خواطر الرفاعي 875
القولُ.. وَالفعلُ
القولُ وَالفعلُ رُكْنَان أسَاسَان مِنْ أرْكَانِ نَهْضَةِ الأُمَمِ وَتَقْدُمَها.. فَهمَا جَنَاحَا الأمُةِ اللّذَانِ بتَكامُلِ مَهَارةِ أدَائِهَا في مَيَادِينِ القَوْلِ وَالفِعْلِ ..تُقْلِعُ من سَاحاتِ ضَعْفِها وتَخلُّفِها .. وَتُحلَّقُ في آفَاقِ الارتِقاءِ والإبْدَاعِ في مَيَادينِ الحَيَاةِ ..أجلْ؛ التُكَامُلُ بينَ إرَادَةِ القَولِ وَإرَادَةِ الفْعِلِ.. هو السبيلُ القويم لانْبِعَاثِ حَرَكَةِ بِنَاءٍ حَضَارِيٍّ إنْسَانيٍّ رَاشِدٍ.
**********************
حَسْبُنَا التَّفَاهُم
إذَا خُضْنَا الجَدَلَ مَعَ الآخَرِ فِي الخُصوصيَّاتِ الدينيَّةِ لَمَا انتَهِينَا ولَمَا التَقِينَا.. وَحَسْبُنَا التَّفَاهُمُ وَالتَعَاونُ في الكُليَّاتِ الإنْسَانيَّةِ.
**********************
الأدْيَانُ السمَاويَّةِ ..1
مِنَ الأخطاءِ العَقديَّةِ الشَّنيعَةِ دينيَّاً.. استخدامُ البَعْضِ لِعِبَارة: (الأديَّانُ السَماويَّةُ الثلاثَةُ) وهو يعني بذلك : (اليَهوديَّة والنَصْرانيَّة والإسلام).وذلك لأنَّ دينَ اللهِ تعالى واحدٌ لا يتعدد ولكنَّهُ بِشرائعَ مُتَعددةٍ .. فلا يصح عقديًّا بحال من الأحوال أنْ يُقالَ: (أديانٌ سماويَّة).. والصَحِيحُ المُطلَقُ هو أنْ تَقولَ: شَرائعٌ سَماويَّةٌ.
**********************
الأديان السماوية -2
كتبَ أحدُ رِجَالِ العلمِ مُعلَّقاً على رسالة:(الأديَّانُ السَمَاويَّةُ) قائلاً:(أليست الشَرَائِعُ السَابِقَةُ قَبْلَ أنْ تُحَرَّفُ أديانًا ..؟). أقول: لا.. ليست أديَانًا.. والإشكاليَّة التي نَحْنُ بصَدَدِها هي: كَيْفَ نَفْهمُ مُصْطَلَحَ الدْينِ في الإسْلامِ ..؟ فالدين بعامة هو الاعتقاد.. والدْينُ الرَبَّانيُّ في الإسْلامِ: هو الاعتِقَادُ والإيمَانُ الخَالصُ بوحدَانيَّةِ ألوْهيَّةِ الله تعالى وَ ربوبيَّتِهِ لا شَريكَ لَهُ).وهذا مَا بَشَّرَ بِه الأنْبياءُ وَالرُسولُ منذُ (أبونا آدم وحتى خاتَمَهُم رسولنا محمد عليه وعَليهِمُ أفضل الصَلاةِ والسَلامِ) لقوله تعالى:" يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ". ومن جهة أخرى سَنَّ جلَّ جلاله شَرَائِعَ للتَّعَامُلِ مَعَ مَشْاكلِ مُجْتَمَعاتِ الأنبياءِ والرُسلِ في أزمنتهم.. وحيث أن المجتمعات ليست سواء .. فَالشَرائِعُ كذلك هي متنوعةٌ ومتعددةٌ.. أمَّا بِشَأنِ مُصْطَلحَ (السَمَاويّ) فهو كنايةٌ عن (الرَبَّانيّ) لأنَّ اللهَ تعالى في السْمَاءِ.. لذا فالقول:(أديانٌ سَماويَّةٌ يعني أديَّانٌ ربَّانيَّةٌ) وهذا لا يصح عقديَّاً بحال من الأحوال.. لأنَّ دينَ اللهِ تعالى واحدٌ ثابت لا يَتعدد.. أمَّا شَرائِعُه سُبحَانَه فهي مُتَعَددةٌ ومُتنَوعةٌ ومُخْتَلِفةٌ.. أجل: دِنُ الله تعالى وَاحدٌ بِشَرَائِعَ مُتعددة.. وأمَّا القولُ: بأنَّ الشريعة دينٌ..؟! فهذا فَهْمٌ يَحْتَاجُ مِنْ أهلِه إلى مُرَاجَعَةٍ دَقيقَةٍ.. فَالشَرَيِعَةُ ليست هي الدين إنَّمَا هي أداةٌ من أدواتِهِ تتغير وتتنوع.
**********************
الأديَّانُ السَمَاويَّةُ-4
وصَلني تَعْليقٌ مِنْ فَضِيلةِ أحدِ العُلَمَاءِ الأجِلَاءِ على مقالتي :(الأديَّانُ السماويَّةُ)جاء فيه:(أُثَنِّي على رؤيتِكم الفَطِنَةِ القيَّمَةِ.. وتَنبيهُكم المُقَدَّرِ غَير المَسْبوقِ بِشَأنِ خَطأ استِخْدامِ عِبَارةِ:(الأديَّانُ السَماويَّة) حقًا إنَّه لَخَطَأٌ عَقَدِيٌّ قَبيحٌ.. فَدِينُ اللهِ تَعالى واحدٌ لا يَتعددُ لقوله تعالى:" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"ولِقولهِ جلَّ جلالُه :" يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ".ولِقولِه سُبْحانَه:" إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" أي الإسْلامُ بِمِعنَاه العام لِقولِه تعالى:" مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ". بارك الله تعالى بعلمكم وفهمكم.. فَالأمَةُ بخيرٍ مَا دَامَ فيها منْ أمثَالِكم ..هَذا ومِمَّا يُثلجُ الصَدرِ ويُريحُ النَفْسِ أنَّ تَعْلِيقَ فَضيلتِه كان مركزاً على الإشكاليَّة التي طرحتها المقالة وهي: الخطأ العقدي في استخدام عبارة ( الأديَّانُ السماويَّةُ) فلم يُفرَّع بمسائل جانبيَّةِ .. مِمَّا أُسميِّه ظَاهِرَة الإغْرَاق في تَنَاولِ المَوضُوعَات .. الأمرُ الذي يُفْرِزُ عادة عقبات كأداء بَيْنَ يَديِّ انتِظَامِ المَفَاهيمِ واتِسَاقِها.. أجل: إنَّ مَسْألةَ تَجْليةِ مَعَانِي المُصْطَلحَاتِ وَتَحْريرِ دِلَالَاتِها ..تَبقى المُنْطلقُ المُوضُوعيُّ الرَاشِدُ في انْتِظَامِ المَفاهيمِ وَاتْسَاقِ الرُؤى.اللَّهُمَّ فَقْهنَّا في الدْينِ وأهدنَا سَواءَ السَبيلِ.
وسوم: العدد 875