΙΛ) ، أي الجزء(Λ) الذي يمثل كرمز ضوئي الألوان الروحية ( الازرق والأخضر) ، وعندها يكون المقصود بها مراحل تطور التكوين الروحي أي العقائد الدينية فتكون نتيجتها حضارة دينية (الديانة اليهودية مثلا) ، ولكن عندما تكون الإثنا عشرية من القسم اليساري للرمز (ΙΛ) ، أي( / Ι ) الذي يمثل كرمز الألوان (الأخضر والأحمر) فيكون المقصود منها الفنون والعلوم المادية فتكون نتيجتها حضارة مادية (الحضارة الإغريقية مثلا) ، لذلك نجد البسملة في الديانة المسيحية تذكر ( بإسم الآب والأبن وروح القدس ) ، فهذه البسملة في الصلاة المسيحية لا تقصد (الله) بالمفهوم الاول (خارج الكون) ولكنها بسملة رمزية تشرح تكوين روح الخير العالمية التي رمزها (ΙΛ) اي بالمفهوم الثاني (داخل الكون) الذي تحدثنا عنه ، لهذا فهذه البسملة لا تعتبر شركا أو كفرا ، فالآية القرآنية تذكر (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ٥٩ آل عمران) فكلمة الله في هذه الآية هي بالمفهوم الأول ، أما كلمة (الله ) الموجودة في الإنجيل فهي بالمفهوم الثاني ولهذا الصلاة الربانية عند المسيحية تبدأ بالجملة ( أبانا الذي في السماوات ...) أي والدنا آدم أبو البشرية ، أما روح القدس هنا فالمقصود بها هي ذلك الجزء من الروح العالمية الذي رمزه اللون الأحمر والذي إنفصل عن روح السوء وعاد إلى طبيعته الصحيحة (روح الأسد) بعد أن تحول رمز اللون الأحمر( الذي أتى من روح الشيطان) إلى روح سوء رمزها (روح الكلب) بسبب الخطيئة . الحكمة الإلهية وضعت رمزا يعبر عن هذه العقيدة في اللغة الإنكليزية التي أصبحت أشهر لغة عالمية في عصرنا الحاضر ، حيث نجد أن أحرف كلمة (الله) في الإنكليزية لها نفس احرف كلمة ( كلب) ولكن بترتيب معاكس (DOG , GOD) حيث كلمة(GOD) مصدرها كلمة قطة وهي رمز للعائلة القططية التي ينتمي إليها الأسد والنمر والفهد ..إلخ ) فروح الأسد (الأسد هو أقوى أفراد العائلة القططية) هي التي تدخلت بصراعها مع روح السوء (روح الكلب) ، وقد تكلمنا بشيء من التفصيل عن هذا الموضوع في الخاطرة رقم (٢١٥) .
الحقيقة موضوع ( مفاهيم كلمة الله) هو موضوع معقد جدا ويحتاج إلى تفصيلات أخرى سنتكلم عنها إن شاءالله في المستقبل ، ولكن كل الذي نستطيع إضافته هنا لنفهم الفكرة العامة للموضوع ، هو أنه لا شيء ولا حدث ولا فكرة في هذا الكون تظهر من نفسها أو تظهر بالصدفة ، ولكن تظهر نتيجة ظهور معلومة تعبر عن شيء ما من التكوين الروحي لروح الخير العالمية (ΙΛ) ، أما الله الذي هو خارج الكون فهذا الخالق الأعظم لا يتدخل بأي شيء يحدث داخل الكون . والذي يحدث بعد ظهور المعلومة بفترة من الزمن أنها قد تتعرض للتشويه قليلا او كثيرا نتيجة تدخل روح السوء العالمية فيظهر للمعلومة شكل مشابه لها أو مناقض تماما . هناك أنواع عديدة من المعلومات وشكل ظهورها يتوقف على نوعية دورها وحسب تسلسلها الزمني في المخطط الإلهي : فقد تظهر المعلومة كجسم مادي : كتكوين جسيم نووي الكترون ، كوارك ..إلخ ، أو تكوين عنصر ذري : حديد ، أوكسجين ... ، أو تكوين مركب كيميائي : ماء ، سكر الأدنين .. إلخ. أو قد تظهر المعلومة كجسم مادية روحي : كتكوين خلية حية ، أو قد تكون بشكل أكثر تطورا كتكوين فطر ، أو بشكل أرقى كتكوين حصان ...إلخ. أو قد تظهر المعلومة على شكل فكرية مادية : قانون هندسي أو فيزيائي أو بيولوجي...إلخ ، أو قد تظهر على شكل معلومة فكرية روحية : تسامح ، محبة ، عدالة... إلخ ، أو قد تظهر المعلومة على شكل فكرة روحية أرقى : دين ، صلاة ، صيام ،طقوس دينية ..إلخ .
