يُحِقُّ لَكَ نُصْحِي
" مَا كَتَبْتُ مِنْ خَوَاطِرَ وَ تَأَمُّلَاتٍ هُوَ انْعِكَاسٌ لِوَاقِعٍ نَعِيشُهُ ، وَاقِعٍ تَتَفَاعَلُ مَعَهُ الرُّوحُ وَ الْكَلِمَاتُ ، فَتُخْرِجُ لَنَا نُصُوصًا أَدَبِيَّةً نَبْتَغِي مِنْ وَرَائهَا الْأَجْرَ وَ الثَّوَابَ .
أَقُولُ نَعَمْ ، يَحِقُّ لَكَ نُصْحِي ؛ بِالنَّصِيحَةِ دِينٌ ، لَكِنْ عَلَيْكَ فَقَطْ أَنْ تَطْرُقَ بَابِي بِأَدَبٍ ، أَنْ تَدْخُلَ بَيْتِي بَعْدَ الْاسْتِئْنَاسِ وَ الْمُلَاطَفَةِ ، عَلَيْكَ أَنْ تَضُمَّنِي بِجَوَامِعِ قَلْبِكَ ، تَحْمِلُنِي مِنْ ضِيقِ نَفْسِي وَ جَهْلِي إِلَى عَالَمِكَ بِأَدَبٍ ، فَأَكُونُ تِلْمِيذَكَ الَّذِي يَسْتَكْمِلُ نَقْصَ تَعَلُّمِهِ ، فَيَأْخُذُ مِنْكَ الْأَدَبَ قَبْلَ الْمَعْلُومَةِ .
أَقُولُ : نَعَمْ أَقْبَلُ النُّصْحَ وَ النَّصِيحَةَ ؛ لَكِنَّ نَفْسِي تَكْرَهُ الْفَضْحَ وَالتَّعْرِيَةَ ، تَرْفُضُ تَتَبُّعَ عَوْرَتِي وَ رَصْدَ سَقَطَاتِي كَخَصْمٍ يُرِيدُ سُقُوطِي ، فَكَمْ مِنْ نَاصِحٍ خَسِرَ السِّجَالَ ، حِينَ يَخْسَرُ الْقِيَمَ وَ الْمَشَاعِرَ ، فَصِدْقُ الْقَصْدِ يَشْرَحُ الصَّدْرَ ، يَفْتَحُ أَسْرَارَ السَّعَادَةِ .
أَقُولُ : نَعَمْ أَقْبَلُ النُّصْحَ ؛ حِينَ تَحْمِلُنِي لِأَرَى نُورَ الْحَقِيقَةِ مِنْ نَبَرَاتِ ثَغْرِكَ وَ إِشْرَاقَةِ وَجْهِكَ وَ لُطْفِ مُعَامَلَتِكَ ، تَحْمِلُنِي بَعِيدًا عَنْ الْجَدَلِ وَ الْمَعَارِكِ الْعَقِيمَةِ ، تَحْمِلُنِي بَعِيدًا فَلَا نَبْدِدُ الْوَقْتَ ، فِي عِرَاكٍ عَقِيمٍ ، نَخْسَرُ فِيهِ الْعِشَرَةَ وَ الْمَوَدَّةَ .
أَقُولُ : نَعَمْ يَحِقُّ لَكَ نُصْحِي ، لَكِنْ لَا تَتْرُكْ جِرَاحًا فِي النُّفُوسِ ، لَا تَتْرُكْ أَلَمًا وَ قَلْبًا يَتَعَصَّرُ ، كُنْتُ دَائِمًا أَتَمَنَّى أَنَّ النَّاصِحَ أَبِي ، يَنْصَحُنِي وَ قَلْبُهُ يَدْعُو لِي بِالْهِدَايَةِ وَ الرُّشْدِ عِنْدَ كُلِّ سُقُوطٍ .
وَ فِي الْأَخِيرِ : أَقُولُ نَعَمْ ، أَقْبَلُ النُّصْحَ ، وَ لَكِنْ أَنْصَحُ نَفْسِي بِمَوْعَظَةِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْعَصْمَاءِ الْبَالِغَةِ فِي قَصْدِهَا ، أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهَا وَ أَحِبَّتِي .
يَقُولُ فِيهَا : :
تَعَمَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادِي وَجَنِّبْنِي النَّصِيحَةَ فِي الْجَمَاعَةِ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ مِنْ التَّوْبِيخِ لَا أَرْضَى اسْتِمَاعَهُ
وَإِنْ خَالَفْتَنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي فَلَا تَجْزَعْ إِذَا لَمْ تُعْطِ طَاعَهُ
وسوم: العدد 1099