قيم حضارة مزيفة
العالم يموج في عوالم المادة الموحشة ، فأصبح كل شيء لا ينفك عن هذه المزينات ، ألوان زاهية لكنها بلا روح ولا قيمة ، حتى أشياءها فقدت مذاقها الطبيعي ، أصبح المرء يعيش في بيئتها مسروق ، كل الحقائق فيها معدومة القيمة، تبحث فيه عن الصفاء فلا تجده ، تبحث فيه عن الأنس فلا تجده ، على الرغم أن ما تطلبه موجود في علب مختومة ، تحمل السم القاتل.
كل الأشياء أفرغت من محتواها الحقيقي، فلا عجب أن يصنع لك الموت البطيء في علب مكتوب عليها ، التدخين مضر بالصحة ، مع ذلك يروج له بدعابات مغرية تغزو الدنيا.
ولا عجب أن يسمي لك مغيب العقول بالمشروبات الروحية ، كأن تلك المواد تغذي العقل وتحفظه ، مع أن كل البلاوي تخرج من بين تلك القنينة ، حقا عالم مزيف ، يخادع العقول بتنظيم خاص .
عالم مخنوق ، باع قيمه في مواخير النخاسة ، فلا تعجب أن يسمي العلاقات الخادشة بأسماء الفضيلة ، حتى يهدم السكن ، وتضرب المباني الصلبة للمجتمعات بدعاوى قيم جميلة.
عالم يمارس الخداع والتنويم الناعم ، يبكي لموت قطة ويفزع ، مع أن حياة القطة محفوظة مكرمة ، لكن لا عجب أن تدوس دبابة أشلاء جسم بريء ، فتلك حكاية أخرى ، يزينون الحقائق بموازين مختلفة.
لا عجب أن يقنعوننا بقوانين الجميلة وإنسانية مكتوبة في الورق ، لكن عالم الشهادة يكذب كل ذلك ، عناوين براقة تزين السماء ، لكن المفرقعات والعاب الأطفال تهدم البيوت على الأشهاد ، يدرسون الحياة الكريمة بحرقان الماء والدواء.
إن زيف هذه الحضارة المادية ، قامت على قيم الاستعلاء والاحتواء وطمس خصوصية الآخر ، بل سخرت مواردها لتزييف التاريخ ، سخرت مواردها لطمس ثقافة الآخر ، سخرت مواردها سرقة ثروة الإنسان الحر ، قيم حضارة قامت على الهيمنة والاستغلال.
مع أن العالم ينشد السلام والمحبة ، ينشد السلم الاجتماعي الذي يشمل الإنسانية جمعاء ، ينشد حياة سعيدة قوامها تحقيق الرفاه و العيش الآمن في رحاب قوانين تنصف الضعيف ، ينشد قوانين عادلة ترد المظالم ، و تكف يد الظالم المعتدي.
وسوم: العدد 1080