إن جميع التطورات التي حصلت في جميع أنواع أشكال ظهور المعلومات الجسمية أو الفكرية ، هي في الحقيقة عبارة عن محاولات لتكوين إنسانية لها تكوين روحي مشابه تماما لإنسان الجنة قبل طرده منها ، ويجب أن نعلم أن معظم الديانات السماوية والديانات القديمة والموجودة حتى الآن شاركت في هذا المخطط الإلهي . فالديانة الهندوسية مثلا والتي معظم المسلمين وبسبب جهلهم بالمفاهيم الأربعة لمصطلح (إله ، رب) يعتقدون أن الديانة الهندوسية هي ديانة وثنية كافرة ، ولكن في الحقيقة أنها ديانة أصلها ديانة توحيدية وهي صلة الوصل بين الديانات السماوية والديانات القديمة ، ودورها الحقيقي أن تفسر الجزئيات في مفهوم روح الخير العالمية(ΙΛ) لتساعد أتباع الديانات السماوية على فهم المفاهيم الأربعة لمصطلح (الله) الموجودة في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم أيضا . فالديانة الهندوسية تؤمن بإله واحد (برهما) خالق كل شيء داخل الكون ، ولكنه بالنسبة لهم هو إله مخلوق أيضا ( المفهوم الثاني) ، فأسم (برهما) ليس من نتاج عقل بشري ولكن من وحي إلهي ، فهذا الأسم مصدره الحقيقي هو نفس اسم النبي (ابراهيم) عليه السلام ، براهما هو نفسه ابراهيم عليه الصلاة والسلام المذكور في القرآن الكريم ، فاسم ابراهيم يعني في اللغة اليهودية (أبو الامم) ، وبراهما له اسم آخر وهو (براجباتي) ويعني أبو الأمم ، زوجة إبراهيم الأولى اسمها (سارا) وزوجة براهما الاولى أيضا لها نفس الأسم (سارا - سفاتي) ، وأسم زوجة إبراهيم الثانية ( هاجر) مصدره من فعل هاجَرَ ، وكذلك أسم الزوجة الثانية لبرهما أسمها ( بارفاتي) ويعني من هجرت المدينة لتسكن في الجبال .
هناك معلومات كثيرة أخرى مشتركة بين براهما وابراهيم عليه الصلاة والسلام لا مجال لشرحها هنا ، ولكن ما يهمنا هو أن نعلم أن الإله براهما يمثل رمز آدم الذي يمثل روح الخير العالمية (ΙΛ) وليس النبي إبراهيم كشخصية إنسانية ، فاسم ابراهيم يعني (أبو الأمم) أي أبو البشرية وأبو البشرية الحقيقي هو آدم وليس النبي إبراهيم ، القرآن الكريم يستخدم هذا المعنى أيضا ، وقد تكلمنا عن هذا الموضوع في مقالات ماضية وذكرنا أن كلمة (ابراهيم) المذكورة في القرآن أحيانا تعني (آدم) وأحيانا تعني النبي ابراهيم عليه الصلاة والسلام . فعندما نقول بأن الديانات التوحيدية مصدرها من ابراهيم لا نقصد فقط النبي ابراهيم عليه السلام ولكن نقصد المعنى العام لها وهي ديانة آدم بعد أن صحح خطيئته. ولهذ نجد في الديانة الهندوسية أنه من الإله الواحد برهما ظهرت له ثلاثة هيئات : براهما أي الخالق ، فينشو أي الحافظ ، شيفا أي المُهلك (وهو رمز روح الأسد). لو بحثنا بنظرة فلسفية دينية بعيدة عن أي تعصب ديني سنجد أن الديانة الهندوسية بشكل عام تعتمد مبدأ المفاهيم الأربعة لمصطلح (الله) ، ولهذا نجد أن تعاليم الديانة