أي حال يا قمر ؟!
خديجة وليد قاسم ( إكليل الغار)
في الوقت الذي وجدت نفسي خالية الوفاض .. في واحة مقفرة تخلو من الأصحاب والأحباب .. في وقت وصل بي الظمأ مداه .. و فقد الصبر مني عُراه ..في وقت اشتد فيه الهجير .. و تلفت بلا جدوى أبحث عن أي نمير .. رفعت رأسي عاليا لأجدك كما عهدتك .. ملكا في سماء ضيائك .. متربعا على عرش دلجة تدحر قتامتها بسنى بهائك .. وجدتك كما أنت .. ترمقني ، تناظرني ، تستفز شفاهي الظامئة لتنثر حروف بوحها بين يديك ..
و بحنانك المعهود .. مددت ذراعيك الوضيئتين بحبال نورانية مجدولة من أطياف نورك السرمدي ، تهدهد حزني ، تمسح ذرات الألم التي باتت تعشش في ذهني ، وتستبيح بمكرها و غدرها حمى قلبي .
أرأيت يا قمري ؟ أتشعر بي ؟ أتفهمني ؟ أتدرك موطن الحزن الذي استعمرني في غفلة مني ؟
ألست مستودع أسراري .. و ملهم بوحي و أفكاري ؟ بالله عليك قل لي ، أخبرني فما عدت أدرك كيف تدور بي الرزايا ..ما عدت أعلم كيف تتلاعب بي الحكايا؟
ما الذي غير الحال و بدّل المآل ؟ أية ريح مارقة ألقت أعاصيرها في داخلي .. فأججت في نفسي نيرانا ؟ و أية أمواج صاخبة تلاعبت بي فقلبت مني كيانا ؟
تغير الحال .. حتى عدت أنكر نفسي و تنكرني .. أنازعها و تنازعني .. إلى أن ملّ الفرح تلك المعارك الجوفاء .. و الصراعات الحمقاء ، فغادرني غاضبا مودعا ، متمتما بعبارات الشجب والتنديد لهذا الحال الجديد ..
أرأيت يا قمري قسوة الفرح ، كيف طاوعته نفسه بعد عشرة طويلة .. و بعد سنوات من الصداقة الجميلة أن يقذف بي في أتون الترح و يقدمني فداء وضحية لألمٍ استبد بي و جرح ، فأصبح يتلذذ بجلدي بسياطه اللاسعة التي أفقدتني بوصلتي و أضاعت لي دربي ، حتى صرت كلما انطلقت في رحلة بحثي عن تلك الذات المغلفة بالهناء ، المسكونة بالفرح .. اضطربت أمواج بحري الذي أصبح هو الآخر يستطيب مناوشتي ومشاكستي ، فكلما وجهت دفتي يمينا ، اتجهت يسارا ، و كلما سرت على صفحة هدوئه الساكنة وجدته قد ثار ليقلبني في أعماقه المكتنزة بالأسرار و الغموض
وأنا في لجة المعامع ، ومن بين انسياب المدامع أتساءل يا قمري .. أتراني سأجد مفترق الطريق الذي تهت عند أبوابه ؟ أتراتي سألقى بداية طريق سلك الفرح فيه طريقا في رحلة لا أدري إلى أين أفضت به ؟
أتراه ينتظرني بشوق ليعود ويعانقني من جديد .. أتراه سيعترف بخطيئته و يعتذر لي عما سببه لي في رحلة غيابه ؟ أتراه سيمسح دمعتي ، سيسكب روح عطره في نفسي ليطفئ بشذاه الزكي جمار حزني و لوعتي؟ أتراه سيحيي زهوري التي ذبلت في أعماقي .. فلم تعد ترتوي حتى من دمع المآقي ، أتراه ......؟
أم أنه ركب جواد اللا عودة و يمم شطره نحو الغروب و أقسم اليمين بأن لا يعود ؟
أتراه يعود يا قمري ؟