الوسيط الناجح
د.مصطفى يوسف اللداوي
إن من أهم ركائز نجاح الوسيط في مهمته أن يكون وسيطاً معتدلاً، لا طرفاً متهماً، وأن يكون نزيهاً غير مطعونٍ فيه، صادقاً لا يكذب، ومؤتمناً فلا يخون، وعادلاً فلا يظلم،
ولا وسيط حاقد، ولا مصلح فاسد، ولا ساعٍ بين فريقين بالنميمة والغيبة، ليوقع بينهما، ويزيد في الفجوة التي تفصل بين مواقفهما، وتباعد بين وجهات نظرهما، وهي على قضايا محقة، وشؤونٍ مشروعة، فلا تكون على باطلٍ أو على رجسٍ نجس، ولا على غصبٍ واحتلال،
والوساطة تعني الابتعاد عن الأحكام المسبقة، وافتراض الحلول القسرية، وفرض الرؤى الأحادية، واكراه الآخرين على الخضوع لما لا يؤمنون به، ولا يعتقدون أنه يخدم مصالحهم، أو ينفع من يمثلون من طرفهم،
والوساطة هي تعني الاقتراب من أطراف المشكلة بنفس القدر، واظهار الصدق لهما بنفس الدرجة، فلا انحياز لطرفٍ ضد آخر، ولا تأييد لفريقٍ على حساب الآخر،
الوسيط النزيه لا يتجسس ولا يراقب، ولا يتابع بسوء نية، ولا يجمع الأوراق بقصد الضغط والابتزاز، بل يحرص على تقريب وجهات النظر، وتوضيح ما التبس بين الطرفين من سوء فهم، وتذليل العقبات التي تحول بينهما، وتعقد التوصل إلى اتفاقٍ أو وفاقٍ يجمعهما،
والوساطة بين أخوين متخاصمين، أو فريقين متنازعين، أو بين أصحابِ مصلحةٍ واحدة، فلا وساطة بين عدوٍ وأخ، ولا بين خصمٍ وشقيق، ولا يتوسط قاضٍ بين سارقٍ وصاحب حق، ولا بين قاتلٍ بظلمٍ ومقتول، بل تجب هنا المناصرة والاسناد، والتحالف والاتحاد.