إلى حياة صالحة
ربما يود الإنسان أن يتكيف مع حياة عادية كسائر الناس ، ويود أن يتمتع كما يتمتعون ، ويعيش كما يعيشون ، ولكن ترده صدمة الواقع المر ، فلا يجد أسباب ذاك العيش . ويجد أن واقع معترك الحياة أقوى من رغبته البسيطة التي يتطلع إلى الوصول إليها . وهنا يجد نفسه أمام منعطف ربما كان خطيرا إذا ألقى نفسه فيه ، أويجد نفسه في بيئة تحتاج إلى الصبر الذي لايقوى عليه إلا الأفذاذ من الرجال ، وبين هاتين الحالتين ربما فاجأته بشرى سارة تأتيه من حيث لايدري من أين أتت . وهكذا هي تقلبات الحياة ، ولكل إنسان رأيه الخاص في مجريات أمورها . ولكن الحقيقة أن كل مايجري في هذه الحياة الدنيا إنما هو بأمر الله وحكمته وقضائه .
يحاول البعض أن يجعل لنفسه مكانة في مجتمعه ، مكانة تؤهله للعيش بطمأنينة وسعادة ، مكانة طبيعية كسائر الناس ، وينسى أن مقومات تلك الحياة لابد لها من قيم كريمة جاءت بها شرائع الله على امتداد الحقب من حياة الإنسان على وجه الأرض . ويجعل الأمل دائما نصب عينيه مهما كانت المعوقات ، ومهما تزاحمت أمام ناظريه الظروف القاهرة , وليتابع سعيه نحو غايته ، ويعرف إلى أين هو ذاهب ، ولا يدع لليأس مكانا ينفذ منه إلى إرادته وعزيمته . وليكن الإنسان في هذه المواقف قويا جَلْدًا فلا يسجل هزيمته أمام أي مصيبة ، فالسراب الذي يلوح من بعيد يجب أن لايقعده عن متابعة المسير فتحت رمال السراب لايُستبعد أن الماء تحتها ، فلا بد للإنسان أن يحب الانتصار على هوى نفسه وعلى المعوقات التي تحاول أن تثنيه عن مواصلة السعي الحثيث نحو الهدف المنشود . فالرغبة في الانتصار ، والإخلاص في أداء الجهود ، واليقين التام بتأييد الله سبحانه ومعونته ، وعند هذه الصروح الشامخة تتجلى إنسانيتك أيها الإنسان الذي خلقك الله لا لتشقى ، وإنما لتسعد بما حباك الله به من عقل وبصيرة ومن نِعمٍ وآلاء ومن هداية لايجفو أفياءَها إلا أعمى . ( وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها ، إن الله لغفور رحيم ) . فاشرح صدرك بما وهبك الله ، فلا يضيق لكرب سيزول ، واجعل لنفسك قيمة عالية :
( وقيمة المرءِ فيما النفسُ تشغله ... والسعيُ يرفع والأهواءُ نقصانُ )
ودع عنك مايتردد من عبارات اليأس والتضليل لدى بعض المفلسين من تلك القيم الرائدة ، فتقع في غياهب المجهول الذي يأبى ( عبدالله ) أن يعيش فيه ، فالعبد عبد لله ، وليس هو بعبد للهوى والفتنة والمجهول . أجل أيها الإنسان إنك عبدٌ لله :
(وإنك عبدٌ لربٍّ رؤوف ... يضمِّدُ جرحك مهما اتسعْ )
فإذا ماداهمتك الخطوب ، وحاصرتك الهزَّات ، وشعرت بأنك ستبكي أو تصيح أو تهرب من المكان الذي أنت فيه ... فاثبتْ ، نعم اثبتْ وقل : يارب . فالنداء هنا له مكانته عند الله ، وله قيمته في موازين لطف الله ، فابتسم في ظلمة التعاسة ، فابتسامتك هذه تعني أنك تفاءلتَ ، وأنك واجهتَ سطوةَ الألم بمشاعرك الفياضة بالأمل ، كتلك الزهرة النضرة التي مازالت تتعلق بِفَنَنِهَا في بستان الحياة ، فما يمر بك من أخطار ماهي إلا محفزات لشخصك كي تنهض من كبوة ، أو تصحو من غفلة ، أو أن الله سبحانه أرادك لمهمة أخرى ، فكن لها مستعدا بكامل وعيك وقدراتك ، المهم أن لايعتريك اليأس ، وكما قيل إن لم يتم الحرف الأبجدي كلمتك : ( هذه ) فلديك حروف كثيرة فاختر منها مايناسب مجدك وفضلك الذي أوتيته .
إنها الحياة التي ستنتهي ، فلا تغتر لأي حال تراها مميزة عالية جميلة ، عش صادقا مع الله ، ومع نفسك ، ولا تبدد جلال الأمانة وجمالها ، كن من أهلها الأصفياء ، ولا تجعل لأحد عليك حقا في أمر ما فيشكو مظلمته لله ، وأصلح شأنك لتفوز بالأدب الرفيع ، بالعلم النافع ، بالسيرة المحمودة ، بمودتك للآخرين ، برحمتك للضعفاء والمساكين ، بحفظ حقوق الأرحام والجيران ، وسائر أهل الحقوق . فتلك من مفردات الإنسان الصالح الذي علم سبب خَلْقِ اللهِ له في هذه الحياة الدنيا . وبعد هذا لاتقل فشلتُ ، ولا تقل إني شقي ، ولا تصف نفسك بما لايليق بك كعبد لله رب العالمين . فسعادتك بين يديك فاحرص على أن لاتفقدها مهما كانت الأعاصير .
وسوم: العدد 934