ليس للقلق دولة !
لِنْ لِي فلا يُعقل أن يجمعنا انفعال ونحن على مائدة الأخوة ، ولاتنس كلمات جدِّي ــ يرحمه الله ــ حين كنا نتحلق حوله نصغي إلى أحاديثه الجميلة وتوجيهاته السديدة عن الحياة ، وما فيها من أنانيات وأحقاد وأخطاء ‘ وما في أردانها الربيعية من قيم ومآثر ووو ... ولعلك مانسيت فلم يمض على رحيله إلابضع سنوات . حدّثْنِي طويلا فلن أملَّ ، ولكن بهدوء ومسؤولية فأنا أختك الكبرى ولا أريد إلا مساعدتك ، فدعنا نتحاور ولكن بهدوء ، ولعلك تصل إلى متكأ يريحك من هذا القلق ، لكي لا يُصَنَّفَ بالمرض المزمن . ولعلنا أيضا نصل إلى بستان السكينة الذي منحه ربُّنا للخلق أجمعين . ليكن حديثنا حول مايشغل بالك ، بكل مافيه من تفاصيل ، فأنا شقيقتك الكبرى ، ولربما نجد معا أجمل روعة ما للخط المستقيم الذي لايتيه مَن ألقى عليه خطاه . وعند نهاية الخط ستجد أحلامَك ، وتحتضن أمنياتك العِذاب على مسرح الحياة الكبير .
ولْنبدأ بترويض مشاعرك ، لابتحريضها فأنت مازلت تغطي عينيك بنظارة سوداء! وكأنك تخفي خلفها كل أسرارك ، ألازلتَ متشبثًا بسخريتك من كل ماحولك ، حنانيك أخي ... ماهكذا يخفي المرءُ وجعه ، أو ينسى حزنه ، ألم تجد من أصدقائك الذين تقضي معهم الساعات الطوال من ليل أو نهار مَن يأخذ بيدك ! أويعقل أنّك لم تلتق ذا رأي سديد تحدثه ويحدثك فيخفف عنك ولو قليلا ! حدِّثْني واخرجْ من دائرة صمتك، أمازالت أفكارُك تترنح بجدية بالهجرة بعيدا عن ( هنا ) هذا الذي تسكنه ويأبى أن يسكنك !
أهملتَ نفسك كثيرا وأنتَ تختار البُعد ، وتقطع تلك اللقاءات التي أحلتها إلى مايشبه الجحيم ، أو على الأقل الوحشة التي من خلالها تنغّص عيشك ، نعم للحياة أحيانا مرارات ، تلف قلوب الناس بمنغصاتها ، وربما تلفهم بعباءة هالاتها المعتمة . ولعلك واحدا ممن أُصيبوا في معركة الحياة هذه ، ولكن من العبث الضَّــار أن تبدأ صباحك ــ والصباح يعني التفاؤل ــ بسيجارة تحرقك قبل أن تحرقها ، أنا لاألومك فربما وجدت الملاذ هنا مع الدخان الذي يضيع في رحاب الأفق البعيد الرحيب ، وليس هكذا تورَد الإبل ــ كما يقولون ــ أنت تبحث عن ملاذ دون فائدة.. لا حلول نهائية.. دائما تقف بالمنتصف ، ربما كنت تعرف أنك إن خطوت تلك الخطوة لن يكون لديك خيار العودة للوراء ، لطالما كنت مترددا ولكنك الآن تجرّأت و قد خَطَوْتَها، أنت مُلزم الآن ومسؤول أكثر من ذي قبل .لا بأس ستمضي حتما هذه المرحلة السيئة كسابقاتها ، ولكن هذه المرة كن أكثر شجاعة ، وأقوى على دفع ما أثقل كاهلك ، أشعِرْ نفسَك أنك بخير ، وتنفّس القليل من التفاؤل ، لا بد من أن نفسك اشمأزت من ثقل الانتظار ، وصارعت بطءَ الوقت على مضض ، أو سرعته على حد سواء . انتظرتَ طويلا لعل أحدا يرشدك إلى الطريق الصواب ، وها هي الإشارة تضيءُ لك من كوة العتمة ، تؤكد لك أنك ستصل بمشيئة الله وعنايتة سبحانه وتعالى . هنا المحط الفارقة ، ثق بأن الله معك ، وأنه يرشدك إلى أفضل النجدين ، فتنفسْ بعمق فأنت بخير . فالقلق الممض ليس بدولة ، وليس له القوة الضَّاربة التي تفعل ماتشاء . والخوف من تقلب الحياة ، أو من شك يلحق الإنسان لشعوره بشيء غريب في داخله يشكل قلقا . وهذا ناتج عن اضطرابات مزاجية شخصية ، فللقلق أسباب عديدة ، وآثار القلق ضارة ومعقدة ، وقد تودي بحياة الإنسان . وضع العلم الحديث أنواعا من العلاجات للقلق والتوتر ، عن طريق الأدوية ، أو عن طريق العلاج النفسي ، والأخذ بأسباب العافية واجب على الإنسان ، ولكن العلاج الناجع في هذه الحالة ، وليس له من عوارض ضارة مطلقا هو العلاج الرباني الذي أودعه الله قلوب العباد !!!
قـم مطمئنا من لوثة ماللقلق من متاهات ، فإنَّ الالتجاء إلى الله والتوكل عليه سبحانه ، من خلال الصلاة ، وتلاوة القرآن الكريم ، ودوام ذكره سبحانه وتعالى ، واستشعار ماجرى للأنبياء ، وكيف أنجاهم الله ، ففي اللجوء إلى الله سكينة النفس وطمأنينة القلب ، قال تعالى ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) 44/ فصلت ، ففي هذا اللجوء طلب للعافية والأمن من الله ، وإدامة ذكر الله تُشعر الإنسان بسند قوي : ( يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور )57 / يونس ، وهذا اللجوء والإقبال على الرحمن الرحيم يأتي بالعافية بلا ريب . يقول تعالى : (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) 82/الإسراء . فمن ذا الذي ينكر ماوعد الله به عباده من شفاء وعافية ، إن القلق حالة طارئة وليست بدولة قائمة على أركانها ، وليس بقوة لاتُهزم ، أبدا ليس القلق كذلك ، وإن تسلح بالضجر والإحباط وربما باليأس ، فالتمسك بحبل الله فيه نجاة من كل أنواع القلق ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .الحمد لله أراك تصغي لِمـا ألهمني الله من نصيحة ، لاتستغربْ ، فالليل رغم ظلمته ينير جنباته ضوء القمر الذي لاتخفى إشراقته على الذين ينظرون خلف هذا الأفق رغم مافي الظلام من هواجس .
عـــذرا أخيَّ فللدنيا مواجعهــا ... وليس يخسر فيها الشامخُ الباسِ
وسوم: العدد 903