الهندوسية الرئيسية تعتمد على أركان الإيمان العامة عند المسلمين : الإيمان بالله ويوم الحساب والعمل الصالح ، وتدعو إلى التفاهم والتقارب بين البشر والتعاون من أجل تحقيق الخير للإنسان وللمجتمع وللإنسانية جمعاء . ولكن بسبب كونها ديانة قديمة ظهرت قبل أكثر من ٣٥٠٠ عام أي قبل الإسلام بأكثر من ٢٠٠٠ عام ، لهذا حدث فيها الكثير من التشويه أكثر من بقية الديانات السماوية ، وهذا شيء طبيعي فالتشويه في هوية الدين الإسلام قد حدث أيضا رغم أنه ظهر قبل ١٤٠٠ عام فقط . ولهذا أختار الله رجل هندوسيا (مهاتما غاندي) كي يقوم هو بأرقى ثورة في العصر الحديث ، فثورة غاندي (١٩٤٧) التي حقق فيها استقلال الهند بالمقاومة السلمية دون استخدام السلاح والعنف ، ليست إلا رمز يؤكد لأتباع الديانات السماوية الذين لا يزالون حتى الآن يستخدمون الأسلحة والعنف في ثوراتهم ، أن الديانة الهندوسية هي أيضا من وحي إلهي وليست ديانة وثنية ، لهذا قام أتباعها بثورة ذات نوعية مناسبة لظروف العصر الحديث .
خلاصة الموضوع أن مصدر كل معلومة مفيدة جديدة تظهر وتلعب دور في تطوير المعارف الإنسانية هي من روح الله بمفاهيمها (الثاني والثالث والرابع) وليس من عقل الإنسان كشيء خاص به شخصيا ، فقدرة عقل الإنسان ( الخارجي والباطني) تعتمد على درجة ونوعية تكوينه الروحي ، فهذا التكوين يتطور باستمرار مع كل حياة جديدة يعيشها ( تقمص) ، فكلما كانت روحه أكثر تطورا زادت شدة الإتصال ( الإعتصام) بين روحه وروح الله ، وعندها تأتي المعلومة إلى تكوينه الروحي فيترجمها عقله وتظهر باسمه ، وبما أنه هناك روح خير عالمية وروح سوء عالمية ، فكلما كانت روح الإنسان أشد إنحطاطا كلما كان إتصالها بروح السوء العالمية أقوى وعندها يتلقى عقله المعلومات الخاطئة فتظهر نظريات وقوانين وأفكار مضللة لتعرقل تطور الإنسانية .
ولهذا تذكر الآية القرآنية في سورة عمران (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ .... ١٠٣) فحبل الله هو ذلك السلك الروحي الذي يصل عقل الإنسان ( الخارجي والباطني) مع روح الخير العالمية(ΙΛ) ، وهذا الحبل هو حبل واحد ولكنه يتألف من ثلاثة حبال رئيسية ، وكل حبل من الحبال الثلاثة بدوره يتألف من ستة حبال ، وكل حبل من الحبال الستة هو بدوره أيضا يتألف من عدة حبل ، حيث كل حبل فرعي يتألف بدوره من عدة حبال وهكذا ، وكل حبل هو بمثابة جزء من روح الخير العالمية ، له إختصاص محدد في علم معين ، وهذه الحبال بمجموعها هي التي تتحكم في كل شيء يحدث داخل الكون ، ولهذا كانت الديانات القديمة تنظر إلى كل حبل فرعي وكأنه إله له وظيفة خاصة في تحسين المجتمعات الإنسانية ، عدد الآلهة الفرعية في الهندوسية يصل إلى ٣٣٠ مليون إله ، هذا الرقم رمزي يشير على كثرة عدد الحبال التي يتصل بها التكوين الروحي للإنسان مع روح الخير العالمية .
