أحبب أنت أوّلاً
أحبب أنت أوّلاً
مادونا عسكر
وأنت تبحث في دفتر حياتك عمّن مرّ وجعل في نفسك جراحات يصعب مداواتها، أو عمّن تخلّى عن يديك في منتصف الطّريق، ورمى بثقل أنانيّته على أسارير وجهك فانذثر بريقها وتلاشى. وأنت تجمع ذكريات الأمس لتطرحها عند أقدام المستقبل، وتستعطفه العودة إلى الوراء لتحييها من بين حبيبات التّراب، انظر الوردة تنبلج من جفاف التّراب وأحبب أنت أوّلاً.
وأنت تشرع في صناعة ساعة ضخمة تتحدّى عقاربها نظام الأزمان لتعود بك إلى الماضي لترتّب ما خلّفه الزّمن من فوضى. وأنت تنحني على شيبك لتستعيد صباك المبعثر في زوايا المعاناة القديمة، ترقّب شروق الشّمس السّرمديّ وأحبب أنت أوّلاً.
وأنت تجلس وحيداً في غرفتك، تبكي بعداً موجعاً أو قرباً مؤلماً. ادخل مضجعك العميق، واشكُ للمطلق أحزاناً ستنتدثر لاحقاً كوريقات الخريف، وأحبب أنت أوّلاً.
وأنت تهمّ لمعاتبة صديق أساء إليك وآلم عطر ورودك، وزرع في أعماقك عذابات موجعة، وأرقت في سبيله دموعاً فاض بها وجدانك. وأنت تتساءل بحيرة وارتباك عن أسباب اختفاء الحنان في قلب من يحبّون، تأمّل سرّ هبوب الرّياح، واحبب أنت أوّلاً.
وأنت تسير في ظلمة العالم، متعثّراً بصلابة الأنانيّة، والغشّ والاحتيال، وتتخبّط بين الأنا المستنيرة والأنا الخاضعة لصراع البقاء. تطلّع وجه القمر في أديم اللّيل، وأحبب أنت أوّلاً.
وأنت تتخبّط في بحر الفوضى، وتصارع أمواج اللّامبالاة والإهمال. وأنت تتردّد بين قرار الواجب الّذي يقضي بإنقاذ جزء من كيان البشريّة أو الاستسلام لحماقتها وعبوديّتها. دقّق بانحناءة الشّمس عند الأصيل وباختلاط النّور بالشّفق، وأحبب أنت أوّلاً.
وأنت تشتعل غضباً من سذاجة الجهل وتسخط من لؤم العنصريّة، وتعاين احتضار الحكمة على فراش الجهالة. أبصر احتضان المطر للكون بأسره، وأحبب أنت أوّلاً.
أحبب أنت أوّلاً،
كن رؤى المستقبل الجميل في ذكريات الماضي الأليم،
كن الزّمن الجميل الآتي والمتصاعد من عمق الحاضر المرير،
كن النّور وسط الظّلام، واختر الالتزام في ضجيج الفوضى،
كن البسمة على ثغر المحزونين، والدّواء في جسد المرضى،
كن المعرفة في معتقل الجهل والانفتاح في قوقعة العنصريّة.
كن المسؤول في سجن اللّامبالاة والحرّ في شقاء العبوديّة،
كن أنت الحبّ، وتنقّل في هذا العالم علّك تنتشله من غربته وبؤسه.
هي خطوة نحو الحبّ، ترفعك من حضيض الافتقار إلى رفعة الاغتناء، وتسمو بك إلى سماء التّسامح والتّفهّم. تحملك إلى كلّ جائع إلى المحبّة وكل فقير إلى الأمان والطّمأنينة. كن الباحث عن المتألّمين ولا تنتظر أن تلتقي بهم، وبلسم جراحهم بكلمة، ببسمة، بلمسة يد.
ولتكن صلاة قلبك الدّائمة، آية تختصر كلّ الأوجاع والتّساؤلات والإحساس بالذّنب، وتجمع بين حروفها كلّ التّضرّعات والابتهالات. لتكن صلاتك: سأحبّ أنا أوّلاً.