الأخلاق ثمرة الإيمان

الْأَخْلَاقُ اَلْفَاضِلَةُ ثَمَرَةٌ مِنْ ثِمَارِ الْإِيمَانِ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْفَصِلَ الْأَخْلَاقُ عَنْ الْإِيمَانِ وَ الْعِبَادَةِ ، فَالصَّلَاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ ، وَ الصَّوْمُ جَنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ وِقَايَةٌ ، وَ حَجُّ بَيْتِ اللَّهِ طَهَارَةٌ مِنْ الْفُسُوقِ وَ الرَّفْتِ ، فَلَا تَخْلُو عِبَادَةٌ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ النَّبِيلَةِ ، فَإِذَا تَحَلَّلَ النَّاسُ مِنْ الْأَخْلَاقِ فَلَا أَثَرَ لِقَصْدِ الْعِبَادَةِ .

وَالْأَخْلَاقُ تَأْخُذُ بِالتَّرْبِيَةِ وَ مِنْ خِلَالِ إِنْزَالِهَا فِي وَاقِعِ النَّاسِ ، يَلْمِسُونَ آثَارَهَا بِالْمُعَايَشَةِ الْيَوْمِيَّةِ ، فَهِيَ لَيْسَتْ تَرَفًا فِكْرِيًّا يُتَبَارَى بِهِ بِالْمَوَاعِظِ وَالْخُطَبِ الَّتِي هِيَ إِشَارَاتٌ وَاضِحَةٌ وَ شَارِحَةٌ لِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ .

وَتَظَلُّ حَاجَتُنَا مُلِحَّةً إِلَى صِيَاغَةِ حَيَاتِنَا بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ ، حَتَّى نَضَعَ أَقْدَامَنَا عَلَى اَلطَّرِيقِ اَلصَّحِيحِ ، نَسِيرُ نَحْوَ مَشْرُوعِ نَهْضَةٍ نَحْلُمُ بِهَا فِي اَلْأُفُقِ .

وَ لَا سَبِيلَ لِذَلِكَ إِلَّا إِذَا امْتِلَاكُنَا زِمَامَ أُمُورِنَا ، نُرَوِّضُ النَّفْسَ لِتَرْتَقِيَ لِلْمَعَالِي نَتَأَسَّى بِأَحْسَنِ الصُّحْبَةِ ، نَأْخُذُ مَعَالِمَ قِيَمِنَا مِنْ مَنْهَجٍ قَوِيمٍ ، سَارَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الْخَلْقِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَ الصَّحَابَةِ ، فَكَانُوا بِحَقٍّ أَحْسَنَ نَمُوذَجٍ يُقْتَدَى بِهِ .

قَدْ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الْكَثِيرِ مِنْ الْأَفْكَارِ وَ الرُّؤَى ، لَكِنْ لَا يَخْتَلِفُ الْعُقَلَاءُ وَ أَصْحَابُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ ، لَا يَخْتَلِفُونَ عَلَى فَضَائِلِ الْأَخْلَاقِ ، فَلَا يَخْتَلِفُونَ عَلَى صِدْقِ الْحَدِيثِ وَالْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ ، لَا يَخْتَلِفُونَ عَلَى الْكَرَمِ وَ الْجُودِ ، وَ لَا يَخْتَلِفُونَ خُلُقَ الْمُرُوءَةِ ، لَا يَخْتَلِفُونَ عَلَى خُلُقِ الْأُلْفَةِ وَ الْمَحَبَّةِ وَ لَا يَخْتَلِفُونَ عَلَى قِيَمِ أَخْلَاقِ الْعَدْلِ ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ عَلَى أَخْلَاقِ الْعِفَّةِ وَ الطَّهَارَةِ ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ عَلَى قِيَمِ أَخْلَاقِ التَّوَاضُعِ ، فَكُلُّ الْأَخْلَاقِ فِي أَبْعَادِهَا قِيَمٌ إِنْسَانِيَّةٌ لَا غِنَى لَنَا عَنْهَا .

وَ فِي الْمُقَابِلِ أَنَّ أَصْحَابَ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَ الْمُسْلِمَ بِالْأَخَصِّ فَالْأَخْلَاقُ تَرْتَبِطُ بِإِيمَانِهِ وَعَقِيدَتِهِ ، فَالْمُسْلِمُ يَرْفُضُ الِانْحِرَافَ الْخُلُقِيَّ ، يَرْفُضُ الْكَذِبَ ، يَرْفُضُ الْخِيَانَةَ ، يَرْفُضُ الزُّورَ ، يَرْفُضُ الْبُخْلَ ، يَرْفُضُ الْكَرَاهِيَةَ وَالْأَحْقَادَ ، يَرْفُضُ التَّفَسُّخَ وَ الِانْحِلَالَ ، يَرْفُضُ الْكَذِبَ وَ لَوْ جَرَّ لَهُ فَائِدَةً ، يَرْفُضُ الْكِبْرَ وَالِاسْتِعْلَاءَ ، فَجَمِيعُهَا رَوَاسِبُ وَمُخَلَّفَاتٌ تَرْفُضُهَا الْإِنْسَانِيَّةُ .

لِهَذَا وَجَدْنَا أَنَّ ، الْإِسْلَامَ رَبَطَ الْإِيمَانَ بِالْأَخْلَاقِ فَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ ، بَلْ يُصَاحِبُهُ وَ لَا يُفَارِقُهُ ، فَيَزِيدُ الْإِيمَانُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ لِأَنَّ آثَارَ الْإِيمَانِ مَظْهَرُهَا حُسْنُ الْخُلُقِ ،

 وَ أَنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ مِنْ أَمَارَاتِ كَمَالِ الْإِيمَانِ ، كَمَا وَرَدَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رُبْضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَلَوْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ )

كَمَا أَنَّ سُوءَ الْخُلُقِ دَلِيلٌ عَلَى نَقْصِ الْإِيمَانِ وَضَعْفِهِ .

يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ . )

الرَّاوِي : عَبْدَا لِلَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ | الْمُحَدِّثُ : الْبُخَارِيُّ | الْمَصْدَرُ : صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ | الصَّفْحَةُ أَوْ الرَّقْمُ : 6782 | خُلَاصَةُ حُكْمِ الْمُحَدِّثِ : [ صَحِيحٌ ] | التَّخْرِيجُ : مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ سُوءِ الْأَخْلَاقِ .

وسوم: العدد 1102