النبي يوسف وعصر الاهرامات
الخاطرة ٢٧١ : هرم زوسر في القرآن الكريم.
في البداية أود أن أنوه إلى ملاحظة ذكرتها العديد من المرات في مقالات سابقة ، وهي تخص القراء الجدد ، بأن مقالاتي وخاصة الأخيرة تعتمد بشكل كبير على معلومات شرحتها بشيء من التفصيل في مقالات ماضية ، فالقارئ الذي سيقرأ مقالة اليوم كأول مقالة لي ، سيشعر مثل ذلك التلميذ في المرحلة الإبتدائية عندما ينتقل مباشرة إلى المرحلة الثانوية . فهو سيعرف قراءة جميع الكلمات ولكنه لن يفهم منها شيئا لكثرة عدد المعلومات والمصطلحات الغريبة فيها والتي تم شرحها في المرحلة الإعدادية ولم يسمع هو بها . السلوك الفطري لهذا التلميذ الصغير سيجعله عاجزا عن إعطاء أي رأي لأي معلومة يقرأها ، أما القارئ الجديد لمقالتي فكونه يظن نفسه أنه يمتلك ثقافة كافية لفهم كل شيء يقرأه ، فستكون ردة فعل شعوره التعصبي الشتيمة والسخرية من صاحب المقالة بسبب عدم تطابق معلومات المقالة مع المعلومات التي يعرفها عن دينه أو تاريخ بلاده .
لهذا أقول لمثل هؤلاء القراء : يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ ..... (١١) الحجرات} . فعلى الأقل إنصافا للحق ولنفسه أرجو أن يعود القارئ إلى مقالاتي القديمة ليعلم ما أكتبه في هذه المقالة .
كل ما أستطيع هنا أن أقدمه كدليل بسيط على أن معلومات مقالاتي ليست نتيجة هلوسة أو شطحات خيالية وأنما هي نتيجة بحث شاق وطويل، هو أن من يتابع مقالاتي منذ فترة طويلة يعلم تماما بأنها كانت تتنبأ بشكل غير مباشر عن لعنة عام (٢٠٢٠) التي أصابت جميع شعوب العالم في هذا العام ، فمنذ بداية ظهور صفحتي (عين الروح) شرحت عدة مرات معنى رمز الرقم (٢٠) وأنه أحد رموز الأعور الدجال . فالقرن العشرين (الذي يحمل نفس الرقم) قد كتبتْ عنه صفحات التاريخ (لم تعرف الإنسانية وحشية مثل وحشية إنسان القرن العشرين) ، إن تنمية العنف والإباحة الجنسية هي من أهم أهداف روح أعور الدجال .
وأود أن أؤكد للقراء أن جميع المعلومات الغريبة عن ثقافة الإنسان المعاصر التي أعتمد عليها في شرح مواضيع مقالاتي، موجودة في القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم هو أصدق مرجع بالنسبة لي . وأن سبب عدم استطاعة علماء الدين أو علماء التاريخ أو علماء الفلك أو غيرهم رؤيتها في القرآن ، هو أن المنهج العلمي المعاصر يفرض على إنسان منذ طفولته أن يرى الشيء أو الحدث من خلال زاوية واحدة ، هذا النوع من الرؤية يخلق نوع من التعصب في عقل الباطني للإنسان فيجعله يرى فقط ما ينتمي إليه ، أما القرآن وكونه كلام الله فهو يستخدم الرؤية الشاملة للموضوع لتناسب مستوى المعارف في جميع العصور ، هذا المبدأ ذكره الله في سورة يوسف {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ.....(٦٧)} . كل باب هو علم خاص بذاته ، فحتى نستطيع رؤية المعلومة في القرآن بمعناها الشامل ، يجب أن تكون نيتنا في البحث نقية بعيدة عن أي نوع من أنواع التعصب ، وأن يكون هدفنا هو البحث عن الحقيقة أينما كانت ، وأن نمتلك ثقافة شاملة تسمح لنا برؤية المعلومة من خلال توحيد جميع زوايا رؤية كل علم (علوم الفيزياء ، علم الجيولوجيا ، علم التاريخ ، علم الفلك ، علم اللغات ، علم الديانات ، علم الهندسة ، علم الميكانيك . الفن بجميع أنواعه ....) .فكل علم هو في الحقيقة هو عبارة عن جزء من تكويننا الروحي لأننا كبشر نملك جزء من روح الله في تكويننا ، لهذ فإن إلغاء أي علم في البحث سيجعل المعلومة ناقصة وستسمح للأصحاب السوء بتشويه معناها الحقيقي .
كل ما هو مذكور في الكتب المقدسة ، موجود أيضا في القرآن الكريم ولكن بشكل رمزي يُعطي الشيء أو الحدث صورة جديدة بحيث يستطيع علماء جميع العلوم بمختلف أنواعها رؤيتها ، فيسمح لهم بتوحيد زوايا رؤيتهم لهذا الشيء أو الحدث وعندها فقط نستطيع أن نصل إلى رؤية علاقة الإنسجام بين شكل ومضمون الشيء أو الحدث ، وبالتالي فهم سبب وجوده ودوره أيضا في المخطط الإلهي في تطور الإنسانية . لهذا نجد أن معظم علماء الحضارة الإسلامية قد استعانوا بمعارف الحضارات المجاوة لهم في أبحاثهم ، وكذلك استعانوا بالكتب المقدسة ليكتبوا قصص الأنبياء بشيء من التفصيل لأن القرآن الكريم ذكرها بشكل مختصر جدا لا يكفي لكتابة سيرة هؤلاء الأنبياء . فمنهم من أصاب في بعضها ومنهم من أخطأ ، ولكن النية عند معظهم كانت نقية هدفها التوسع في فهم وشرح آيات القرآن الكريم . ولكن الذي حصل منذ ٨٠٠ عام تقريبا ، أن العلماء المسلمين أصبحوا يقرأون الكتب المقدسة بنية سوء لإثبات كفر أتباع الديانات الأخرى ، نية السوء هذه لا تزال موجودة في العديد من العلماء المسلمين . فالقرآن الكريم كما يفسره العلماء المسلمين اليوم قد انتهى مفعوله منذ ٨٠٠ عام .ولهذا و منذ ذلك الوقت وحتى الآن لم تستطع الأمة الإسلاميةالخروج من عصر الإنحطاط الذي تعيش به .
هذه المقدمة ليست خارج موضوعنا الرئيسي ولكنها من صلب الموضوع ، فكل معلومة تدخل فكرنا ستؤثر على سلوكنا وبالتالي على سلوك المجتمع بأكمله ، فما نفع فهم - مثلا - معنى آية (هاروت وماروت) إذا لم يساعدنا معناها في تصحيح سلوكنا وتصحيح البيئة الروحية لمجتمعنا من أجل الحفاظ على الفطرة الإلهية بشكلها النقي في أطفالنا .
ذكرت قبل قليل بأن كل معلومة أذكرها في مقالاتي موجودة في القرآن الكريم، وهنا سأحاول أن أشرح بعض المعلومات التي ذكرتها في سلسلة مقالات (يوسف وعلاقته بهاروت وماروت) لتوضيح مكان وجودها في القرآن الكريم . أحد هذه المعلومات تقول بأن يوسف عليه الصلاة والسلام هو مؤسس عصر الاهرامات في مصر . فجاءت تعليقات من بعض القراء المصريين (أين دليلك ... كلام فارغ ....كل ما تذكره غير موجود في القرآن و إنما هو من كتب اليهود المحرفة) . حتى أستطيع متابعة شرح موضوعنا هذا لا بد في البداية من ذكر أدلة تؤكد على وجود علاقة بين آيات القرآن الكريم وآيات الكتب المقدسة في الديانات الآخرى وأن الفصل بين هذه الكتب المقدسة سيجعل جميعها بلا أي فائدة . الإثباتات التي أقدمها هنا ليست فقط للمسلمين ولكن أيضا للمسيحيين واليهود ليعلموا بأن القرآن الكريم هو كلام الله.
هذا دليل آخر على أن الأرقام الموجودة في سفر التكوين، ليست من عقل بشري ولكن من وحي إلهي كونها موجودة أيضا في القرآن الكريم .
الآن لنعود إلى القرآن ككتاب كامل لمتابعة موضوعنا الرئيسي . إذا حسبنا مجموع قيم عناوين السور من بداية القرآن (سورة الفاتحة) وحتى سورة يوسف ، سنحصل على الرقم (٩٥٨) وهو القيمة الرقمية بالكابالا العربية لأسم الشيطان كما هي مكتوبة في القرآن (شيطن) ، القارة الأفريقية التي شكل خريطتها مشابه لشكل رأس إنسان له قرنين هي رمز مكان سيطرة الشيطان . لهذا أرسل الله يوسف إلى أفريقيا ليواجه روح السوء هناك . ولهذا نجد أن أسم يوسف يظهر لأول مرة في القرآن الكريم في سورة الأنعام في الآية ٨٤ (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) . فالأفارقة والأوربيين والذين يمثلون الشعوب الغربية فإن تكوينهم الروحي الأول كان فيه جزء كبير من سلالة قابيل . لهذا كلمة (أنعام) والتي مصدرها (نعم) تأخذ معنيين متناقضين حسب تشكيلها ، معنى سلبي كما هو في الآيه {.... إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤) الفرقان} ، ومعنى ايجابي (نعيم ، نعمة) . فالمقصود في الحقيقة بمعنى هذه الكلمة ومشتقاتها هي الميزات المادية والتي يتمتع بها الشعوب الغربية ، فإذا كانت هذه الميزات ستساعد في تنمية التطور الروحي للإنسانية والذي هو مسؤولية القسم الشرقي من شعوب العالم فعندها تأخذ معناها الإيجابي ، أما إذا كانت ستساهم في عرقلة هذا التطور فعندها تأخذ معناها السلبي . ولهذا نجد في سفر التكوين أن اسم (نعمة) هو آخر اسم يتم ذكره في سلالة قابيل (٢٢:٤ وصلة أيضا ولدت توبال قايين الضارب كل الة من نحاس و حديد و اخت توبال قايين نعمة) . حيث عندها تتوقف سلالة قابيل وتختفي بسبب إندماجها بالقسم الشرقي . ولهذا نجد أن أفريقيا وأوروبا خالية تماما من الحضارات القديمة ، ما عدا الحضارة المصرية القديمة والحضارة اليونانية ، فبسبب قربهما من الشعوب الشرقية ونزوح هؤلاء إلى مصر واليونان ظهرت هذه الحضارات فيها . هذا قانون إلهي ، فأصل كل شيء هو الروح وليس المادة . لأن المادة تصنعها الروح لتعبر عنها . الله عز وجل جعل من حياة يوسف رمزا لهذا القانون . فبدون عقيدة دينية من عند الله لا يمكن أن تنشأ حضارات ، ومن المعروف أن جميع الديانات العالمية الموجودة اليوم ظهرت في آسيا .
هرم زوسر لم يكن قبرا ، ولكن يوسف بناه كمستودع لحفظ المواد الغذائية لتأمين حاجات المجتمع المصري في سنوات العجاف . فالبنية التحتية لهذا الهرم حجمها ضخم جدا ، فهي تتألف من سراديب وممرات معقدة طولها أكثر من ٣٥٠ متر ، وتحوي على أكثر من ٤٠٠ غرفة ، حيث وجد فيها أكثر من ٤٠ ألف إناء فخاري . أما البئر الضخم تحت الهرم والذي مقياس قاعدته (٧×٧) متر وعمقه (٢٨) متر . فلم يكن غرفة القبر ولكن صومعة حبوب . وهو المكان الذي كان يتواجد به يوسف عندما فارقت روحه جسده .
الشعب المصري في تلك الأيام طلب من تلامذته أن يلقوا النظرة الأخيرة إلى ذلك الإنسان الذي ضحى بنفسه من أجل إنقاذهم . وكون عدد سكان مصر كان كبيرا جدا ، فكان قرار تلامذته أن يسمحوا للوافدين لزيارته ورؤيته ، ولكن أن يوقفوا هذه الزيارة عندما تبدأ ظهور أول علامات تحلل جسده ، ولكن الذي حصل هو أن جسد يوسف ظل كما هو بجماله ورائحته العطرة لمدة ٣٠٠ عام . إن عدم تحلل جسد يوسف دفع تلامذته بالإيمان بأن يوسف سيعود إلى الحياة ثانية ، فأعلنوا عن إحساسهم على الشعب المصري ، ولهذا كان أسم هذا الهرم في البداية هرم (نثرخت) ومعناها " الجسم الإلهي " ، ولهذا تذكر الآية القرآنية عن فرعون زمن موسى عليه السلام {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (٩٢) يونس} فهذه الآيه تشرح لنا عكس ما حصل مع يوسف ، فيوسف حافظ على جسده وعاد إلى الحياة الثانية أما فرعون فحافظ على جسده ولكن لم يعد إلى الحياة مرة أخرى وظل جسدا محنطا لا يُعبر سوى عن شدة ضعفه وهزيمته .
