خواطر تجمع بين اليأس والأمل
د. محمد أحمد الزعبي
الخاطرة ١ : بين قمر فيروز وأقمار ناسا ،
لابد من التوضيح بداية ، أن العلاقة آلتي ينطوي عليها عنوان هذه االخاطرة، ذات شقين ، فهي تشير من جهة إلى علاقة القلب بالدماغ ، من حيث انتماء الطرفين إلى نفس الجسد ( الإنسان )، ومن حيث تأثر كل منهما بالآخر وتأثيره عليه ( عبر الحواس الخمس ) ، ولكنها تشير من جهة أخرى ، الى الفارق النوعي بين قمر فيروز ( إحنا والأمر جيران ...) وأقمار ناسا ( هوت بيرد ، عربسات وأخواتهما ) ، من حيث ارتباط قمر فيروز بالسماء بصورة أساسية ، وارتباط أقمار ناسا بالأرض ، أرض المخابر والتجارب على الكلاب والفئران ، وصولا إلى أسلحة الدمار الشامل التي استخدمت وتستخدم وستستخدم ضد الرأي المختلف ، والبلد المختلف ، والشعب المختلف ، واللون المختلف . إن اشارتنا الى هذا الفارق النوعي ، بين قمر فيروز الرباني ، وأقمار ناسا الصناعية ، لايعني بحال أننا ندعو الى نصب سور صيني بين هذين القمرين ، أي بين القلب والعقل ، لا بل اننا ندعو الى التقارب والتداخل والتفاعل بينهما ، بحيث لايطغى أحد هما على الآخر ، تماماً كما هي الحال بين القلب والدماغ في الجسم .
وإذا ما نقلنا هذه الإشكالية من عالم الفن الى عالم السياسة ، وبالذات في مجتمعات الربيع العربي عامة ، وفي المجتمع السوري خاصة ، فسنجد أنفسنا وجها لوجه أمام إشكالية العلاقة بين الدين والعلم ، بين العقل والنقل ، بين التيار الديني والتيار العلماني، بين قوانين السماء وقوانين الأرض . ومرة أخرى نقول إن حل هذه الإشكالية المعقدة ، والمزمنة ، لايكون الا بالجمع بين القلب والعقل وبالتالي بين القديم والجديد ، بين الماضي والحاضر ، بين السماء والأرض ، بين قمر فيروز وأقمار ناسا وهو ما فعله ابن خلدون مع من سبقه من المؤرخين ، و ماركس مع هيغل ، و الفارابي مع ( أفلاطون وأرسطو ) ، و ابن رشد في محاولته الجمع بين الحكمة و الشريعة ( الفلسفة والدين ) ، بل ما فعله نبينا محمد ( ص ) عندما أعلن أنه إنما جاء ليتمم مكارم الأخلاق .
إننا نقول لمن هم شبهنا في الخلق ، وإخوتنا في الإنسانية ، والذين هم من يملك اليوم ناصية العلم والتقانة (المصنع والمدفع ) والقنبلة الذرية والطّائرات البدون طيار ، اتقوا الله في سلوككم ومواقفكم مع من يختلف معكم وعنكم في الرأي والدين ، امنحوا أنفسكم بعض الوقت ، للاستماع إلى قلوبكم ،
فالكرة الأرضية تتسع لنا ولكم ،وخيراتها تغطي حاجاتنا وحاجاتكم ، ولتذهب أسلحة الدمار الشامل إلى الجحيم .فلا قلوبنا وعقولنا ، ولا قلوبكم وعقولكم ، بحاجة إليها ،
الخاطرة 2 : السلفيون المصريون و السيسي ،
سألني أحدهم : لماذا يقف السلفيون في مصر مع السيسي وضد مرسي ، فأجبته :
السلفيون : أجسادهم في الحاضر وعقولهم وقلوبهم في الماضي ، ولا علاقة لهم بالمستقبل . إنهم بصورة أو بأخرى من النوع الذي يصعب على المرء أن يعرف في مواقفهم وأفكارهم الحق من الباطل .