بعد شرحنا لعلاقة حبل الله مع مصادر العلوم ، نستطيع فهم معنى العصمة ونوعيتها ، فكلما إزداد عدد الحبال التي يتصل بها الإنسان مع حبل الله كلما كانت عصمته أوسع ، لهذا يوجد أنواع للوحي تحدد درجة العصمة كما تذكر الآية (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ . ٥١ الشورى). هذه الآية تحدد لنا بشكل عام أنه يوجد ثلاث طرق للوحي وهذا الرقم ليس صدفة ولكن رمز للمفاهيم الثلاثة : الثاني والثالث والرابع لكلمة (الله) ، أما الآيتان (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ٤٤ النحل) فتحدد أيضا ثلاث درجات لحجم المعلومة : البيّنات ، الزبر ، الذكر ، هذا الرقم ثلاثة يؤكد ثانية على المفاهيم الثلاثة التي ذكرناها ، فدرجة حجم المعلومة يتوقف على نوعية الحبل : الذكر هو من حبل إلهي بالمفهوم الثاني ، الزبر من حبل رئيسي أي أحد الحبال الثلاثة الإلهية بالمفهوم الثالث ، البيّنات من حبل ثانوي أي أحد الحبال الستة الإلهية بالمفهوم الرابع ، ويمكن توضيح هذه الفكرة بهذا المثال البسيط : البيّنات هي بمثابة مجموعة معلومات في فصل من فصول الكتاب ، الزبر هو مجموع المعلومات الموجودة في الكتاب الذي يجمع كل الفصول ( البيّنات) المتعلقة بعلم واحد ، بينما الذكر فهو بمثابة المكتبة التي تحوي جميع كتب العلوم بجميع فروعها ( البيّنات والزبور). لهذا كانت أعلى درجات العصمة هي عصمة القرآن الكريم ، ثم تأتي عصمة الأنبياء كما تذكر الآية (لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ٢ الفتح) تفسير هذه الآية مختلف نهائيا عن تفسير العلماء ، كل الذي نستطيع قوله هنا بشكل مختصر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرتكب أي خطأ يمكن أن يستخدمه أي شخص لطعن بشخصيته . ثم تأتي عصمة المرشدين (العباقرة العمالقة الذين أسسوا الحضارات) ، ثم تأتي عصمة العلماء الذين ساعدوا المرشدين ، ودرجة عصمتهم تتوقف على حسب درجة مساعدتهم في تكوين الحضارة وهكذا تقل العصمة من درجة إلى درجة أقل منها ، ولكن العصمة كمصطلح عقائدي يتوقف عند الدرجة الثالثة بسبب إزدياد عدد الأخطاء في أصحابها .
وبما أن أئمة مدرسة آل البيت كانوا من ذرية رسول الله وتربيته لهذا كانوا هم الأقرب في تكوينهم الروحي إلى تكوين رسول الله ، ولهذا كانت العصمة فيهم أقل من عصمة رسول الله ولكنها كانت على درجة أوسع من عصمة جميع الصحابة والتابعين وأتباع التابعين وغيرهم من المسلمين ، لأن الموضوع لا يتعلق بدرجة ذكاء الإنسان وحبه للإسلام فقط ولكن يتعلق بدرجة تكوينه الروحي ، فظهور عقيدة عصمة أئمة مدرسة آل البيت عند الشيعة لم تكن بدعة من صنع عقل بشري كما يظن علماء السنة والجماعة ، ولكن هي من وحي إلهي لتساعد العلماء على فهم المصدر الحقيقي للمعارف والعلوم ، إن عصمة أئمة مدرسة آل البيت هي بالمفهوم الذي يعني درجة الإتصال بحبل الله وليس بمعناها الشائع عند السنة أو الشيعة ، فكل إمام من أئمة مدرسة آل البيت يمكن في حياته أن يرتكب بعض الأخطاء ولكنه كان معصوما عن الخطأ في الدور الذي كلفه الله به في تكوين مدرسة آل البيت والتي عليها ستنشأ الحضارة الإسلامية ، وسبب العصمة فيهم أن كل إمام قد أخذ جزء من علومه من الإمام الذي قبله وهذا الجزء هو معصوم عن الأخطاء فضمه الإمام الذي بعده إلى الجزء الخاص به والذي هو أيضا معصوم عن الأخطاء . أما بقية الأئمة المسلمين فكان تكوينهم الروحي مختلف ولم تكن مصادر علومهم بنفس الطريقة التي إتبعها أئمة مدرسة آل البيت ، فهم أخذوا أيضا بعض من أخطاء الصحابة ومعلميهم وأضافوا إليها بعض أخطاءهم ، لهذا لا ينطبق عليهم مبدأ العصمة بالشكل المقصود عند أئمة مدرسة آل البيت .
وسوم: العدد 837