زوسر أيضا له لقب آخر وهو (جسر) ومعناه (المقدس) في اللغة المصرية القديمة ، ولكن كلمة (جسر) تُسمع وكأنها كلمة عربية ، فهذا اللقب ليس صدفة ولكن علامة إلهية لها معنى أن يوسف هو هابيل الذي ولد في الجنة والذي قتله أخاه هابيل ، فتم طرد آدم وحواء وهابيل والشيطان من الجنة ، ولكن الله أحيا هابيل وأرسله إلى الأرض ليكون بمثابة الجسر الذي يصل الإنسان الأرضي بإنسان أهل الجنة والذي عليه سيتم التكوين الروحي للإنسانية ليصبح الإنسان الأرضي مشابه تماما لإنسان الجنة ليستطيع العودة إليها ثانية .
أما قصة عقيدة التحنيط فشرحها يحتاج إلى صفحات عديدة ، ولكن بشكل مختصر جدا نستطيع أن نقول بأنه بعد أجيال عديدة من استيقاظ يوسف ووفاته الثانية ، بدأ المصريين القدماء بتحنيط جثث الموتى ظنا منهم أن سر عودة يوسف إلى الحياة كان بسبب تحنيطه وشيء فشيء أصبح تحنيط الموتى عقيدة في الشعب المصري القديم . وبعد قرون عديدة من وفاة يوسف أصبح كل حاكم وكل شخص له مرتبة عالية في السلطة أن يضيف شيئا في مجمع هرم زوسر ليعبر به عن نفسه . ومع مرور السنوات تشوهت ملامح مجمع هرم زوسر وتحول إلى مجمع عشوائي يحوي آثار أسر عديدة من الأسر المصرية القديمة ، فتشوهت قصة يوسف عند المصريين القدماء . واليوم وللأسف كل ما نعرفه عن هرم زوسر ومجمعه ، هو ما نقله المؤرخين الذين عاشوا قرون عديدة بعد وفاة يوسف . بمعنى آخر أن كل ما نعلمه اليوم عن هرم زوسر هو تلك الأعمال العشوائية التي حصلت بعد وفاة يوسف .
اليوم هناك تياران في شرح حقيقة عصر الأهرامات ، التيار الأول وهو الذي يُدّرس في الكتب المدرسية ، والتيار الثاني هو الذي يحاول إثبات أن الأبنية الضخمة في عصر الاهرامات تنتمي لحضارة مفقودة عاشت قبل (١٠٥٠٠) عام . وأن جميع تلك الأسماء التي نعرفها عن اصحاب هذه الاهرامات لا علاقة لهم بالأبنية الضخمة ، فهم فقط حاولوا أن يستخدموها لأنفسهم .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنشرح دور يوسف عليه الصلاة والسلام في هذه الحضارة المفقودة التي قسمت علماء تاريخ مصر القديمة إلى فئتين متعاديتين ..... والله أعلم .
الخاطرة ٢٧٢ : النبي يوسف وعصر الاهرامات الجزء ٢
في البداية أود أن أكرر ما ذكرته في المقالات الماضية ، بأن مقالاتي - وخاصة الأخيرة - تعتمد على قاعدة ثقافية مختلفة تماما عن القاعدة الثقافية للعصر الحديث ، فمن لم يقرأ مقالاتي الماضية سيجد في هذه المقالة الكثير من المعلومات غير المألوفة ، قد لا يستوعب منها شيئا أو قد يتهمني بسوء النية . فالمنهج العلمي الذي أعتمده في أبحاثي هو استمرار لذلك المنهج الذي اعتمد عليه مؤسسي الحضارات العالمية الماضية أنبياء وعلماء ، وكان آخر هؤلاء العلماء الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل (١٧٧٠ -١٨٣١) والذي يُعتبر آخر فلاسفة الفلسفة المثالية . والذي ساهم في استمرارية تنقية مفهوم الفلسفة من الشوائب لتتم عملية دمج الرؤية المادية والرؤية الروحية في البحث للوصول إلى رؤية شاملة لموضوع البحث ، ولكن أتى من بعده الفيلسوف المزيف كارل ماركس بمحاولته بشكل علمي إثبات عدم وجود الله ، فحذف من الفلسفة الإحساس الروحي وقلب الفلسفة المثالية رأسا على عقب وجعلها تعتمد بشكل مطلق على الرؤية المادية فقط ، فخسرت الفلسفة هويتها وتحولت إلى علوم تضر ولا تنفع . والذي ساعد في تنمية الرؤية الماركسية في تلك الفترة هو ظهور نظرية داروين عن تطور الحياة (أصل الأنواع) والتي حاول فيها إثبات أن أصل الإنسان قرد ، وكذلك ظهور الفن الحديث بلوحة (التفاحة) للفنان المزيف بول سيزان الذي قال عن لوحته (بتفاحة سأدهش باريس) ، وصديقه أميل زولا بروايته (الإنسان الوحش) التي من خلالها حاول تجريد بطل روايته من جميع القيم الإنسانية والأخلاق الحميدة ليتحول إلى إنسان همجي أصله قرد . جميع هؤلاء استخدموا منهج علمي معاكس تماما لمنطق يوسف عليه الصلاة والسلام الذي وضع القواعد الرئيسية للمنهج العلمي الحقيقي في البحث . هؤلاء العلماء المزيفين اليوم يتربعون على عرش المنهج العلمي الحديث ، والذي عليه تم كتابة جميع الكتب المدرسية التي تُدرس في جميع بلدان العالم . فكانت النتيجة ولادة ظاهرة (الطفل المجرم ) التي لم يعرف التاريخ مثلها من قبل ، وولادة قرن وصفته كتب التاريخ (لم تعرف الإنسانية وحشية مثل وحشية القرن العشرين) . (هذا الموضوع شرحته بشكل مفصل في مقالة تحمل عنوان (خدعة القرن التاسع عشر) .
في القرن التاسع عشر عندما بدأت عمليات التنقيب والحفر في مصر ظهرت العديد من القطع الأثرية والأماكن الأثرية ، ولكن بدلا من أن يرى المصريون من خلال هذه الآثار التاريخية أعمال النبي يوسف عليه الصلاة والسلام في مصر، جاءت الرؤية الماركسية والتي استخدمها علماء التاريخ والآثار في تفسيرهم لهذه المعلومات الأثرية لتطمس أعيونهم ولتجعلها لا ترى أي أثر من تلك الرموز التي تركها النبي يوسف لنا . فكانت النتيجة ظهور شخص في مصر يدعى (حسن البنا) ابن عالم متخصص في علم الحديث ، وبحجة أنه يريد أن يعيد بلاده إلى ما كانت عليه في عصر الحضارة الإسلامية، قام بتأسيس حزب يحمل أسم (الأخوان المسلمين) شعاره عبارة عن صورة للقرآن الكريم بحجم صغير، وسيفان يُحيطان به بحجم كبير، وفي الأسفل كلمة (أعدوا) ، من له معارف بسيطة بعلم الرموز سيظن في البداية أن مؤسس هذا الحزب هو ابن مجرم وليس ابن عالم ديني متخصص بعلم الحديث ، فمعاني رموز الشعار (عدا القرآن) توضح أن مؤسس هذا الحزب الديني وأتباعه لم يفقهوا شيئا من تعاليم القرآن الكريم لأنهم اتبعوا منطق معاكس له تماما (الرؤية الماركسية) ، فشعار الحزب الذي يحوي سيفين وكلمة أعدوا حَّول معنى الشعار إلى معنى أن أتباعه يعتقدون أنفسهم هم خلفاء الله على الأرض وجاؤوا لينتقموا من أعداءه (أَعَدَّ لَهْم عَذاباً أَلِيماً.... وَأَعدَّ لهُمْ سَعيراً .... وَأعدَّ لَهُم جهنَّمَ وَساءَتْ مَصيراً) . في فترة زمنية وصفها التاريخ بأنها أكثر مرحلة وحشية مرت بها الإنسانية ، أتى حزب الاخوان المسلمين لينمي هذه الروح الوحشية في الأمة الإسلامية، فأصبح حزب الأخوان المسلمين كشجرة دمار نثرت بذورها في معظم البلدان العربية والإسلامية ، وساهمت في ظهور جميع المنظمات الإسلامية الإرهابية والتي أصبحت شماعة تتحجج بها الدول العظمى لتدخل جيوشها الدول العربية وتدمرها لتجعل هذه الأمة في أسفل السافلين .
الرؤية الماركسية في مصر أيضا سمحت بظهور النجم السينمائي (محمد رمضان) الذي تربع على عرش السينما العربية ، والذي جميع أفلامه لها منطق روايات أميل زولا (البطل الهمجي) ، فجميع أدوار الممثل محمد رمضان في أفلامه يلعب دور البلطجي . من يرى بعين البصيرة يعلم أنه لا يوجد أي فرق بين حسن البنا ومحمد رمضان في القاعدة الثقافية التي يحملها كل منهما ، فكلاهما من أتباع عقيدة واحدة وهي (حب العنف والوحشية) ، الأول استخدم الدين في تحقيق أهداف هذه العقيدة ، والثاني استخدم فن السينما لنفس الهدف . عقيدة حب العنف والوحشية هي عقيدة أعور الدجال ، فالنبي يوسف استطاع تحقيق أهدافه عن الطريق عقيدة العفة والسلام والتي بها (...وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ....) ، فكانت نتيحة عقيدة العفة والسلام هي ظهور عصر الاهرامات والذي يُعتبر من أعظم المعجزات الإنسانية في تاريخ البشرية . هذا هو الفرق بين منهج يوسف العلمي الذي استخدم علوم الحكمة وبين منهج علماء مصر اليوم الذين استخدموا المنهج العلمي الحديث الذي يعتمد الرؤية الماركسية ، الأول صنع عصر المعجزات ، بينما الثاني صنع قدوة مزيفة أمثال حسن البنا ومحمد رمضان . مصر التي عاشت سبع سنوات من العجاف في زمن يوسف استطاع أن يجعل شعبها أن يناموا وبطونهم شبعانة ، أما الشعب المصري اليوم فرغم أن الظروف فيها طبيعية ، نجد عدد كبير من أفراد هذا الشعب يعاني من الفقر لدرجة أن بعضهم يضطر ليأكل من القمامة . هل ما يحدث اليوم في مصر هو صدفة أم هي لعنة إلهية سببها أن آثار حضارة يوسف هي أمام أعين الشعب المصري ولا أحد منهم يستطيع رؤيتها ليفهمها ويشرحها ليُبين لعلماء العصر الحديث بأن الله موجود ، وأنه بدون الإيمان بالله فإن مصير علومهم في النهاية هو الفناء ، لأن الإنسان الذي أصله قرد لم ولن يفقه معنى كلمة حضارة .
ما كتبته قبل قليل هو رأي باحث يستخدم منهج الفلسفة المثالية (علوم الحكمة) ، والتي أول من وضع أُسسها هو النبي يوسف (لكل سبب نتيجة ، ولكل نتيجة سبب . الحظ (الصدفة) هو قانون نجهله ويجب علينا البحث لإيجاده) . هذا الموضوع شرحته بالتفصيل في سلسلة مقالات (الفيلسوف ابن الرشد المظلوم) ، فعلوم الحكمة انتقلت من مصر مع قوم موسى عليه الصلاة والسلام ومنه بعد حوالي ٣٠٠ عام وصلت إلى سليمان عليه السلام ، وعندها أخذت أسم (علوم القابلا) والتي بدورها انتقلت إلى بقية الشعوب المجاورة ، فذهبت من بلاد بابل إلى اليونان عن طريق الفيلسوف اليوناني بيثاغوراس وأطلق عليها هناك أسم (الفلسفة) ، ولكن بسبب سيطرة الحضارة اليونانية على مركز العالم ، أصبح مصطلح (الفلسفة) هو الشائع في الأوساط العلمية .