الاخوان المسلمون: أجسادهم وعقولهم تجمع بين الحاضروالمستقبل أما قلوبهم ففي الماضي
العلمانيون الليبراليون : عقولهم وقلوبهم في الحاضر، ولكن حاضر الآخر( الغرب ) ، الذي ينبغي أن يمثل بالنسبة لهم المستقبل المنشود .للبلدان المتخلفة ، ويرون بالتالي ضرورة القطع مع الماضي ولا سيما الماضي الإسلامي ، بوصفه بنظرهم سبب هذا التخلف .
العلمانيون القوميون : رجل في الحاضر ، ورجل في الماضي ، وعين على المستقبل .
الموقف المقترح من الكاتب : الجمع الجدلي بين الماضي والحاضر والمستقبل ،علماً أن الأخذ بهذا المثلث الجدلي يقتضي من عالم السياسة وعالم الاقتصاد وعالم الاجتماع ،الجمع العلمي ، بين كل من ابن خلدون وكارل ماركس وماكس فيبر وفرويد ، ولكن بصورة خلاّقة وموضوعية .
الخاطرة 3 : اليوم العالمي للمرأة ( ٨ / ٣ / ٢٠١٥ ) ،
سوف أكتفي هنا بنقل المعلومات المتعلقة بالمرأة السورية ، والتي أوردتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان ألا وهي :
١٥٣٤٧ شهيدة ، ( في تقرير بتاريخ 8/3 / 2015 فإن هذا الرقم قد وصل إلى 18475 )
٦٥٠٠ معتقلة ، منهن ٢٠٠ تحت سن ال ١٨ ،
٧٥٠٠ معنّفة جنسيا ، منهن ٤٠٠ تحت سن ال ١٨ ،
٢.١ مليون لاجئة ، وهو مايمثل ٣٥٪ من عدد اللاجئين
وبطبيعة الحال ، فإنه يمكن أن يضاف إلى هذه الأرقام ، ملايين مهجرات ونازحات الداخل السوري ، والمئات ممن ابتلعتهن اسماك القرش وأمواج البحر ، وهن يحاولن الوصول الى البر الأوروبي الآمن إنقاذاً لأسرهن من جحيم براميل بشار الأسد المتفجرة والعمياء ، ورصاص القناصة ، وسكاكين الشبيحة . كما أن هذه الأرقام في حالة تصاعد يومي ، كما يشير التقرير الذي أصدرته الشبكة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار الجاري ،
هذه المعلومات والأرقام الموجعة والمؤلمة والمؤسفة والتي تقطر دما ، نحيلها إلى من بقي عنده بقية من ضمير ممن يدعون أنهم عرب ومسلمون من كافة الملل والنحل ، نحيلها إلى جامعة الدول العربية ، التي ترى وتسمع وتسكت ( التاءات الثلاث )عن كل هذه الجرائم والمجازر ، ونحيلها أيضاً إلى كبار الملطخة ايديهم وقلوبهم وعقولهم بدماء هؤلاء النسوة السوريات البريئات : بشار حافظ الأسد ، وقاسم سليماني ، وحسن نصر الله ، وإلى كل من يشد على أياديهم الملطخة بدماء تلك الآلاف المؤلفة من الضحايا البريئة ممن وصفهن الرسول الكريم بأنهن " شقائق الرجال " .
الخاطرة 4 : خدعة الرفاق ،
بعد أن نفّذ حافظ الأسد يوم 16/11/1970 انقلابه العسكري الطائفي تحت اسم " الحركة التصحيحية " وكنت يومها في منزلي بمدينة درعا ( حيث كنت قد أدرت ظهري لخدعة اليمين واليسار ، التي انطلت عليّ وعلى العديد من الحزبيين غيري ، لفترة من الزمن ) ، زارني عدد من ضباط حافظ الأسد المعروفين لدي وذلك ليروّجوا لحركتهم التصحيحية !! ، وقد لفت نظري يومها أن السؤال الأساسي الذي طرحه هؤلاء الضباط عليّ كان : كيف ترى حل القضية الفلسطينية ؟ ، وهنا أدركت على الفور ، من جهة أن هؤلاء مرسلون من قبل حافظ الأسد نفسه ، لكي يطرحوا علي هذا السؤال ، ومن جهة أخرى ، أن حركة حافظ الأسد التصحيحية ، ، إنما جاءت لتنفيذ مخطط مشبوه ، هدفه النهائي والبعيد ،التخلي عن الشعب الفلسطيني ، والاعتراف بإسرائيل وبالتالي إنهاء الصراع العربي الصهيوني، وفق مخطط الدول العظمى (!) التي أوجدت ودعمت وتدعم هذا الكيان الهجين منذ القرن التاسع عشر وحتى هذه اللحظة ، مروراً بوعد بلفور ، وبقرار التقسيم ، وبإلغاء قرار الأمم المتحدة المتعلق بعنصرية الحركة الصهيونية .
