لا تلمني إن فاض كأسي
يريدني دائم الانبساط و الحال معوج ، يريدني مطلق الابتسامة و أحزاني تكبتها يوميات الجرائد ، قتل و انتحار و فجور و سرقة ، و تبديد و حرقة ، طلاق و عنوسة ، تسرب و هروب ، كل تلك المآسي أعيشها في يومياتي ؛ فلا تلمني إن فاض كأسي.
يريدني مسروق الهوى أعيش الغياب و أنا ابن أمتي، ابن وطني ، ابن مجتمعي و ابن دولتي ، يؤلمني إن مرت على روح أوطاني نسمات باردة ، أو فيح حر قاتل ، فالحر يعيش أحزان قومه ، يؤلمه أن ير أمته مريضة عليلة ، ينهشها العدو من كل جانب ، نهب خيراتها ، تسرق آثارها ، تطمس هويتها ، تسلب أراضيها ، فكيف لا يبكي الأحرار لحالها ؛ فيا ترى من يسعى لخلاصها ؟ من يزرع أرضها؟ من يبني دورها ؟ من يحمي ثغورها ؟ الأكيد أنت و أنا، و هي و هو ، بل نحن جميعا يهمنا أمرها .
يريدني بلا ضمير ، أعيش لنزواتي و ملذاتي ، أعيش مع الهوى ، و قلبي مسلوب الهوى ، يريدني مأسور رغبات عابرة في أوقات طيش ، و نفسي تسخر من بلهي و غيابي ، لكني تنبهت لغفوتي ، فكبحت نزوات طائشة فحملت نفسي قهرا لتعيش أيام أمتي ، تعيش لياليها البائسة ، أدفعها كي تبصر حولها كي تخرج من كوبتها ، أحملها لتعاود النهوض من جديد ، كي تكمل سيرها ، فتفطم نفسها فقد تجاوزت سن المراهقة ، و قد حان وقت الانطلاق
نشطت عزيمتي كلمات عاصمة، كلمات تحرك الجمود و الركود، تحملني و تحمل غيري أن يعي طبيعة الصراع، تدعوني لأتجاوز محنتي و تهالكي ، تفك حصار نفسي المضروب، الذي يكبل حركتها .
يقول الدكتور المفكر مصطفى محمود:
( فالإنسان هو إنسان فقط، إذا استطاع أن يقاوم ما يحب ويتحمل ما يكره، وهو إنسان فقط إذا ساد عقله على بهيميته وإذا ساد رشده على حماقته، وتلك أول ملامح الإنسانية في الإنسان.)
كتاب عصر القرود.
وسوم: العدد 1015