الصمت البخيل

البعض يرى الصمت عن الكلام  فضيلة ، بل يعده البعض صفة للرزانة و العقل،  و البعض  الآخر يجعله باب من أبواب الحكمة  التي يتميز بها الفطناء . 

لكن قليل الصمت نحتاجه في بعض مواضعه ، في موازين الترجيح ، وفي اتخاذ المواقف و الأحكام  التي تطلب التروي  ونحتاجه حين أخذ  الوقت  في تدوير الآراء في المسائل الصعبة والمصيرية ، فتلك المهلة ضرورة و مطلوبة   لاتخاذ القرارات الصائبة ، كل ذلك لا مندوحة فيه. 

لكن الذي يحتاج منا وقفة  تأمل  ما اصطلحت عليه الصمت البخيل  ،  حين تحبس أنفاس التعبير في أوقات الحاجة  الملحة  ،  حين يكون للكلمة  أثرها في النفع العام   ، و حين يكون للكلمة  دور في دفع مضرة عارضة ، أو تخفيف معاناة  ، فهنا يصدق في هذا المقام  تلك المقولة أن  الصمت شيطان أخرس .

إن صور البخل يتعدى في مفهومها السطحي  منع  المعروف للمحتاجين إليه ، بدافع الحرص والخوف من ضيق الحال ، في حبس المرء ما بيده عن الآخرين ظنا منه أن  ماله و حاجته ، تتضرر حين تصرف لفك ضيق أو تفريج كربة ، و حال الصامت البخيل  نفسه أذا حبس الصدع بالحق  عن نصرة مظلوم أو فك ضيق عن عان  وقع في قهر ظالم. 

أصبح اليوم الجميع يمارس  لعبة الصمت البخيل ، و نحن نرى و نبصر ما يحاك لأمة ممزقة ينهشها  

القريب و البعيد ،  أصبحنا لا يزعجنا  أن نقول للمعتدي كفى ظلما ،أصبحنا  لا نستطيع  قول كلمة  لا  للمحتل الظالم ، يعيث في الأرض فساد.

وخلاصة القول  أن حاجة الأمة لنصرة المستضعفين  ،بحاجة  لنصرة المظلوم ،   ننصره ولو  بكلمة حق   و هو أقل الواجب ، بل ما  تحتاجه البشرية  في قضاياها العادلة  ، حيث أن نصرة المظلوم  من الصفات الحميدة  الإنسانية ،  يصدق العقلاء حتى لا يتوهم  الظالم أنّه على حق ، وأنّ ظلمه مشروع ، فعلى عقلاء العالم أن يقولوا كلمة واحدة ، أوقفوا  حربكم الظالمة و كفوا أيديكم على المستضعفين  في فلسطين الجريحة .

وسوم: العدد 1096