خواطر فؤاد البنا 878
عجائب المسلمين في زماننا لا تنقطع، ومن أحدثها أن إندونيسيا، وهي أبعد بلد إسلامي في الشرق، قد أعلنت أن السبت هو المتمم لرمضان، بينما أعلنت النيجر، وهي بلد يقع في غرب العالم الإسلامي، أن السبت هو أول أيام عيد الفطر، بمعنى أن الغرب سبق الشرق، والأغرب من ذلك أنهم قالوا بثبوت رؤية هلال العيد من قبل جهات عديدة في النيجر، مع أن علماء الفلك أكدوا استحالة رؤية الهلال مغرب الجمعة!
********************************
فرحُنا الأكبر هو يوم نتحرر من هيمنة الأهواء ومن العبودية للكُبَراء، لكننا سننتهز كل فرصة للانعتاق من قبضة الأحزان، وسنبتهج بكل مساحة فرح مهما كانت صغيرة، وسنسعد بتوزيع بعض ما نملك من سرور على المحرومين والمنكسرين. أفرحكم الله بالخلاص من سرطان الاستبداد وبالطمأنينة يوم الفزع الأكبر.
********************************
من النماذج العالية للشعور بالمسؤولية في وسط المسلمين، المفكر والداعية الباكستاني أبو الأعلى المودودي، ومما يروى أنه كان ذات ليلة يلقي كلمة في جمع من الناس فانطفأت الكهرباء وفي ذات اللحظة انطلقت رصاصات غادرة تجاه المَنصّة التي يقف عليها، وحاول مرافقوه أن يجلسوه حتى لا تصيبه الرصاص، ولكنه قاوم محاولاتهم، وقال لهم: "ومن يقف إن جلست أنا؟!". ومن النماذج غير المسلمة ما روي عن الثائر الشيوعي تشي جيفارا من أنه قال: "إن الطريق مظلم وحالك، فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق؟!"... وهكذا يعتقد المضحّون أنه لا يوجد غيرهم مسؤول عن نهضة مجتمعاتهم!
********************************
تتسابق أنظمة النفاق في منطقتنا على موالاة أعداء الأمة، وتتنافس في تقديم الخدمات والتنازلات على حساب هُوية الأمة ومصالحها العليا. ووصل الأمر ببعض الأنظمة إلى حد أن تصبح غربية أكثر من الغربيين، ويُعد هذا الأمر مصداقاً لقوله تعالى، *{فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسَرّوا في أنفسهم نادمين}* [المائدة: ٥٢]، ونلاحظ استخدام التعبير القرآني (يسارعون فيهم) بدلاً من (يسارعون إليهم)، كأنهم يندمجون فيهم ويصيرون جزءً منهم، ولا يزالون يبررون تلك التبعية العمياء للسذّج من كبراء شعوبهم بالقول إن هناك مؤامرات تُنسج ضد أنظمتهم، وأنهم مجبرون على هذا التفريط بثقافة الأمة وأموالها؛ وذلك حتى لا تدور عليهم دائرة السوء.
********************************
كان الحسن البصري دائم الحزن كثير البكاء، فسُئل عن سبب ذلك، فقال: "أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي". هذا وهو سيد التابعين ومن قيل بأن كلامه يشبه كلام النبوة. واليوم نجد أناساً مقصرين في جنب الله بل قد نجد بعضهم مثخَنين بالشرور ومثقَلين بالمعاصي، ومع ذلك يعيشون في طمأنينة كاملة، غافلين عن آيات الله التي تمور حولهم ومضيعين لكثير من الفرص والمواسم التي منحها لعباده، كموسم رمضان وفرصة ليلة القدر. وربما وصل الأمن من مكر الله بأحد هؤلاء إلى درجة أنه لا يشك لحظة واحدة بأنه من أهل الجنة، رغم أنه قد يجعل حياة الضعفاء جحيماً لا يطاق !
********************************
التقوى هي الطاقة التي تجعل اللبّ (يعقل) صاحبه عن الانفلات من خطام الأوامر والنواهي، وتجعل النفس (تلومه) كلما ضعُف هنا أو نسي هناك، وتجعل الروح (تروح) به من أماكن الشبهات والشهوات نحو الحلال البَيّن، غير أن التقوى ليست منحة رحمانية أو هبة مجانية، وإنما هي ثمرة للتزود من المحطات التي أمر الله بها سواء كانت يومية (الصلاة) أو أسبوعية (الجمعة) أو سنوية (الصوم) أو عُمرية (الحج).
وسوم: العدد 878