لقد عبر حافظ الأسد عن هذا التوجه الاستراتيجي لنظام الحركة التصحيحية ، عن طريق وزير إعلامه المرحوم السيد أحمد اسكندر الأحمد ، عندما أشار في مقال له،نشرته باللغة الفرنسية مجلة" أسيا أفريقيا " في أوائل ثمانينات القرن الماضي ، إلى ضرورة وقف سفك الدماء في هذا الصراع العبثي بين العرب وإسرائيل ! ،كما عبر عنه أيضاً، عن طريق أحد المسؤولين ،عندما أجاب على سؤال يتعلق بالقضية الفلسطينية طرحه عليه أحدهم بقوله " كلمين يقلع شوكو بإيدو " أي أن الفلسطينيين هم المسؤولون عن تحرير بلدهم وليس الآخرين .
إن ماجرى ويجري في سورية منذ 1970 وحتى اليوم ، إنما هو توكيد لالبس فيه لدور عائلة الأسد (الأب والإبن )في تنفيذ ذلك الوعد المشؤوم الذي أوصلها إلى كرسي الرئاسة في سوريا .
الخاطرة 5 : رحم الله أمي ،
في إحدى سنوات دكتاتورية أديب الشيشكلي ( أظنها 1952 ) ، داهم رجال أمن قائد شرطة دمشق (العقيد ابراهيم الحسيني ) غرفة سكني بدمشق حيث كنت طالباً في صف الثقافة العامة في جامعة دمشق ، ليجدوا لدي كمية من مناشير حزب البعث العربي الاشتراكي التي كانت موجهة ضد ديكتاتورية اديب الشيشكلي ، وكانت توزع في شوارع دمشق بصورة سرية .
وبطبيعة الحال تم اعتقالي ، وفي إطار إجراءات التحقيق المعروفة في مراكز الأمن ، وضعت " الفلقة " في قدمي ، وانهال شخصان يرتديان الزي المدني على قدمي بالخيزران ، من أجل أن أخبرهم عمن أعطاني هذه المناشير الحزبية . ساعدتني تربية أمي وابي لي على الصبر والصمت والتحمل ، إلى ان زاد عدد الضربات على المائة ، فامر ابراهيم الحسيني الذي كان يرعى هذا المشهد الدرامي بنفسه ، ليسالني : قل من أين اتيت بهذه " المناشير " ؟ . لم أغير إفادتي ( وجدتها ملقاة أمام باب غرفتي ولا أعرف من وضعها ) ، وهنا انهال على جسدي الملقى أمامه على الأرض بخيزرانة تناولها من أحد رجلي أمنه بضرب عشوائي ، دفعني إلى الابتسام ، ودفعه إلى المزيد من الضرب وإلى التلفظ بكلمات نابية ( بتضحك كمان ياأخو ... ) . سجنت ثم خرجت بعد مدة قصيرة من السجن أسيرعلى قدمي ، بعد أن التأمت جراحهما ، وحين وضعت رأسي في حضن أمي في قريتي (المسيفرة) قبلتني وأبلغتني رضاها علي ، واعتزازها بصمودي .
رحم الله أمي التي واتتها المنيّة قبل أن تعرف ، انه لوتم اعتقال ابنها بعد عام 2011 لما خرج من سجن بشار الأسد حيّاً، وإنما كان سيصلها جثة هامدة في تابوت خشبي . ويبدو لي الآن ـ ياأمّاه ـ أن سجن أديب الشيشكلي كان على مايبدو ـ وباللغة الدارجة ـ سجن خمس نجوم قياساً على سجون بشار بن حافظ الأسد ، التي تشهد يومياً موت العديد من الرجال والنساء والأطفال تحت التعذيب الوحشي الذي يمارسه ، ليل نهار ، مرتزقته وشبيحته في هذه السجون .
فلا نامت أعين الجبناء.