كابلا هو المصطلح العالمي لكلمة (قابلا) التي مصدرها الحقيقي من القرآن الكريم في قصة هابيل وقابيل ، ولكن حتى نفهم حقيقة ما هو المقصود من معنى هذه الكلمة يجب أن نستعين بسفر التكوين لنرى ما هو المقصود بهذه الكلمة ، فنجد سفر التكوين يستخدم فعل (نظر) في قصة هابيل وقابيل (٤:٤ وقدم هابيل ايضا من ابكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب الى هابيل وقربانه، ٥ - ولكن الى قايين وقربانه لم ينظر...) فعل (نظر) له معنى أن أعمال هابيل قد أحدثت إتصال بين الله وهابيل ولكنه لم يحصل هذا الإتصال مع أعمال قابيل .أما في القرآن فهو يستخدم فعل تقبل بدلا من نظر {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ ..... (٢٧) المائدة} هذا التغيير في الكلمة من نظر إلى تقبل ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تشير إلى أن الهدف الحقيقي لعلوم الكابالا (علوم الحكمة) هي التقرب من الله ، أو بمعنى علمي مختصر هي دراسة الأشياء والأحداث بحيث تبين علاقة الإنسجام بين الشكل والمضمون ، عندها يتم فهم حقيقتها وسبب وجودها ودورها في المخطط الإلهي في التطور العام في كل شيء وحدث يحصل داخل الكون . لهذا نجد أن أهم مبادئ علوم الكابلا هي (العفة والسلام) ، لهذا كان أسم يوسف مؤسس عصر الاهرامات عند المصريين القدماء (إمحوتب) ومعناه (الذي جاء بسلام) ، أسم إمحوتب مذكور بشكل رمزي في الآية التي تذكر ولادته حيث تقول أمه (٢٣:٣٠ فحبلت و ولدت ابنا فقالت قد نزع الله عاري) أي أن أسم إمحوتب هو مختصر لفظ (إمحوا تابت) ، فأم يوسف هنا رمز لحواء أي أن (حواء استطاعت أن تصحح خطيئتها وتتوب) ، لهذا، الآية القرآنية في سورة يوسف تذكر (ورفع أبويه على العرش) . ونجد أيضا أن أهم حدث في قصة يوسف هو حدث (العفة) . (هذا الموضوع شرحناه بشكل مفصل في مقالات ماضية).
علوم الكابلا لا علاقة لها نهائيا بما يصفها بعض العلماء المسلمين بأنها علوم السحر والشعوذة ، ولكنها علوم حكمة تقوم بتوحيد جميع أنواع العلوم في علم واحد والذي أشار إليه الله بشكل رمزي في سورة يوسف (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ...) حيث كل باب هو علم خاص بذاته . فحتى نستطيع رؤية آثار يوسف في الحضارة المصرية يجب أن نستخدم نفس مبادئ منهجه العلمي وهو علوم الكابلا (الفلسفة المثالية) . أما الرؤية التي يستخدمها علماء المصريات وغيرهم اليوم فهي رؤية ماركسية ولهذا لا أحد من العلماء بشتى اختصاصاتهم العلمية استطاع تحديد الفترة الزمنية التي عاشها يوسف . وللأسف بعضهم يصر على أن يوسف ولد في عصر إحتلال الهيكسوس لمصر ، أي أن فترة حياة يوسف كانت في أسوأ فترة حضارية من تاريخ مصر ، فحسب رأيهم وكأن الله قد أرسل يوسف إلى مصر ليقوم بهمة مادية ساذجة وهي حماية المصريين من الجوع فقط لا غير وأنه لا علاقة له بتلك الحضارة العظيمه ونقصد حضارة عصر الأهرامات ، وكأن الشعب المصري القديم هو بنفسه من صنعها بدون الحاجة إلى شخص مرسل من الله . فمن يقرأ تاريخ مصر القديمة كما تُدرس في الكتب المدرسية لن يجد أسم يوسف في هذا التاريخ ، وسيشعر وكأن يوسف عليه الصلاة والسلام في تاريخ مصر كان مجرد وزير عديم الأهمية في تاريخ مصر القديمة ، لهذا لم يتم ذكره في آثار مصر القديمة .
في مقالاتي الأخيرة التي تتحدث عن تاريخ مصر القديمة ، بعض المصريين وبسبب تعصبهم الأعمى لقوميتهم ودينهم، بدلا من أن يعودوا إلى المقالات التي تشرح المعلومات غير المألوفة بشيء من التفصيل ، انتقلوا مباشرة إلى شتم كاتب المقالة والسخريه من معلوماتها . لهذا في هذه المقالة سأغير قليلا من أسلوب سرد الموضوع ، فسأحول ذكر أمثلة تتعلق بموضوعنا الرئيسي (يوسف وعصر الأهرامات ) وسأطرح المثال كسؤال ، وأتمنى من هؤلاء ومن كل شخص يشك في صحة معلومات مقالاتي ، أن يتوقف قليلا عن متابعة قراءة المقالة ، ليفكر بما تراه عينه في هذا المثال وماذا يفهم منه ، ليسأل نفسه : هل هناك علاقة بين المثال ويوسف أم مجرد خرافات . ثم يتابع قراءة المقالة ليرى ما لم تستطع عينه رؤيته في كل مثال . فقط ليعلم تماما بأن المنهج العلمي الذي أعتمد عليه أرقى بكثير مما يعتقد . وليعلم هؤلاء القراء أن تعاليم القرآن الكريم هو الذي يفرض علي نشر أبحاثي {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) البقرة} . أنا أعرض ما توصلت إليه في أبحاثي وأترك أمرها لرب العالمين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) .
سفر التكوين في الإصحاح الخامس يذكر (٣١ : فكانت كل أيام لامك سبع مئة و سبعا و سبعين سنة و مات ) أي أن لامك والد نوح عاش (777) عام ، أما النسخة السبعينية اليونانية ، فتذكر في نفس الإصحاح ونفس الآية أن لامك عاش (753) عام ، الملحدين في بداية القرن العشرين استغلوا هذا الإختلاف واتهموا الكتب المقدسة التي يؤمن بها المسيحيون واليهود بأنها كتب كتبتها أيدي بشر وأنها ليست مقدسة وأنها مجرد خرافات . وللأسف حتى الآن لم يستطع علماء اللاهوت المسيحي تفسير سبب هذا الإختلاف . أتمنى من القراء الذين تكلمت عنهم قبل قليل أن يتمعنوا جيدا في الرقمين (777-753) هل هناك إختلاف ؟ وما علاقة هذا المثال بالنبي يوسف وموضوع الاهرامات ؟ تمعنوا جيدا قبل متابعة القراءة ، ماذا ترون في هذه الأرقام .
لو أن علماء اللاهوت المسيحي كانوا قد قرأوا القرآن الكريم بحسن نية لكان باستطاعتهم حل مشكلة هذا الخلاف بدقائق قليلة، ولكانوا أيضا قد فسروا آيات كثيرة من كتبهم المقدسة بطريقة مختلفة تستطيع إيقاف موضة التخلي عن الدين والإتجاه نحو الإلحاد التي ظهرت في القرن الماضي في الشعوب الغربية . فالقرآن الكريم يذكر في سورة الكهف أن أصحاب الكهف ناموا ثلاث مئة عام وازدادوا تسعة ، أي بمعنى أن القرآن الكريم هنا يستخدم نوعين من التقويم : التقويم الشمسي ، والتقويم القمري . حيث أن عدد سنوات نوم أهل الكهف في التقويم الشمسي يعادل ثلاث مئة عام ، أما في التقويم القمري فيعادل ثلاث مئة عام وتسع . نفس العملية الحسابية أيضا حدثت في النسختين من سفر التكوين في ذكر عدد السنوات التي عاشها لامك والد نوح ، النسخة الماسورتية تذكره بالسنوات القمرية ، أما النسخة السبعينية فتذكر العدد بالسنوات الأرضية . فالمدة الزمنية التي عاشها لامك هي نفسها تماما في كلا النسختين كما هو في سورة الكهف . النسخة الماسورتية هي النسخة التقليدية المنقولة من عهد موسى عليه الصلاة والسلام بعد خروجه من مصر ، أما النسخة السبعينية فهي ترجمة للنسخة الماسورتيه إلى اللغة اليونانية ، حيث الملك بطليموس الذي كان يحكم مصر في القرن الثالث قبل الميلاد قام بجمع ٧٢ من الشيوخ دون أن يعلموا سبب استدعائهم ، ووضعهم في ٧٢ غرفة كل واحد منهم في غرفة منفصلة ، وطلب من كل واحد منهم أن يصلي لله أولا ثم يقوم بترجمة التوراة ، فكانت نتيجة هذه الترجمة هي النسخة السبعينية. فكان هذا الإختلاف من وحي إلهي يحمل في معناه حكمة إلهية ، وقد أشار إليها الله عز وجل من خلال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (افترقت اليهود على (٧١) فرقة، وافترقت النصارى على (٧٢) فرقة، وستفترق هذه الأمة على (٧٣) فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال : هي الجماعة) وقد شرحنا هذا الحديث في مقالة ماضية . الملك بطليموس هو يوناني ، ولهذا تُعتبر النسخة اليونانية للإنجيل هي أصل جميع الآنجيل في العالم . الرقم (٧٧٧) سنة قمرية هو عام تاريخ تأسيس الحضارة اليونانية قبل ولادة مريم العذراء التي ولدت عام (٢٤) قبل الميلاد ، أما الرقم (٧٥٣) سنة أرضية فهو عام تأسيس مدينة روما قبل الميلاد (عيسى ولد عام ٦ قبل الميلاد) ، الرقم (٧٥٣) هو القيمة الرقمية لكلمة شيطان في اللغة اليونانية (ΣΑΤΑΝΑΣ) ، مؤسس روما رضع من ثدي ذئبة ، وقتل أخيه التوأم ليستلم السلطة . أما الرقم (٧٧٧) فشكله معاكس للقيمة الرقمية لأسم عيسى (ΙΗΣΟΎΣ) في الكابلا اليونانية (٨٨٨) , هذا الرقم ليس صدفة ولكن حكمة إلهية فهو رمز اهرامات الجيزة . فأسم (جيزة) يُسمع وكأن مصدره هو اسم يسوع باللغات الأوربية (جيزيس) حيث حرف السين هو حرف مضاف من أجل تحديد جنس صاحب الأسم (مذكر) . الرقم (٧٧٧) هو عام تأسيس الدولة الإغريقية ، التي شاركت في حكم مصر في الفترة الأخيرة من تاريخ مصر القديمة ، أما الرقم (٧٥٣) فهو عام تأسيس روما التي قضت على آخر ملوك مصر القديمة (كليوباترا) . (معلومات هذه الفقرة ستفسر لنا أشياء أخرى عن الأهرامات في الأسبوع القادم إن شاء الله) .
الرقم (٧٧٧) هو القيمة الرقمية لكلمة صليب (ΣΤΑΥΡΟΣ) في الكابلا اليونانية . هذه الكلمة مذكورة في سورة يوسف الآية ٤١ ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ) . ولكن في سفر التكوين بدلا من كلمة (فيصلب) يستخدم كلمة يُعلقك ( ٤٠: ١٩ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ عَنْكَ، وَيُعَلِّقُكَ عَلَى خَشَبَةٍ، وَتَأْكُلُ الطُّيُورُ لَحْمَكَ عَنْكَ ) ، قصة الرجلين أصحاب يوسف في السجن لهما علاقة برمز الرقمين (٧٧٧ -٧٥٣) اللذان يفسران ما حدث في آخر آيام عيسى عليه الصلاة والسلام . هل صُلب ، أم لم يُصلب ، وما الحكمة الإلهية مما حدث مع عيسى في آخر أيامه . فأن يقول المسيحيون بأن عيسى صُلب لأنه مكتوب هكذا في الإنجيل ، وأن يقول المسلمون أنه لم يُصلب لأنه مكتوب هكذا في القرآن ، هذا المنطق اليوم لا يُقنع العلماء . هكذا هو تكوين الإنسانية اليوم ، فالإنسانية اليوم قد وصلت إلى سن الرشد ، ويجب أن يكون لكل حدث في قصة الأنبياء حكمة إلهية توضح للعلماء دور هذا الحدث في تطور التكوين الروحي للإنسانية وإلا تحولت قصص الأنبياء إلى أساطير خرافية لا يتقبلها عقل الإنسان المعاصر . ولهذا نجد الكثير من العلماء في عصرنا الحاضر قد فصلوا الدين عن العلم لأنه يُعرقل أبحاثهم العلمية وبعضهم إتجه إلى الإلحاد ، لأن الفلاسفة اليوم قد حذفوا الروح من أبحاثهم ، أما علماء الدين فيفسرون نصوص الكتب المقدسة بشكل يناسب عقول ناس عاشوا قبل ٨٠٠ عام لا يساعد العلماء في أبحاثهم بأي فائدة .
