بعض ملامح الذوق الاجتماعي المفروض

الْإِنْسَانُ اللَّبِقُ وَ الْكَيِّسُ يُرَاعِي حُسْنَ الْمُعَامَلَةِ فِي الْعَلَاقَاتِ ، فَتَرَاهُ وقّافٌ حَذِقٌ يُرَاعِي مَشَاعِرَ وَ إِحْسَاسَ الْغَيْرِ تَأَدُّبًا ، فَيَحْسِبُ لِسُلُوكِهِ أَلْفَ حِسَابٍ ، فَرُبَّمَا يُؤْذِي صَاحِبَ فَضْلٍ ، أَوْ يُؤَدِّي ضَعِيفٌ مُبْتَلًى ، أَوْ يَهْتَمُّ السَّتْرَ بَيْنَ قَرِيبٍ بِقَرَابَتِهِ ، إِنَّ سُلُوكَنَا فِي الْوَسَطِ الْمُجْتَمَعِيِّ يَفْرِضُ أَنْ يَكُونَ مَحْرُوسًا بِأَدَبٍ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ .

مِنْ السُّلُوكِيَّاتِ الَّتِي تُنَغِّصُ النَّفْسَ فِي الْمَجَالِسِ : اسْتِرَاقُ السَّمْعِ ، وَ الْإِغْرَاقُ فِي التَّنَصُّتِ لِلْآخَرِينَ ، لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ بَلْ يَدْفَعُهُ الْفُضُولُ تَصَدُّرُ الْوَاجِهَةَ يُصَادِرُ حُقُوقَ غَيْرِهِ وَ خُصُوصِيَّتَهُمْ ، هُوَ خُرُوجٌ صَارِخٌ عَنْ قِيَمِ الذَّوْقِ الْجَمَالِيِّ الَّذِي يَفْرِضُ أَنْ يَتَحَلَّى بِهِ الْجَمِيعُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَوْضَاعِ .

وَقَدْ وَجَدْتِ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِ الْأَشْخَاصِ سُلُوكِيَّاتٍ غَيْرَ مَحْسُوبَةٍ تَلْفِتُ الِانْتِبَاهَ ، بَلْ تَجْعَلُنَا نُدَقِّقُ الْحِسَابَاتِ وَ تَزِنُ اتِّجَاهَاتِ الْمُعَامَلَاتِ ، فَلَيْسَ مَقْبُولًا فِي الْمَجَالِسِ الْعَامَّةِ  تَقَمُّصِ دَوْرِ الْمُعَلِّمِ ، تَتَقَمَّصُ دَوْرَ الْمُوَجِّهِ ، أَمْرًا وَ نَهْيًا ، تُوَجِّهُ الْأَوَامِرُ الْحَدِيثَ بَيْنَ الْأَحْبَابِ وَ الْأَصْحَابِ وَ الْأَرْحَامِ ، كَطَفْرَةٍ وِرَاثِيَّةٍ غَرِيبَةٍ ، تَجْعَلُ الْجَمِيعَ يَسْتَهْجِنُ هَذَا السُّلُوكَ الْغَرِيبَ ، الَّذِي لَا يُرَاعِي الِاسْتِئْنَاسَ وَ التَرْحِيبَ وَلَا طَبِيعَةَ الْأَشْخَاصِ ، وَمِثْلُ هَذَا السُّلُوكِ مَرْفُوضٌ ، يُفْعَلُ إِمَّا بِالْعِلْمِ أَوْ التَّغَابِي وَ الْحُمْقِ .

وَ فِي أَحْيَانٍ آخَرَ تَرَى الْجَالِسَ لَا يُرَاعِي الْأَذْوَاقَ وَ طَبِيعَةَ الْمَجَالِسِ أَوْ مَقَامَاتِ الْمَجَالِسِ ، تَرَى الرَّجُلَ يَحْلُبُ فِي أَوْعِيَةٍ لَا تَتَنَاسَبُ وَطَبِيعَةَ الْجُلَسَاءِ ، وَتِلْكَ مَجَالِسُ تُحَاطُ بِوَقَارِ الْعِلْمِ ، حُسْنِ الْأَدَبِ ، يَتَجَنَّبُ فِيهَا الْمِرَاءَ وَالْجَدَلَ ، يَتَجَمَّلُ فِيهَا الْحَاضِرُ بِالْوِقَارِ ، يُؤْثِرُ الْإِصْغَاءَ وَ الْحِوَارَ الْهَادِئَ الْمُفِيدَ .

وَنَرْصُدُ أَحْيَانًا مَوَاقِفَ تُثِيرُ الرِّيبَةَ وَ الشَّكَّ ، حِينَ يَتَعَمَّدُ الْبَعْضُ تَبْطِينَ الْأَذِيَّةِ ، تُرْسَلُ فِي رَسَائِلَ لَئِيمَةٍ قَصْدُهَا إِثَارَةُ الْفَضْحِ بِالْآخَرِ ، كَوْنُ اللَّئِيمِ يَتَخَيَّرُ الْمَكَانَ وَ الزَّمَانَ الْمُنَاسِبَيْنِ كَيْ يُلْحِقَ فِيهِ آذَاهُ بِالْفَرِيسَةِ ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سُلُوكٌ أَرْعَنُ جَافٌّ ، لَا يَمُتّ لِلذَّوْقِ بَصِلَةٍ ، فَأَخْلَاقُ الرِّجَالِ تَأْبَى الْفَضْحَ وَ الْغَدْرَ .

وَنَرْصُدُ أَحْيَانًا مَوَاقِفَ تُثِيرُ الرِّيبَةَ وَ الشَّكَّ ، حِينَ يَتَعَمَّدُ الْبَعْضُ تَبْطِينَ الْأَذِيَّةِ ، وَتَبْقَى هَذِهِ سُلُوكِيَّاتٍ مَرْفُوضَةً تُخَالِفُ الذَّوْقَ وَ آدَابَ التَّعَامُلِ الْمُجْتَمَعِيِّ ، لِأَنَّهَا بِبَسَاطَةٍ وَسَائِلُ تَضُرُّ وَ تُعَكِّرُ صَفْوَ الْعَلَاقَاتِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ فِي حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ ، لِأَنَّهَا تُمَثِّلُ قِمَّةَ الْهُبُوطِ الْخُلُقِيِّ فِي زَمَنٍ نَحْنُ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ لِبِنَاءِ أَوَاصِرَ مُجْتَمَعِيَّةٍ قَوِيَّةٍ ، وَبِحَاجَةٍ كَبَسُولَاتِ الْجَمَالِ وَ الرُّقِيِّ الْمُعَامَلَةِ الْحَسَنَةِ ، الَّتِي تَبْنِي مُجْتَمَعًا مُتَمَاسِكًا قَوِيًّا مُتَحَضِّرًا ، تَبْنِي عَلَاقَاتٍ مُحَصَّنَةً بِمَثَابَةِ الْأَخْلَاقِ .

وسوم: العدد 1101