(فأرسلون..)
26نيسان2024
د.عثمان قدري مكانسي
"وقال الذي نجا منهما وادَّكر بعد أُمة أنا أنبئكم بتأويله ، فأرسلون "
- قد ينسى الإنسان ، وهذا أمر عادي فالإنسان نسّاء.وقد يتذكر ما نسي حين يعيش قضية تشابه قضيته. فقد رأى الساقي نفسه في المنام – وهو في السجن - يسقي سيده خمراً ، وسيدُه الآن يرى حلماً أقضَّ مضجعه.فتذكر رؤيته قبل سنين .
- من أسدى إليك معروفاً فبادله معروفاً بمعروف.إذ يرغب الساقي بتحرير يوسف وأن يقربه من الملك حين يُؤَوِّل حلمه.
- أنا أنبئكم ( دليل ثقة) فقد رأى وعاين، رأى الساقي قدرة يوسف عليه السلام في تأويل حلمه ، ولسوف يفعل ذلك للملك.
- الخادم لا يتنبأ، لكنه يعرف صاحب العلم الصحيح ( يوسف عليه السلام) فعرض على الملك اسم من يفسّرُ له حلمه حين عجز الكهنة عن ذلك.
- أن تدلَّ الناسَ على أهل العلم ليستفيدوا منه أمر طيب. وهذا ما فعله الساقي حين ذكر يوسف عند الملك.
- ( أرسلون) المفتاح عندي ، استطيع خدمتكم ومساعدتكم.ولأنه الساقي (الخادم) ليس له إلا أن يُخلص لسيده في تعريفه بيوسف ليسمح له بلقائه ويأتيه بالخبر اليقين.
- ف(أرسلون): الأمر لكم ،. وبهذا يتقرب للملك كذلك ويلقى عنده الحظوة.
- ولعل مع النسيان الخوفَ من ردة الفعل ، فلم يعرض الخادم خدمته إلا حين أمِنَ ردة فعل السادة وأولي الأمر، وتبيّن ضعف حيلتهم. فقد أعلنوا فشلهم في تأويل رؤيا الملك فقالوا : أضغاث أحلام.
- لكن الإيجابية في الكهنة أنهم استدركوا موقف الضعف فأعلنوا ( وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) .فأقرّوا بسقف معرفتهم ، ليمتصوا غضب الملك إن غضب، وليبحث هو عمّن يفسر له ما رأى...وفوق كل ذي علمٍ عليمٌ.
- (بعد أمّة) : أي بعد مدّة ،ووردت كلمة أمّة مرات عدة في القرآن الكريم بمعان مختلفة (12) باثني عشر معنى، مما يدل على سعة اللغة العربية التي وسعت كتاب الله تعالى ،أذكر ثلاثة من معانيها، وأترك لكم العودة إلى كتابي ( كلمات في القرآن) لتتعرفوا على معانيها كلها.
- من معانيها:ا- الماضون من السلف( تلك أمة قد خلت)
ب- الشريعة الواحدة والدين الواحد ، مثال ذلك في الآية 213 من سورة البقرة " كان الناس أمة واحدة ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ...
ج- وتأتي بمعنى العلماء والدعاة والمصلحين ، مثال ذلك الآية 104 من سورة آل عمران " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون "
- اختصار المواقف دون خلل في المعنى سمة ظاهرة في القرآن الكريم ، حين قال فأرسلون، نراه يخاطب يوسف فوراً ( يوسف أيها الصدّيقُ)، فقد وافق الملك على إرساله إلى السجن ، وحمّله فحوى الرسالة ، وأمره أن يسأل يوسف تأويل الحلم. فذهب إليه وقابله، وسلم عليه ، وخاطبه، فقال: يوسف ايها الصديقُ
- احترام الساقي سيدّنا يوسف واضح حين كلمه باحترام فناده (بالصديق)، وهذه غاية التكريم ، فالمولى سبحانه وصف سيدنا إبراهيم بالصدِّقية في قوله تعالى:( واذكر في الكتاب إبراهيم ، إنه كان صديقاً نبياً)
- وأعلن انه رسول الملك إليه ، فلم يقل: أفتِني، وقال (أفتِنا ) بصيغة الجمع.فالأمر مهمٌّ جداً.
- ولعل الملك أرسل ساقيه يجرب سيدنا يوسف ، ولو كان – ابتداءً- مطمئنّا لأمَرَ بحمله إليه.
- فلمّا أعجب الملك بجواب يوسف أمر بحمله إليه ليراه,( ايتوني به)
- فلما اعتذر يوسف فلم يخرج من السجن إلا حراً طليقاً تسبقه براءته من ظلم المجتمع أعجب الملك به ، فزادت كلمة (استخلصه لنفسي)، فلن يكون مجرد مؤول عابر ، إنه سيكون نديمه المفضّل. ومستشارَه الخاص.
- لم يرغب يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن بعفوٍ، فالعفو لا يبرِّئه من تهمة الفحشاء، وستبقى لاصقة به، والرضا بالخروج من السجن بعفو الملك، ثلمة ينأى ( الداعية) سيدنا يوسف عنها.
- البراءة من التهمة دليل الطهارة والصدق والعفة، وبهذا يستمر في الدعوة إلى الله تعالى دون أن يطعن فيه أحد، أو يلمزه هُمَزةٌ.
- إصرار يوسف أن يخرج من السجن بريئاً ورفضُه الخروجَ بعفوٍ جعل الملك يصدقه دون أن يراه ، واتّهم النساء ،وبرّأ يوسف حين قال لامرأة العزيز وبقية النساء ( ما خطبكنّ إذ راودْتُنَّ يوسف عن نفسه؟) فاستخلص منهنَّ اعترافهنَّ بفعلتهنَّ بقوة المُلْك،وعظمة السلطان.
- حين يُحاصَر الكاذب من كل الأطراف يعترف بفعلته بعد أن كابَر وادّعى ، فهذه امرأة العزيز حين اعترفت النساء بالحق، لم تجد بدّاً من متابعتهنَّ والإقرار بذنبها إذ قالت( الآن حصحص الحق ، أنا راودْتُه عن نفسه..)
- حين يسترد المرء الصالحُ حقه يعلو صوتُه بأنَّ عليه أن يكافئ المحسن إحساناً ، فالذي اشتراه، أكرم مثواه وعلّمَه ،وعامله معاملة طيبة ، فكان على يوسف أن يعامله بإحسانه إحساناً ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين)
- ومن الشفافية المطلقة أن سيدنا يوسف وهو الشريف الطاهر يرى أن المرء حين تأتيه المغرِيات قد يضعف لولا رحمة الله تعالى به وعفوه وغفرانه
وسوم: العدد 1077