القرآن الكريم في سورة البقرة يذكر العبارة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) مرتين : الأولى رقمها /١٨/ (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) ، والثانية رقمها /١٧١/ (..... صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) . إنظروا إلى أرقام الآيتين، هل ترون وجود حكمة إلهية في الرقمين وهل لهما علاقة بيوسف وعصر الاهرامات . تمعنوا جيدا ، ثم تابعوا القراءة .
علوم الكابالا (الفلسفة) تحاول أن تنظر إلى الأشياء والأحداث برؤية شاملة ، فهي تعتمد قانون الآية القرآنية {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٣١) البقرة} ، فالأسماء -وخاصة أسماء الأنبياء- وأسماء الأشياء في اللغة العربية واللغة اليونانية ليست من فكر الإنسان ولكنها من وحي إلهي . فاللغة العربية مثلا ليست كما يزعم بعض العلماء المسلمين - بسبب تعصبهم الديني والقومي- بأنها لغة آدم وأنها أصل جميع اللغات ، فأقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري ( شلمنصر الثالث) في القرن التاسع قبل الميلاد، أما أقدم النقوش باللغة العربية بتطورها المعروف الآن فهو نقش (عجل بن هفعم) الذي يعود تاريخه إلى القرن الأول قبل الميلاد . اللغة العربية هي في الحقيقة محصلة تطور واتحاد جميع لغات الأمم التي عاشت في مركز العالم القديم ، فحتى نفهم بشكل مبسط كيف ظهرت اللغة العربية، يجب أن نشرح كيف ظهر فن السينما ، ففن السينما لم يظهر على مبدأ داروين في تطور الحياة ولكن على مبدأ قانون إلهي يُدعى (الإتحاد العظيم) والذي سُمي عند علماء الكون خطأ في شرح ولادة الكون (الإنفجار العظيم) ، فهذا الإنفجار لا يحصل إلا بعد حدوث عملية (الإتحاد العظيم) والذي نراه أيضا قد حصل في تطور الحياة . فظهور فن السينما قد حدث بهذه الطريقة : كل أمة عبر التاريخ ساهمت في تطوير نوع من أنواع الفن : وعندما وصلت هذه الفنون في أرقى تعبيرها الروحي ، تم توحيدها في فن واحد وهو فن السينما . إن تسمية فن السينما بالفن السابع ، هي تسميه تُعبر عن فهم خاطئ لسنة الله في خلقه ، فالأسم الحقيقي الذي يُعبر عن فن السينما بشكل دقيق ، هو أسم (أم الفنون) لأنه يستخدم جميع أنواع الفنون ليعرض الحدث بجميع أنواع تعبيره الروحي. وكما ظهر فن السينما هكذا ظهرت تماما اللغة العربية ، فعندما هاجر قوم عائلة نوح من منطقة البحر الأسود إلى الجنوب ، بعد أجيال عديدة افترق هذا الشعب إلى عدة شعوب ، كل شعب راح يطور لغته ، وعندما وصلت لغات هذه الشعوب إلى أرقى أشكالها اتحدت في لغة واحدة فظهرت اللغة العربية ، فاللغة العربية هي أم اللغات . (هنا عرضنا نشأة اللغة العربية بشكل مختصر جدا ، فالموضوع ليس بهذه البساطة فالحكمة الإلهية تستخدم أيضا اللغة اليونانية التي تعتبر هي أم اللغات الغربية وهي أيضا لغة الإنجيل ).
هكذا هي أيضا علوم الكابالا (علوم الحكمة) حيث ظهرت في قوم عائلة نوح بشكلها البسيط ثم افترقت هذه العلوم مع افتراق شعب نوح إلى عدة علوم وراح كل شعب يهتم في تطوير العلم الذي أخذه معه ، وعندما وصلت إلى مرحلة كافية ، ظهرت فجأة ودفعة واحدة في النبي يوسف مؤسس عصر الاهرامات في مصر ، لهذا فإن اتحاد هذه المعارف في علم واحد هو الذي أعطاها شكل آخر آرقى بكثير مما كانت عليه وهي متفرقة .
أحد مبادئ علوم الكابلا هو أن الكلمات والأسماء هي من وحي وإلهي وأن حروفها لم توضع بالصدفة ولكن ضمن نظام رقمي ، القرآن يشير إلى هذه الفكرة في سورة المطففين {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (٢٠)} ،كلمة مرقوم هي على وزن كلمة مكتوم ، محروم التي هي مفعول (كَتَمَ ، حَرَمَ) ، وكلمة مرقوم مصدرها فعل رَقَمَ : رَقَمَ صَفَحاتِ الكِتابِ : أي جَعَلَ لَها أَرْقاماً . فالقرآن الكريم هو كتاب مرقوم بسوره وآياته وكلماته . لهذا فإن عدم استخدام أرقام القرآن الكريم في تفسير آياته يعني أن تفسير معانيه يحصل من خلال رؤية واحدة وهي الرؤية اللغوية وهذا يعتبر تفسير ناقص لا يقبل به الله لتفسير آياته، فكلام الله ليس بهذه البساطة التي يتصورها علماء المسلمين اليوم ، فهو معجزة يشعر بها جميع العلماء على مر العصور ، وليس عصر واحد .
الحضارة المصرية القديمة تعتمد على الرمز (١٨) ، فإذا تمعنا جيدا في أهم رموز الحضارة المصرية القديمة، سنجد أنها تعتمد رمزين هامين ، وهما (الهرم) في المنطقة الشمالية ، و(المسلة) في المنطقة الجنوبية . هذان الرمزان هما من وحي إلهي ليوسف ، فشكل الهرم يمثل الرمز (٨) من شكل الرقم (١٨) ، أما المسلة فتمثل رمز (١) من شكل الرقم (١٨) . شكل الرقم (١٨) يمثل الخطوط الموجودة في كف اليد اليمنى، لهذا كان أسم أم يوسف هو (راحيل) فهذا الأسم كلفظ عربي ينقسم قسمين : الأول هو (راح) ويعني راحة اليد ، والثاني (إل) وهو أسم الله باللغة العبرية والبابلية ، فأسم (راحيل) كرمز يعني (يد الله) . ابن راحيل (يوسف) هو من اختاره الله ليكون رمز يد الله في الأرض في عصره . يوسف هو من صنع عصر الاهرامات في مصر .
بسبب طول المقالة سنؤجل القسم الثاني من المقالة والذي يشرح سبب ظهور تيارين متعاديين في فهم حقيقة عصر الأهرامات ، التيار الأول وهو الذي يُدّرس في الكتب المدرسية ، والتيار الثاني هو الذي يحاول إثبات أن الأبنية الضخمة في عصر الاهرامات تنتمي لحضارة مفقودة عاشت قبل (١٠٥٠٠) عام ..... والله أعلم .
الخاطرة ٢٧٣ : النبي يوسف وعصر الاهرامات الجزء ٣
لي صديق فنان متخصص في فن النحت والرسم ، عمل كمدرس في احدى جامعات الفنون الجميلة في روسيا لفترة قصيرة ، وأعماله كنحات ورسام تم عرضها في معارض عديدة لمدة حوالي ٣٥ عاما ، وقام أيضا بصنع تمثالين بأحجام ضخمة في ساحتين في مدينة أثينا عاصمة اليونان . ما أريد أن أقوله أن صديقي هذا يملك معارف أكاديمية في فن النحت على مستوى عالي ، وله أيضا خبرة عملية طويلة في هذا المجال . في إحدى الأيام عندما كنا نتناقش في موضوع الفن في الحضارة المصرية أخبرني عن تمثال رآه في متحف القاهرة أثناء زيارته لمصر جعلته يشعر فجأة بصدمة إعجازية لم يشعر مثلها في أي زيارة له لمتاحف العالم . فكما أخبرني أنه في البداية عندما رأى التماثيل الضخمة وتلك الأدوات البدائية التي استخدمها فنانو مصر القديمة ، لم يشعر بأي نوع من الدهشة بل شعر بنوع من الشك من أن هذه الأدوات البدائية الغير دقيقة يمكن أن تصنع مثل هذه التماثيل ذات المستوى العالي من الدقة . ولكن أثناء مروره أمام أحد التماثيل رأى في التمثال فجوة ضيقة ومنحرفة إلى الداخل ، فاستغرب طريقة نحت هذه الفجوة بسبب صعوبة نحتها ، فكونه فنان نحت تساءل مع نفسه لو طُلب منه عمل مثل هذا التمثال كيف سينحت هذه الفجوة . فالحجر المصنوع منه التمثال من الغرانيت الذي يُعتبر من أقسى أنواع الحجارة ، والمشكلة الأصعب هي أن الفنان حتى يستطيع النحت يجب أن يتوفر له فراغ حول الجسم المنحوت بما يناسب مسافة تتسع لطول الإزميل وحجم المطرقة ومسافة قليلة بين الأزميل والمطرقة ليضرب بها الإزميل ليقوم بعملية النحت ، ولكن فراغ الفجوة في التمثال كان أصغر بكثير من طول الإزميل فقط ، فهي بالكاد تتسع لقبضة اليد فقط . فأراد صديقي أن يتأكد إذا كان الجزء الداخلي للفجوة والذي لا تراه العين منحوت بنفس الجودة التي تم صقلها في الأماكن الظاهرة لعين الإنسان، فمد يده ليتحسسه فشعر بصدمة أقوى من الأولى ، فقد كان مصقولا تماما بنفس الجودة التي عليها في بقية أجزاء التمثال . هنا شعر صديقي أن نحت هذه الفجوة بشكل يدوي شيء مستحيل ، فالذي صنع هذه الفجوة يجب أن يملك قوة عضلية جبارة تعادل عشرات أضعاف قوة الإنسان العادي وأن تكون لديه أظافر من الألماس يستخدمها في نحت هذه الفجوة داخل هذا الحجر العالي في درجة الصلادة .
المهندس المدني البلجيكي روبرت بوفال ولد في مصر وغادرها بعمر ١٩ عام ١٩٦٧ ثم عاد إليها ثانية عام ١٩٨٣ ، فيبدو أن إحساسه الفطري في طفولته ومراهقته وهو يرى الأهرامات كان يجعله يشعر بأن هناك شيء من روح الله في بناء هذه الأهرامات وأنها ليست مجرد قبور تتألف من كتل حجرية ضخمة مصفوفة فوق بعضها البعض ، لهذا عندما عاد إلى زيارة مصر وهو يحمل في داخله إحساس جديد وهو إحساس شخص متخصص في الهندسة المدنية ، يبدو أنه قد إندمج الإحساس الفطري الطفولي مع الإحساس الهندسي . فشعر عندها أن تواجد أهرامات الجيزة الثلاث مع بعضها البعض بالشكل التي هي عليه ليست صدفة ، فالهرم الصغير ينحرف قليلا عن الخط الوهمي الذي يمر من الاهرامات الثلاث . فحسب احساسه الهندسي ، أنه من المستحيل أن يكون مهندس الاهرام الصغير الذي بنى هذا الاهرام بهذه الدقة قد يقع بمثل هذا الخط الساذج . وأن هذا الآنحراف فيه معنى معين أراد مهندسو هذه الأهرامات أن ينقلوه لنا . هذا الشعور دفعه أن يبحث لسنوات لترجمة معنى أماكن موضع الأهرامات . وحتى يستطيع فهم ما يحدث وضعت الأقدار بقربه صديق له هواية بأبراج السماء ونجومها ، فأخبره صديقه عن المجموعة النجمية المعروفة بحزام الجبار (حزام أوريون) الذي يوجد به ثلاثة نجوم في وضعية مشابهة لأهرامات الجيزة ، وعندما بحث بوفال عن علاقة الشبه بين مواقع النجوم الثلاثة لحزام الجبار (حزام أوريون) مع مواقع أهرامات الجيزة ، فرأى تطابق كامل بينهما . وعندما بحث في جهاز (Stellarium) الذي يعرض مكان النجوم والأبراج في السماء حسب الزمن . رأى أن الزاوية التي تشكلها أهرامات الجيزة الثلاث مع نهر النيل كانت هي نفسها التي تشكلها نجوم حزام الجبار مع درب التبانة في عام ١٠٤٥٠ قبل الميلاد (الصورة) . للأسف الرؤية الماركسية التي اكتسبها روبرت بوفال من الكتب المدرسية شوهت فطرته الطفولية ، فجعلته يعتقد أن بناء الأهرامات قد حدث عام ١٠٤٥٠ قبل الميلاد . هذا الرقم سنعود إليه بعد قليل .
