عقليات قد تجاوزها الزمن
سليمان عبد الله حمد
حينما كنا صبية في المدرسة الأولية في سابق الأوان وسالف الزمان حيث كانت الدولة تدللنا بكل معينات التعليم المجاني والموجهات الثقافية التي تناسب عقولنا الصغيرة مثل مجلة عمك تنقو أو الأدوات الرياضية التي تنمي أجسادنا الهزيلة والسكن الداخلي الفاخر الإعاشة بمقايسه المعقولة..!
لم نكن نستوعب ونحن نقرأ في كتب المطالعة قصة سليمه بائعة اللبن كنموذج للمرأة المكافحة في الحياة ، أن هنالك من يمكن أن يبيع اللبن بالفلوس نظراً لوفرته عندنا في الجزيرة التي كانت خضراء كأذرع أهلها الكرماء الذين يوزعون ما يجود به الزرع والضرع بغير منٍ ولا أذىً!
كبرنا ولكن أحلامنا هي التي صغرت الآن
وأنحصرت في طموح توفير رطل اللبن الذي
- أبو
لي بيه-
على رأي المغنى وبات مشهد سليمات كثيرات
يبعن اللبن والشاي والمديدة والكسرة وخلافها في عهدٍ باع كل الأشياء التي ورثها
وأستاثر أهله بكل شيء فى مقابل لاشي!
الآن وحسب إحصائيات الولاية فإن
عدد من يقاومن في تيار الحياة الجارف تحت الأشجار وفي ظلال بنايات الذين تطاولوا في
البنيان هو..دون العشرة الآف إمرأة في العاصمة المثلثة وحدها .. ولكن واقع الحالات
يقول أن اللائي يكابدن في سبيل العيش الكريم من الولايا العفيفات يفوق ذلك التقدير
بمراحل !
حملة محاربة ختان الأناث التي
نهض لها الفنانون و الممثلون و نشطاء المجتمع عبر أجهزة الإعلام تحت شعار..
- سليمه
-
هي ضربة البداية التي نتمنى أن تحقق أهدافها المرجوة وتفتح ثغرة في جدار الصمت الطويل عن تفشي الظاهرة لاسيما في الأرياف.. ومن ثم تكسر تحجر بعض الدعاة الذين يحاولون ربط ختان البنات بأدلة لم تثبت فقهياً ولا علمياً ، إذ هي في الغالب من المنظور العلمي على الأقل تغول على جسد فتاة مسلوبة الإرادة ولا تستطيع التصدي لعقليات قد تجاوزها الزمن سريع الخطى ومطرد الإستدارة !
فعلاً نريدها بنتاً سليمة الجسد و
العافية والمستقبل مثلما نريد بلادنا في كامل السلامة بعيداً عن جبروت التنطع
المسلط على مجتمعنا بمسوقات ثبت بطلان مزاعمها وتبريرات وجودها بالدليل القاطع
!
ولعل تلك الحملة تمثل نقلة نوعية
في جرأة الجهر بما كان مسكوتاً عنه حتى من أولياء الأمور الذين يستسلمون لسطوة
كبيرات العائلة من الحبوبات اللائي يعتبرن الحديث في الأمر من أساسه تدخلاً في
الشأن الخاص والداخلي للنساء لا شأن للرجال به الى عهدٍ قريب
.. !
لكن بالطبع فإن موجة الوعي وسط الأباء والأمهات الشباب قد ساعدت في التغلب على تلك الفئة التي تسبح عكس الزمن وتريد من الأجيال الحديثة أن تنحبس في زمانها إذ لا ننكر أن له معطياته وثقافته التي كان لها مدلولها الآني الذي لا يتماشي مع نوعية الحياة الحالية في المجتمعات بكل مكوناتها الإنسانية والزمانية والمكانية وطبيعة تركيبة العقلية ذاتها !