مثلما شعر صديقي كمتخصص في فن النحت وكما شعر بوفال كمتخصص في الهندسة المدنية ، بدأ يظهر متخصصون آخرين بعلوم أخرى : علماء جيولوجيا ، علماء فلك، علماء ميكانيك ، علماء طاقة وفيزياء علماء فلزات وغيرهم ، يعارضون آراء علماء التاريخ والآثار . هذا التناقض بين الطرفين نتج عنه تيارين متعاديين ، تم تسميتهم بإسمين: الأول التيار التقليدي ، والثاني تيار المتخصصين أو تيار الفلكي الجيولوجي . من يريد المزيد من التفاصيل عن كل تيار ، يمكنه العودة إلى المواقع في الانترنت ، ولكن هنا سنشرحهما بشكل مختصر جدا فقط لنوضح الإثباتات التي يعتمد عليها كل تيار .
- التيار الأول (التقليدي) : علماء هذا التيار لا يعترفون إلا بما تراه أعينهم ومما كُتب من معلومات على القطع الأثرية . فعلى الرغم من أنهم يعلمون تماما بأن ملوك مصر القديمة كانوا يسرقون أعمال الملوك الذين سبقوهم فيمحون أسمائهم ويضعون أسمائهم بدلا منها ، ومع ذلك علماء هذا التيار يصدقون كل ما كتبه المصريون القدماء عن أنفسهم . لهذا نجد أن قصة مصر القديمة كما هي مكتوبة في الكتب المدرسية تبدوا وكأنها قصة عشوائية تخلط بين الصالح والطالح ولا تبرر بشكل منطقي أسباب تلك التطورات الفجائية الإيجابية أو السلبية التي مر بها الشعب المصري القديم ، بحيث ينتج عنها حكمة معينة يمكن أن تنفع في تصحيح سلوك الإنسان المعاصر ، فاسلوب كتابة هذه القصة يعتمد على مبدأ العلم للعلم وليس العلم لخدمة الإنسان ، وكأن كتب التاريخ تم تأليفها هكذا فقط ليتعلمها الطالب بشكل ببغائي دون أن يستفيد من الماضي بأي معلومة حسنة تنمي تكوينه الروحي . فالآية القرآنية تذكر (الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الإِنسَانَ .عَلَّمَهُ الْبَيَانَ .الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) فرغم أن الشعب مصري مسلم ويؤمن بدينه ولكن نجد كتب تاريخ الحضارة المصرية لا تذكر أي شيء عن إبراهيم أو يوسف أو موسى (عليهم الصلاة والسلام) وكأن قصص هؤلاء الأنبياء هي مجرد قصص خرافية لا مكان لها في تاريخ مصر القديمة . لهذا كان من الطبيعي أن تكون هذه الكتب التاريخية خالية من روح الله .ومن الطبيعي أيضا أن يكون نتيجة هذه الكتب أن تنجب مصر زعيم ديني اسمه (حسن البنا) مؤسس حزب الأخوان المسلمين الذي تحول في سنوات قليلة إلى حزب إرهابي يتبع منهج الإغتيالات وتفجير الأبنية العامة والخاصة من أجل تحقيق أهدافه ، ونفس الشيء في الفن حيث غياب روح الله في كتب التاريخ أدى إلى أن تجعل ممثل بلطجي مثل محمد رمضان يتربع على عرش فن السينما العربية . ومن الطبيعي أيضا أن تكون بلاد مصر التي تملك أكبر معجزة إنسانية في حضارتها ، أن توجد اليوم في الدرجة رقم ٢٣ في قائمة الدول السياحية في العالم ، حيث المكسيك التي تملك أهرامات لا قيمة لها كمعنى روحي والتي توجد في آخر الدنيا ، رغم ذلك فعدد سواحها يفوق ضعف عدد سواح مصر . فهذه نتائج طبيعية لما يحدث اليوم في مصر فهي جزاء طبيعي لمن يكتم آيات الله التي تركها لنا من خلال آثار أنبيائه في هذه البلاد . فإن خلط حضارة النبي يوسف عليه الصلاة والسلام بالحضارة الفرعونية وكأنهما حضارة واحدة هو جريمة في حق تاريخ هذه البلاد .
لو تمعنا جيدا في آراء وسلوك الدكتور زاهي حواس والذي يترأس هذا التيار والذي يُعتبر من أشهر علماء المصريات عالميا حيث ظهر في برامج تلفزيونية عديدة في مختلف بلاد العالم ، سنجد أن فكره بشكل عام ينتمي للحضارة الفرعونية وليس لحضارة النبي يوسف ، فنجد أنه ليس فقط يرفض بشكل قاطع النقاش مع علماء التيار الثاني ، بل نجده أيضا بدلا من أن يثبت خطأ أدلتهم بشكل علمي نراه يتهمهم بالغباء ويسخر منهم بكلمات لاذعة تخالف جميع تعاليم القرآن الكريم في الحوار . فمن خلال رؤيتي لمعظم مقابلاته مع البرامج التلفزيونية وجدت أن جميع معلوماته الغزيرة عن الحضارة المصرية هي معلومات سطحية فقيرة لا تنفع في شيء فهي لا تفسر نهائيا حقيقة مرور ثلاثة أنبياء من هذه البلاد ونقصد ابراهيم ويوسف وموسى عليهم الصلاة والسلام . فعندما يتم سؤاله عن مكان هؤلاء الأنبياء في مصر القديمة نجد في صوته نبرة إصرار بأنه لا يوجد أي أثر في تاريخ مصر يذكر عنهم شيئا . أسلوبه في الإجابة وكأنه يؤكد وبإصرار أن الحضارة المصرية العريقة هي من صنع المصريين فقط ولا علاقة لها بهؤلاء الأنبياء بها . هذا الأسلوب في الاجابة إن دل على شيء فلا يدل سوى على تعصب قومي أعمى ، فكان بإمكانه أن يجعل أسلوبه فيه قليل من الاحترام لمبادئ الحوار الحضاري ويراعي ما تذكره نصوص الكتب المقدسة ، أن يقول مثلا ( للأسف حتى الآن لم نجد أي أثر لهؤلاء الأنبياء ولكننا نتابع البحث ونرجوا من الله أن يوفقنا في عملنا) ، فماذا ينتظر د. زاهي حواس وعلماء التيار الذي ينتمي إليه ، أن يذكر الله في قصة يوسف بأنه هو مؤسس عصر الاهرامات وأنه فعل كذا وكذا . فلو كانت مثل هذه الأشياء موجودة في الكتب المقدسة لما كانت هذه الكتب من وحي إلهي ولكن من صنع عقل بشري ، لأن مثل هكذا كتب لن تكون صالحة لمستوى معارف أناس عاشوا قبل ألف عام فهو سيعكر انسجام معارفهم مع نوعية حاجاتهم الروحية والمادية في تلك العصور . وكذلك كتب بمثل هذه النوعية من الشرح السطحي سيجعلها كتب تعتمد مبدأ (العلم للعلم وليس العلم لخدمة الإنسانية) . فالقرآن الكريم يذكر كل شيء ولكن بطريقة يستطيع فقط علماء كل عصر رؤية ما يناسب عصرهم وحاجاتهم ، تماما كما هو مذكور في الحديث الشريف (إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَاقْرَأُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ) ، والمقصود هنا أن كل حرف هو رمز لمستوى علوم مرحلة زمنية معينة . والحديث الشريف عن تجديد الدين يؤكد معنى الحديث الشريف السابق (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا).
فعدم رؤية د. زاهي حواس لأي أثر من آثار الأنبياء الثلاثة في مصر ، سببه جهل علماء الدين اليوم بعظمة كتابهم المقدس وبنوعية المستويات من المعارف التي تعتمد عليها النصوص الدينية . فقصة يوسف في الكتب المقدسة تحتوي على العديد من الرموز تفسر لنا علاقة يوسف مع عصر الأهرامات ، فأول مدينة في مصر القديمة -مثلا- هي مدينة (منفر) ، وتعني الجمال الخالد ، صفة الجمال هي أهم صفة من صفات يوسف . وشكل الهرم وشكل المسلة لهما شكل خطوط اليد (١٨) وهما رمز اسم أم يوسف راحيل (راح - إيل) أي يد الله . وإذا تمعنا في وحدات القياس التي كان المصريون القدماء يستخدموها في البناء نجد أنها تعتمد على أبعاد يد إمرأة وليس رجل : (الذراع) ويعادل (٥٢،٥ سم) ، (راحة اليد) وعرضها يعادل (٧،٥ سم) ، (الأصبع) وعرضه يعادل (١،٨٧٥ سم) ، هذه المقاييس هي مقاييس يد إمرأة لها طول (١٦٠ سم ) . وإمرأة بهذا الطول في تلك الفترة كان يعتبر طول مثالي ﻷمرأة جميلة. هذا يعني أن عصر اﻷهرامات بدأ باستخدام وحدة قياس المسافات من يد إمرأة (كرمز لراحيل) ، فاليد في جسم الإنسان هو رمز روحي ، والنساء أيضا تمثل رمز القسم الروحي للمجتمع . هذا التعبير الروحي في القياس يقلب جميع المفاهيم المعروفة اليوم عن عصر اﻷهرامات . فالفرق بين الحضارة المصرية القديمة والحضارات الغربية أن الأولى استخدمت رمز المرأة كونها الرمز الروحي للإنسانية ، بينما الثانية استخدمت مقاييس رجل ضخم كونها حضارات مسؤولة عن تنمية العلوم المادية ، حيث تعتمد طول القدم (٣٠،٤٨ سم) والبوصة كعرض الأصبع (٢،٥٤ سم) وغيرها . فالمقاييس التي استخدمها المصريون القدماء توضح لنا أن هذه الحضارة هي حضارة روحية (أي من الأنبياء) وحتى نفهم حقيقتها يجب أن نستخدم الرؤية الشاملة (الروحية والمادية) وليس الرؤية الماركسيه التي يستخدمها د. زاهي حواس وجماعته والتي ترى الأشياء وكأنها خالية من الروح . فعلماء هذا التيار هم في الحقيقه يتكلمون عن عصر الفراعنة ، والفراعنة لا علاقة لهم بحضارة عصر الاهرامات ولهذا نجد بعض الباحثين من التيار الثاني قد كتبوا مقالات بعنوان (الفراعنة لصوص الحضارات) .
هناك رموز وأرقام وضعها يوسف في أعماله لتدل على وجوده ولتحدد لنا نوعية دوره في مصر ، ذكرنا بعضها في المقالات السابقة وسنذكر بعضها إن شاء الله في هذه المقالة والمقالات القادمة .
- التيار الثاني : وهو تيار المتخصصين ، حيث علماء هذا التيار رفضوا ما كتبته أيدي المؤرخين القدماء عن تاريخ مصر القديمة والتي كُتبت بعد مئات السنين من إنتهاء عصر الأهرامات ، وأهمها بردية تورين وتاريخها يعود إلى (١١٦٠ ق،م) أي بعد أكثر من ألف عام من انتهاء عصر الاهرامات ، وقائمة منانيتون (٢٨٠ ق،م) ، أما حجر باليرمو والذي يُعتبر -حسب رأي علماء التيار التقليدي- بأنه أقدم قائمة لتاريخ مصر القديمة ، فهناك خلافات عديدة حول تاريخ كتابته ولا يوجد دليل علمي واحد يؤكد بأنه قد كُتب في عصر الأهرامات ، فبعض العلماء يؤكدون أن تاريخه يعود إلى فترة عصر الأسرة الخامسة والعشرين (٧٧٤-٦٥٦ ق.م)، وبعضهم الآخر يعتقد أنه يعتمد على نسخة أصلية مفقودة تعود لفترة المملكة القديمة . فالحقيقة هي أن عصر الأهرامات لا يعطينا أي دليل علمي يؤكد بشكل يقيني على تاريخ بنائه ، فهو يستخدم الحجارة والتي لا يمكن قياس زمن قطعها وبنائها لا بمقياس الكربون المشع ولا بمقياس التألق الحراري ، لهذا علميا ليس لدينا أي طريقة علمية حتى الآن تسمح لنا بتحديد زمن بناء الاهرامات بشكل يقيني .فجميع الأهرامات تم فتحها في عصور لاحقة وتم استخدامها لأغراض مختلفة ، فهناك احتمال كبير أن تكون جميع الأشياء التي وجدت داخل الأهرامات هي من العصور اللاحقة وليست من عصر الاهرامات ، وقد تم إثبات ذلك بطرق علمية للكثير من هذه الأشياء . بمعنى آخر أن القاعدة العلمية التي اعتمد عليها علماء التيار الأول هي قاعدة تعاني من نقاط ضعف عديدة .
وبناء على هذه الحقائق التي ذكرناها اعتمد علماء التيار الثاني على نوعية بحث أخرى - حسب رأيهم - أرقى علميا وكلٌ حسب اختصاصه . فحسب رأيهم أنه ليس من المعقول أن يستطيع الإنسان بأدوات بدائية غير دقيقة أن يصنعوا أشياء في كامل الدقة فهذا يُعتبر تناقض علمي . فليس من المعقول - مثلا- ازميل من النحاس الذي درجة صلادته (٣،٥) أن ينحت حجر غرانيت درجة صلادته (٧،٢٥) ، وكأننا هنا نقبل بفكرة أنه يمكن حفر الحديد بقطعة من الخشب فهذا مرفوض علميا فالحديد هو الذي سيحفر الخشب وليس العكس . وليس من المعقول أيضا أن يستطيع الشعب المصري الذي عاش قبل ألفين ونصف عام قبل الميلاد بأدواته البدائية أن يضع الاهرامات ضمن مواقع محددة على نهر النيل لتكون بمثابة خريطة لها شكل مطابق تماما لخريطة مواقع النجوم بالنسبة لدرب التبانة عندما كانت على شكلها هذا في عام ١٠٤٥٠ قبل الميلاد أي قبل حوالي ثمانية آلاف قبل بناء الأهرامات ، فلماذا اختار مهندسي هذه الأهرامات هذا العام بالتحديد (١٠٤٥٠ قبل الميلاد) ، فهذا التطابق بين خريطة الأهرامات وخريطة نجوم السماء ، بالنسبة لهم يعني أن عام بنائها قد حصل في عام (١٠٤٥٠ ق،م) وليس في فترة (٢٥٠٠ ق،م) ، وكذلك من أين لهم تلك العلوم التي تستطيع تحديد مواقع النجوم قبل (٨٠٠٠) عام . والذي يؤكد على صحة اعتقادهم هو وجود عمليات نحت مائي على جسد تمثال أبو الهول تؤكد أن هذا النحت قد حصل في فترة قديمة حيث كان مناخ مصر وقتها مناخ ممطر ورطب ، وليس كما كان عليه في فترة (٢٥٠٠ ق،م) حيث كان المناخ فيها شبه صحراوي وجاف . عدا عن هذا فقد تم اكتشاف بيضة نعامة (الصورة) موجودة الآن في متحف النوبي بأسوان ، مرسوم عليها نهر النيل وعلى يساره ثلاث مثلثات مشابهة لأهرامات الجيزة ، ولكن تاريخ هذه البيضة حسب القياس بالكربون المشع يعود إلى حوالي ٢٠٠٠ عام قبل زمن بناء الأهرامات - الذي يؤكد عليه التيار التقليدي - أي إلى ٤٥٠٠ سنة قبل الميلاد ، وهذا يعني - حسب رأي علماء التيار الثاني - أن الأهرامات كانت موجودة في تلك الفترة التي تم فيها الرسم على بيضة النعامة .
للأسف علماء التيار الثاني رغم اختيارهم لمنطق بحث علمي مختلف وأكثر دقة من منطق علماء التيار الأول ، ولكنهم هم أيضا لم يُدخلوا في حساباتهم قصص الكتب المقدسة، أو بمعنى آخر ، لم يدخلوا في حساباتهم فكرة أن الله موجود وأن أمامه تنهار جميع القوانين المادية التي يعتمد عليها علماء تيار المتخصصين ، وأن جميع الأمور تسير وستسير على مخططه هو ..وهو فقط ، لهذا ظنوا أن كل شيء أو حدث يحصل ، هو إما من تدخل العقل البشري أو تدخل عشوائي من الطبيعة وكأنها هي أيضا تتصرف من نفسها وليس من تسخير إلهي . لهذا نجد أيضا أن قصتهم للحضارة المصرية هي أيضا قصة عشوائية لا تحمل أي حكمة أو معنى يُفيد في فهم حقيقة تطور الإنسانية . ولهذا نجد أن آراء بعض هؤلاء العلماء تدعي بأن الاهرامات قد بناه سكان الفضاء وليس المصريين . وبعضهم الآخر كان رأيه أن شعب عصر الاهرامات المصرية هم قوم عاد الذي دمرهم الله . للأسف جهل هؤلاء قد شوه حقيقة قوم يوسف فحُّولوهم من مؤمنين إلى كافرين .
بفضل هؤلاء العلماء من التيارين وبسبب المنهج العلمي الحديث الذي اعتمدوه تحولت قصة حضارة مصر القديمة إلى قصة عشوائية خالية من نور الله لا تفيد الطالب في تهذيب نفسه ولا تساهم في تمسكه بالمبادئ الإنسانية والأخلاق الحميدة . لهذا سنحاول هنا أن نبحث في هذا الموضوع برؤية شاملة تعتمد معاني آيات الكتب المقدسة والمعاني الموجودة في تلك الآثار التاريخية والتي لم يستطع علماء كلا التيارين فهم رموزها وتفسيرها بالمعنى الصحيح . وغاية هذا البحث هو الكشف عن الحكمة الإلهية من دخول إبراهيم عليه الصلاة والسلام بلاد مصر وخروجه بعد سنوات قليلة منها ، ومن ثم وجود يوسف عليه الصلاة والسلام في مصر ودوره هناك ، وكذلك سبب خروج قوم يوسف مع موسى عليه الصلاة والسلام من مصر .
سفر التكوين في قصة يوسف يذكر أن يوسف في صغره قد رأى حلمين وليس حلم واحد كما هو مذكور في القرآن . الحلم الأول هو (٧:٣٧ فها نحن حازمون حزما في الحقل و إذا حزمتي قامت و انتصبت فاحتاطت حزمكم و سجدت لحزمتي)، أما الحلم الثاني فهو {٩:٣٧ إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ؟ حُلْمًا أَيْضًا، وَإِذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا سَاجِدَةٌ لِي} . النسخة العربية في الحلم الثاني تذكر كلمة (كوكب) ، وهذه ترجمة غير صحيحة ، فالنسخة اليونانية وجميع النسخ الأخرى تذكر بدل كلمة كواكب كلمة (نجوم) “Lo, I have had still another dream; and behold, the sun and the moon and eleven(stars) were bowing down to me.” .
فالحلم الأول يذكر كلمة حزمة وهي الكلمة التي تُستخدم في علم الفلك ، فمصطلح (حزام) في علم الفلك هو الخط الوهمي الذي يضم مجموعة من النجوم في شكل معين كحزام الجبار (حزام أوريون) مثلا . بهذه الطريقة الله عز وجل في سفر التكوين ذكر علاقة الاهرامات مع نجوم السماء تماما كما أكد عليها المهندس روبرت بوفال والذي اعتمد على هذا التطابق بين اهرامات الجيزة وحزام أوريون فاعتقد أن بناء الاهرامات قد حصل عام ١٠٤٥٠ قبل الميلاد .
ما هو مذكور في سفر التكوين ، مذكور أيضا في القرآن الكريم ولكن بشكل رمزي ، ولكن القرآن أيضا من خلال تحويل كلمة (نجوم) إلى كلمة (كواكب) في حلم يوسف ، يضيف لنا معلومة جديدة تشرح لنا أيضا علاقة الأهرامات بكواكب المجموعة الشمسية {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)}.
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتكلم عن علاقة النبي يوسف عليه الصلاة والسلام بالأهرامات وبنجوم حزام أوريون وكواكب المجموعة الشمسية . وأترك مجال أسبوع لأولئك الذي يشككون بمعلومات أبحاثي ، أن يقرأوا القرآن الكريم جيدا ويبحثوا فيه عن مكان وجود الرقم (١٠٤٥١) وعن الرموز التي تكشف علاقة يوسف عليه الصلاة والسلام بأهرامات مصر والنجوم والكواكب . فكل ما أذكره في مقالاتي ليس من خيالي ولكن يعتمد رؤية شاملة ينتج عنها تطابق كامل بين معلومات القرآن والكتب المقدسة مع ما هو موجود واقعيا في مصر ولا يمكن لأحد أن يشكك بوجوده ... ... والله أعلم .
الخاطرة ٢٧٠ : النبي يوسف وعلاقته بهاروت وماروت الجزء ٤
يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦) الحجرات} ، الله عز وجل من خلال هذه الآية يوضح لنا مبدأ هام في تطور المعارف والعلوم في تاريخ الإنسانية وهذا المبدأ يقول : حتى الإنسان الفاسق إذا نقلنا إلينا معلومة ما ، علينا أن نبحث فيها جيدا لنتأكد من صحتها أو خطئها. فكل معلومة تدخل عقلنا ستؤثر في النهاية بشكل مباشر او غير مباشر على تطور تكويننا الروحي . لهذا يجب علينا أن نكون حذرين في تقبل أو رفض كل معلومة جديدة نسمعها . وللأسف فرغم أن هذا المبدأ ذكره الله في قرآنه الكريم منذ ١٤٠٠ عام ، ولكن الذي يحدث اليوم أن حتى علماء الدين المسلمين وغير المسلمين لا يطبقونه في الواقع ، فعندما يسمعوا أي شيء معارض لما تعلموه في تفسيرات النصوص الدينية ، نجدهم يهاجمون صاحب المعلومة الجديدة ، وكأن تفسيرات علماء الأقدمين لهذه النصوص هي من عند الله وليس من اجتهادات عقل بشري . فكانت نتيجة سلوك علماء الدين بالتشبث بآراء علماء العصور القديمة ورفض تجديدها أن ينتقل هذا السلوك ليصبح من صفات سلوك المجتمع بأكمله نحو معاني النصوص الدينية ، مما دفع أفراد المجتمع العلماني أن يهجروا الدين وأن يفصلوا تعاليمه عن أبحاثهم العلمية لأنها تسبب لهم عائق في البحث عن الحقيقة
الله عز وجل قبل ظهور الإسلام وضع طريقة لتنمية هذا المبدأ في سلوك المؤمنين، فكانت أحد مبادئ حكمة سليمان والمعروفة اليوم بمصطلح الكابالا اليهودية ، هو أن يمتنع الباحث في نقل نتائج اجتهاداته في الأمور الروحية والإنسانية حتى يصل سن الأربعين، وقد أثبتت التجارب العلمية الحديثة صحة هذا المبدأ ، حيث وجدوا أن دماغ الإنسان يستمر في النمو إلى سن الأربعين ، فالمعنى الحقيقي لمعلومة معينة يتطور مع نمو دماغ الإنسان، فمعناها لشخص في سن (١٥) يختلف عندما يصل إلى سن (٢٥) ويختلف عن معناها عندما يصل سن (٤٠) . فحتى تصل المعلومة إلى شكلها الصحيح والمفيد للمجتمع ، يجب ان تصل إلى كمال نضجها وهذا لا يحدث إلا إذا احتفظ بها صاحبها حتى وصوله إلى حوالي سن الأربعين . لهذا نجد أن البعثة النبوية حدثت عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ سن الأربعين ليكون هذا السن من عمر الإنسان رمز لسن الرشد الروحي الذي يسمح للباحث بنشر اجتهاداته إلى الناس . وللأسف هذا المبدأ أخذه فقط أتباع مذهب الموحدون (الدروز) ، وللأسف بعض علماء السنة اليوم يشككون في إنتماء هذا المذهب إلى دين الإسلام .
أبحاثي التي أعرضها في هذه الصفحة تتبع هذا المبدأ بحذافيره ، فأول مرة شعرت بنوع من معارضة لبعض آراء الكبار، كان في سن العاشرة من عمري . ولكن ومع ذلك وبسبب أحترامي لهم وبسبب الفارق الكبير في السن بيني وبينهم جعلني أصمت ولا أبوح لأحد برأيي . ولكني لم أنسى ذلك الشعور الفطري في داخلي ، والذي حثني على عدم التوقف في البحث عن الحقيقة . وأول مرة عرضت فيها نتائج أبحاثي على الآخرين كانت عندما وصلت إلى سن (٤٨) من عمري . والمعلومات التي أذكرها هنا هي نتائج مجهود طويل لا يعلم به إلا الله. ولهذا أنشرها بشكل تدريجي لأن كل معلومة غير مألوفة فيها تعتمد على العديد من المعلومات الأخرى الغير مألوفة أيضا ، لهذا القارئ الجديد الذي سيقرأ مقالاتي الأخيرة لن يستوعب منها شيء وسيكون مثل ذلك الشخص الذي لا يعرف شيئا عن علم الكيمياء والفيزياء عندما يسمع أن الماء يتألف من غازين ( هيدروجين وأكسجين ) . وللأسف بسبب الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية اليوم ، وبسبب هذه المعلومات الغير المألوفة في مقالاتي ، أجد تعليقات من قراء جدد وبحجة أنهم يدافعون عن دينهم ، فبدلا من أن يستخدموا تعاليم الدين الإسلامي في الحوار ، يستخدمون تعاليم الشيطان في الحوار فتكون تعليقاتهم مجرد شتائم وسخرية فقط ، والتي تضطرني دوما إلى حذفها من الصفحة كوني لا أسمح لروح الشيطان ان تدخل صفحتي . ما أود أن يعرفه القراء الجدد أن تعاليم القرآن الكريم هي التي تفرض علي ما أقدمه من معلومات في مقالتي ، يقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) البقرة} ، مقالاتي هدفها توضيح ما تراه عيني من بينات ، أنا أعرضها والأدلة التي أعتمد عليها ليست من ثقافة الشارع ولكن أدلة من القرآن والكتب المقدسة السماوية ومما توصلت إليه جميع العلوم بمختلف فروعها ، لأصل إلى رؤية شاملة للموضوع الذي أتكلم عنه . ليس هدفي إقناع أحد بصحة ما أنشر ولكن أنا أعرضها فقط وأترك أمرها لرب العالمين فهو أعلم العالمين. (ملاحظة : مقالة اليوم ثقيلة وكثيفة بالمعلومات لهذا تحتاج إلى تركيز وصبر أثناء قراءتها)
هذه المقدمة التي ذكرتها في الأسطر السابقة ليست خارج موضوع مقالتنا ولكنها تساعدنا في فهم نوعية علوم (هاروت وماروت) . فسورة الرحمن تبدأ بالآيات التالية (الرَّحْمَنُ .عَلَّمَ الْقُرْآنَ .خَلَقَ الإِنسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) ومعنى البيان هنا بشكل مختصر هو فهم وإدراك ما يحدث حولنا بحيث يجعلنا نفرق بين الصح الذي يسير مع سنة الخلق وتطوره ، وبين الخطأ الذي يعارض سنة الخلق ويخرجنا عن الصراط المستقيم . في هذه السورة نجد عبارة (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) تتكرر ٣١ مرة . علماء الدين فسروها بأن الله هنا يخاطب (الإنس والجن) والمقصود بالجن حسب تفسيرهم هم مخلوقات غير مرئية تعيش مع البشر . ولكن التفسير الصحيح - والله أعلم - هو أن الله في هذه الآية يخاطب البشر فقط ، لأن التكوين الروحي للإنسان يتألف من (إنس وجن ) ، فالمقصود هنا هو أن (البيان) يشتمل على نوعين من العلوم وقد ذكرها الله في قرآنه الكريم برمز علوم (هاروت وماروت) . فعندما يتم استخدام هذين النوعين من العلوم في تحقيق رغبات النفس الدنيئة عندها تأخذ هذه العلوم مصطلح رمزي آخر وهو (علوم يأجوج ومأجوج) ، فالآية (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) هنا يخاطب يأجوج ومأجوج .
حتى نفهم الفرق بين علوم (هاروت) وعلوم (ماروت) ، والفرق بينهما واختلافهما عن علوم (يأجوج ومأجوج ) لا بد في البداية من شرح أصل معاني الكلمتين (هاروت وماروت) .
يقول الله عز وجل في الآيه الأولى من سورة الهمزة (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) وحسب تفسير العلماء بأن الهمزة واللمزة (الهماز واللماز) لهما معنى واحد، وهو الطعن في الناس وفي عيوبهم، والفرق بينهما أن اللمز يكون باللسان، والهمز بالفعل، كالإشارة باليد أو الرأس، أو الغمز بالعين . ولكن إذا تمعنا جيدا في الآية الثانية من هذه السورة (الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ) نجد أن معناها غير مرتبط بمعنى الآية الأولى كما فسرها العلماء ، فما علاقة الطعن بالناس من خلف ظهورهم والفخر بالمال والثروة ، ثم إذا قبلنا بهذا التفسير فقط للآية فستصبح السورة ذات معاني فقيرة لعصرنا الحاضر ، فآيات السورة بهذا المعنى كان مناسبا لعصر ظهور الإسلام ، أما اليوم فكتب المواعظ والأخلاق تملأ المكتبات ولا يشتريها أحد لأن الجميع يعلمها ولكن لا أحد يُطبقها في حياته اليومية ، بمعنى آخر أن سورة الهمزة إذا أخذناها بهذا التفسير فقط فلا حاجة لها في عصرنا الحاضر ، ولكن القرآن الكريم هو كلام الله وهو لكل العصور . فلا بد من وجود تفسيرات أخرى لهذه الآية.
في الجزء الأول من سلسلة موضوعنا (النبي يوسف وعلاقته (بهاروت وماروت) ذكرنا تفسير علماء الدين لقصة (هاروت وماروت) والتناقضات فيما بينها . وهنا إن شاء الله سنحاول أن نعرض هذا الموضوع برؤية شاملة :
إذا بحثنا في عن أسم (هاروت) اليوم في الأسماء التي تستخدمها جميع شعوب العالم، سنجد هذا الأسم يستخدمه فقط الشعب الأرمني . فأحد أعز أصدقاء الطفولة والذي المسافة بين شرفة بيته وشرفة بيتي لا تزيد عن مترين ونصف فقط ، كان أسمه (هاروت) ، هذا الأسم جعلني ومنذ ذلك الوقت أن أتساءل مع نفسي ما علاقة أسم صديقي هذا مع ذلك الأسم المذكور في القرآن الكريم. كل الذي أستطيع أن أقوله هنا هو أن وجود صديقي (هاروت) في حياتي كصديق فتح لي الباب الصحيح الذي من خلاله سيساعدني في البحث عن تفسير آية (هاروت وماروت) . فصديقي هاروت لم أجد منه أي عمل سوء نحوي ، بل على العكس كان سلوكه معي ومع الآخرين تجعلني أشعر تماما بأنه إنسان طيب القلب ، سلوكه هذا كان دوما يدفعني في الإيمان بأن (هاروت ماروت) هما شخصيتان صالحتان ، وليس كما يفسرها بعض العلماء بأنهما ملائكة أو ملوك قاموا بعمل سوء فغضب الله منهم .
الكلمتان (هاروت وماروت) هما من اللغة الأرمنية . وحسب ما توصلت إليه ، أن أصلهما مشتق من اثنين من رؤساء الملائكة لإله الخير (أهورا مزدا) في الأساطير الزرادشتية، وهما : هاورواتات (القداسة) وأميريتات (الخلود) . الأرمن أخذوا أسماء هذين الملكين وتم تحويلهما إلى (هوروت وموروت) وحسب الأساطير الأرمنية أنهما كانا إلهان (ارواح إلهية) يسيطران على الرياح، فهما اللذان يُسخران الرياح لتجمع وتحمل السحاب لتسبب هطول الأمطار على الأرض، فتتم عملية إنبات النباتات وإخراج المحصولات. لفظ كلمة موروت ، كانت مشابهة لأسم إله (مرتون) إلهة الرياح والعواصف في الهند القديمة ، بسبب التشابه باللفظ لكلمة (ماير) والتي تعني (أم) في اللغة الأرمنية وكلمة (موروت) ، وكذلك بين كلمة (هوروت) وكلمة (هاير) والتي تعني (أب) في الأرمنية . أدى إلى الإعتقاد عند الشعب الأرمني أن (هوروت وموروت) هما إلهين هبطا من السماء وتناسلا ونتج عن هذا التناسل الإنسان وجميع الكائنات الحية .
الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم اختارت الأسمين (هاروت وماروت) لتشرح لنا ما حصل بعد طرد الإنسان من الجنة ، فإضافة الحرفين (وت) في آخر الكلمة يعطي مبالغة في معنى الأسم مثل (جبار : جبروت ، طاغية : طاغوت ، ملك: ملكوت ) فمعنى هاروت هو الأب الأكبر أو الأب الأول، ومعنى ماروت هو الأم الكبيرة أو الأم الأولى . فهاروت وماروت هما في الحقيقة آدم وحواء بعد خروجهما من الجنة ، فهما لم يكتسبا جسدا وأنما بقيا على هيئة روح عالمية تحمل في داخلها ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم قبل إنقسامه إلى (آدم وحواء) هذه الروح الإلهية هي بمثابة (DNA) الكون بأكمله والذي يتحكم في خلق كل شيء في داخل الكون . ولهذا كان أسم آدم (ΑΔΑΜ) في اللغة اليونانية يحمل القيمة الرقمية بالنظام البسيط الرقم (١٨) . ولهذا كانا (هوروت ، وموروت) في الآساطير الأرمنية والزرادشتية يمثلان آلهة الرياح . فالعين لا ترى الرياح وإنما ترى ما تحمله معها وما تسببه حولها وهكذا هي الروح أيضا ، لهذا نجد أن الحروف الأصلية (ر ، ح) من كلمة (روح) هي نفسها في كلمة (ريح) .
إن رمز ذلك الجزء من روح الله التي نفخها في آدم هو (١٨) ، هذا الرمز مع ظهور حواء من آدم إنقسم قسمين : آدم أخذ القسم المذكر (١) وحواء أخذت القسم المؤنث(٨) . وبسبب الخطيئة تمت ولادة قابيل وهابيل . قابيل سلك سلوك يعارض قوانين الجنة لهذا لم يتقبل الله عز وجل قربانه فأخذ الرمز (٨١) أما هابيل فسار على قوانين الجنة فتقبل الله قربانه فأخذ الرمز (١٨) والذي يمثل آدم قبل إنقسامه إلى آدم وحواء (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) . قابيل قام بقتل أخيه هابيل . فتم طرد آدم وحواء وقابيل ومعهم الشيطان من الجنة .وكان عقابهم جميعا بألا يكتسبوا جسدا وأن يبقوا على هيئة روح فقط من هذه الأرواح نشأ الكون . الله عز وجل أرسل روح هابيل ليساعد أمه وأبيه في الإنتصار على الشيطان وقابيل من أجل تصحيح تلك الخطيئة التي كانت سببا في ظهور غريزة القتل في قابيل . هابيل هو الوحيد من ولد في الجنة واكتسب جسدا ليراه الناس بأعينهم. فظهر بأسم (ذي القرنين) نسبة إلى أمه التي ستلده بإسم يوسف (راحيل) ومعنى هذا الأسم (نعجة) في اللغة العبرية .
فأحد أهم تفسيرات قصة ذي القرنين هو هذا التفسير : من روح ذي القرنين تم وضع نظام صناعة النجوم ، فولادة النجم تحصل عندما يبدأ تجمع غاز الهيدروجين في مركز هذه المنطقة فيتكون نجم بدائي وبسبب ارتفاع درجة الحرارة والضغط الناتج من جاذبية مركز النجم يحصل عملية إحتراق الهيدروجين حيث تندمج انوية الهيدروجين وتتحول إلى عنصر الهيليوم ومع استمرار ارتفاع الحرارة والضغط يحدث بعدها احتراق الهيليوم واندماج أنويته فينتج عنصر جديد وهو الكربون ثم تبدأ عملية احتراق الكربون ومع اندماج انويته يتحول إلى عنصر جديد وهو الأكسجين ، ثم من عملية احتراق الأكسجين يظهر السيليكون وهكذا مع ازدياد درجة الحرارة والضغط المستمر في مركز النجم تظهر عناصر جديدة حتى في النهاية يظهر عنصر الحديد ، وهنا تتوقف عملية التحول ، حيث التفاعلات الاندماجية مع ظهور الحديد لا تنتج طاقة بل تستهلك طاقة . فعندها يحصل إنفجار (سوبر نوفا) في النجم ومن هذا الإنفجار تتكون العناصر الأثقل من الحديد، مثل الزنك والفضة والذهب واليورانيوم وغيرها التي تنتشر في الفضاء على شكل سحابة ، ويتحول النجم إلى نجم نيوتروني صغير أو إلى قزم الأبيض . هذه العملية تحدث عندما يكون كتلة النجم البدائية قريبة من حجم شمسنا . أما إذا كانت كتلة النجم البدائية أكبر من كتلة الشمس بحوالي عشرين مرة، فعندها يستمر إنهيار نواة النجم ويتحول النجم إلى ثقب اسود يأكل نفسه ومن حوله . قصة ذي القرنين في سورة الكهف تشرح لنا الفرق بين علوم يأجوج ومأجوج وعلوم هاروت وماروت . فعلوم يأجوج ومأجوج التي تهتم فقط بتحقيق رغبات الغرائز المادية ولا تهتم بالتنمية الروحية ، مصيرها الفناء كما يحصل في تكوين الثقوب السوداء . أما علوم هاروت وماروت التي تُحول العلوم المادية إلى علوم مساعدة للعلوم الروحية في تنمية التكوين الروحي للإنسانية تكون نتيجتها مشابهة لولادة النجوم التي تقارب كتلتها كتلة شمسنا فعدا أنها تنشر الضوء في الكون فهي أيضا قد قامت بتصنيع جميع العناصر الكيميائية التي يتكون منها جسدنا وكل شيء يفيدنا من حولنا ، فلولا ذلك الجدار الحديدي الذي أوقف عملية استمرار إنهيار نواة النجم . لكان الكون قد دمر نفسه خلال فترة زمنية قصيرة . عنوان سورة الكهف التي تم فيها ذكر قصة ذو القرنين ، هو أسم رمزي فكلمة الكهف هنا هي رمز للكون .
أما دور ذو القرنين في تاريخ البشرية ، فقد حدث عندما ولد هابيل بأسم يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام ، فمدينة منف في مصر القديمة التي بدأ إبراهيم عليه الصلاة والسلام في تأسيسها ثم أتى يوسف وحولها إلى اعظم مدينة في العالم في ذلك الوقت ، هذه المدينة كان أسمها (إنـب حـچ) أي الجـدار الأبيـض وهو رمز للجدار الذي صنعه ذي القرنين ليكون بمثابة سد يفصل قوم يأجوج ومأجوج عن المؤمنين ، فالمقصود بهذا الجدار هو منع روح السوء في القارة الأفريقية (التي تمثل رمز الشيطان) من دخول آسيا ، لهذا أخذت هذه المدينة اسما آخر ولا يزال يستخدمه المصريون حتى اليوم وهو (ميت رهنية) وأصله في اللغة المصرية القديمة (ميـت رهنـت) ومعناها طريـق الكبـاش ، وكلمة كبش هو أحد رموز يوسف كون أسم أمه راحيل يعني نعجة . فذو القرنين بدلا من أن يستخدم غريزة القتل في الإنتصار على أعدائه استخدم سلوك سلمي ليحقق غرضه ، فكما هو مذكور في سفر التكوين "فَاشْتَرَى يُوسُفُ كُلَّ أَرْضِ مِصْرَ لِفِرْعَوْنَ، إِذْ بَاعَ الْمِصْرِيُّونَ كُلُّ وَاحِدٍ حَقْلَهُ، لأَنَّ الْجُوعَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ. فَصَارَتِ الأَرْضُ لِفِرْعَوْنَ." (٤٧: ٢٠) ، والمقصود هنا أن يوسف سيطر على منطقة مصر الجنوبية (مصر العليا) بأكملها بهذه الطريقة دون حدوث أي معركة ، ومنذ ذلك الوقت اصبحت مصر العليا ومصر السفلى دولة واحدة برضا جميع أفراد المنطقتين ، فكانت تلك المرة الأولى التي يحدث فيها توحيد المنطقتين (مصر العليا والسفلى) تحت حكم ملك واحد دون حدوث معارك بينهما . المدينة التي أسسها يوسف تسمى اليوم (منف) وهذا الأسم ليس صدفة ولكن لُتعبر عن المكان الذي تم طرد إنسان إليه بعد خروجه من الجنة فكلمة منف لها لفظ يشابه لفظ كلمة (منفى) فالكرة الأرضية والكون بأكمله هو مجرد مكان تم نفي الإنسان إليه بعد طرده من الجنة . وأسم (هاروت) في اللغة الأرمنية هو أختصار لكلمة (هاروتيون) ومعناها (القيامة بعد الموت) ، هذا الأسم هو ترجمة للأسم اليوناني أناستسيوس (ΑΝΑΣΤΑΣΙΟΣ) وهو تعبير عن قيامة يسوع بعد وفاته حسب الإنجيل . فاستخدام كلمة (هاروت) في القرآن هو رمز لعودة هابيل إلى الحياة بعد وفاته عندما قتله أخيه قابيل .
أيضا في سفر رؤيا يوحنا نجد ذكر المخلص (المهدي) الذي سيأتي في آخر الزمان بأسم الخروف في الإصحاح الخامس (٧- فاتى واخذ السفر من يمين الجالس على العرش. ٨- ولما اخذ السفر خرت الاربعة الحيوانات والاربعة والعشرون شيخا امام الخروف) السفر هنا استخدم كلمة (الخروف) هنا كرمز ليوسف (الكبش ، ذو القرنين) ليعبر عما حصل مع هابيل الذي ذبحه أخيه هابيل وكأنه يذبح خروف .
مما شرحناه قبل قليل يمكن توضيح معنى رمز (هاروت وماروت) بأن هاروت هو رمز لجميع العلوم المادية أي أنها علوم ذكرية يُبدع بها الرجال أكثر من النساء ، أما رمز ماروت فهو رمز للعلوم الروحية التي تُبدع بها النساء أكثر من الرجال . يوسف هو الذي وضع أسس النوعين من العلوم (هاروت وماروت) عندما عاش في مصر ، لهذا الآية القرآنية التي تتكلم عن هاروت وماروت تذكر بأنهما (مَلَكين) فهذه الكلمة لا تنطبق إلا على شخصية يوسف فعندما يكون تشكيل الكلمة مقصود بها (الملائكة) ، فهي تفسر لنا طبيعة كينونة يوسف فهو ولد في الجنة وروحه هبطت إلى الأرض مثله مثل الملائكة ، والآية القرآنية أعطت هذا الرمز عن شخصية يوسف ، في سورة يوسف {....فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)}، أما عندما يكون تشكيل كلمة (المَلِكين ) مقصود بها (ملوك) فيوسف أيضا قد أصبح وزيرا وكان باستطاعته أن يفعل ما يشاء في إدارة أمور بلاد مصر وكأنه هو ملك مصر الحقيقي .
يأجوج ومأجوج تم ذكرهما في سفر حزقيال ، وسفر رؤيا يوحنا : {ثم متى تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه. و يخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر..... (رؤيا ٢٠ : ٧)} ، فهنا كلمة (يأجوج ) تم ذكرها بأسم (جوج) ، الرومان أخذوا هذه الكلمة من الشعوب القديمة بمعناها الحقيقي وأصبحت في اللغة اللاتينية كلمة "gioco" وتعني (ألعاب الحظ) . فعلوم (يأجوج) هي عبارة عن تشويه علوم (ماروت) والتي بدلا من أن تبحث في الرموز الروحية للأحداث والأشياء للوصول إلى فهم مضمون الأحداث والأشياء، تحولت هذه العلوم إلى خرافات ترى الأمور وكأنها حدثت نتيجة حظوظ معينة ، فبسبب هذا التشويه ظهرت العلوم المزيفة التي تدعي انها تستطيع التنبؤ بالمستقبل عن طريق قراءة الأبراج والكف والتارو وغيرها .
أما كلمة مأجوج فأصلها الحقيقي من اللغة الفارسية القديمة (ماجو) وتعني سحر ، ساحر والتي أخذها اليونانيين وأعطوها لفظ يوناني (ماغوس) ، الرومان أخذوها من اليونانيين وأعطوها اللفظ (ماجوس) ، وبما أن الكلمة تنتهي بحرف (س)، أستخدموا الحرف اللاتيني(C) بدل (S) . فتحول لفظها في اللغات الأخرى إلى (ماجوك) ومنها تحولت إلى (ماجوج) . علوم مأجوج هي تشويه لعلوم (هاروت) فبدلا من أن يتم البحث في دراسة سلوك العناصر المادية لتساعد العلوم الروحية في تحقيق حاجات المادية للإنسان (طائرات ، هواتف، كومبيوتر ، آلات طبية ....) لتجعله يعيش في ظروف إنسانية مريحة تسمح له في تأمل نفسه وما يحيط به بشكل أفضل ليفهم المخطط الإلهي في التطور ليتابع تطوره نحو الكمال ، حولت هذه العلوم إلى علوم تسحر عيون الناس وتجعلهم يعتقدون أن العلوم المادية هي كل شيء وتستطيع أن تؤمن جميع الحاجات الإنسانية فجعلت الإنسان يفقد إحساسه بروحه التي تكمن داخله والتي هي الأخرى بحاجة لتنميتها .
الإنحطاط الروحي الذي يعاني منه عصرنا الحديث دفع المسلمين والمسيحيين اليوم بالإعتقاد أن ذلك السد الذي يمنع قوم يأجوج ومأجوج من الخروج سيتحطم وسيسمح لهم بالخروج لمساعدة أعور الدجال في حربه على المسيح المنتظر . للأسف هؤلاء لا يعلمون أن علماء العصر الحديث الذين صنعوا المنهج العلمي الحديث والذي يتبعه جميع العلماء في العالم بمختلف فروع علومهم ، قد حولوا البشرية بمعظم افرادها إلى قوم يأجوج ومأجوج . فكل شيء جديد يتم اختراعه اليوم يتم تحويله مباشرة إلى أداة تساهم في إنحطاط المجتمع الروحي ( عنف ، إباحة جنسية ، إنحلال خلقي) ، حتى علماء الديانات أصبحوا يفسرون النصوص الدينية بعلوم يأجوج لهذا بدلا من أن تساهم تفسيراتهم في تنمية تعاون بين الشعوب أصبحت تساهم في خلق العداوة والبغضاء بينهم . ولهذا تذكر الآيه الكريمة بأن (....وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ.....) فعلوم يأجوج ومأجوج حطمت جميع الروابط الإنسانية ، فحولت العلاقة بين الرجل والمرأة والتي تعتبر أهم علاقة في المجتمع ، إلى علاقة جسدية مدتها زمن قصير وبعدها يحدث الفراق بينهما . فتحولت الإنسانية إلى عائلة متفككة الأب منفصل عن الأم ، وضحية هذه الإنفصال هم الأطفال الذين تم إهمالهم فلا رعاية ولا تربية تساعدهم في تنمية تكوينهم الروحي ليشعروا بأنهم جزء من تلك الروح الإلهية التي تتحكم في جميع محتويات الكون وأنه عليهم السير في مخططها .
أحد أهم أسباب عدم رؤية علماء التاريخ والآثار لأي قطعة أثرية تدل على وجود يوسف في بداية زمن عصر الاهرامات هو أنه لم يسمح بكتابة علومه كي لا يتعلمها أي شخص بشكل ببغائي فتسمح روح السوء في داخله أن يحولها إلى علوم يأجوج ومأجوج . لهذا علومه تناقلها تلامذته عبر الأجيال بهذه الطريقة الخفية فوصل إلينا بعضها عن طريق الكابالا اليهودية وبعضها في كتب الحكيم المصري هرمس ثلاثي القوة ، وبعضها في العقيدة الأورفية اليونانية . يوسف ترك للبشرية أدلة عديدة عن زمن وجوده وعن أعماله في مصر لا يراها إلا من لديه علوم هاروت وماروت ..... والله أعلم
وسوم: العدد 905