عيد الحب (فالنتين)

خواطر من الكون المجاور الخاطرة 21..

ز. سانا

كنت أسير ليلا في شوارع أثينا الشبه خالية من المارة بسبب صقيع الشتاء ، الهواء البارد الذي يلفح آذاني العارية كان يحمل معه صوت فتاة تسير أمامي على بعد عدة أمتار تتكلم بعصبية وكأنها على وشك البكاء ، وصديقها يبدو وكأنه يلحق بها يحاول بإستمرار تهدئتها دون أن يفلح ، كانت لا تتجاوز العشرين من العمر أو ربما أقل. من تلك الكلمات التي وصلت إلى أذني فهمت بأن سبب بكائها هو إكتشافها فجأة أن صديقها يخونها مع فتيات أخريات، ويبدوا أن خيانة حبيبها قد صعقها، قد حطم صورة جميلة كانت تتصورها لحبهما، 

مشاعر دافئة دفعتها ذات يوم لتسلمه جسدها ليكتمل حبهما ولتتحول هي وحبيبها إلى روح واحدة وجسد واحد كما كانت تقرأ في الروايات واﻷفلام الرومانسية، ولكن اﻵن تبين لها فجأة حقيقة أخرى، حقيقة مفجعة فحبيبها كان معها جسدا بلا روح ، وأن كل ما كان يريد أن ينال منها هو جسدها فقط ليطفئ به شهواته....( أنا لست عاهرة ) صرخت في وجهه فجأة. صرختها أثارت عصبية صديقها فطلب منها بصوت حاد أن تخفض صوتها لكي لا يتحول ا إلى مهزلة في الشارع، ولكنها صرخت مرة أخرى بعصبية أكبر فلم يستحملها ( إذهبي إلى الجحيم ) رمى بوجهها هذه العبارة وتركها مبتعدا عنها بإتجاه آخر ،بينما هي تابعت طريقها دون أن تقوم بأي ردة فعل لإبتعاد صديقها عنها وبصوت باكي راحت تردد عبارة واحدة ( أنا لست عاهرة...أنا لست عاهرة. ......).

بعد مناقشة طويلة في موضوع العلاقة ( إمرأة - رجل ) مع شلة من اﻷصدقاء اليونانيين في إحدى الكافتيريات، نهض الجميع لينصرفوا إلى بيوتهم إلا فتاة واحدة أرادت أن تبقى بعض الوقت ، ولكي لا تبقى وحدها طلبت من البعض أن يبقى معها ومن بين أولئك الذين طلبت منهم ذلك كنت أنا أيضا، وما لفت إنتباهي أنها طلبت ذلك من أولئك الذين كانت متأكدة تماما بأنهم سيعتذرون عن ذلك، ففهمت أنها كانت تقصدني أنا فقط من بين الجميع لأبقى معها ، فكما أخبرتني بعد مغادرة الجميع بأنها كانت توافقني على كل كلمة ذكرتها عن رأيي في موضوع العلاقة بين المرأة والرجل ،وهذا ما دفعها لتبوح لي سرا لم تذكره حتى ﻷعز صديقاتها. (كانت أول مرة فيها أمارس الحب ) بهذه العبارة بدأت في بوح سرها (. ...كنت عذراء رغم أني قد تجاوزت العشرين من العمر...وبدلا من أن يفرح ﻷن حبيبته لم يمسها رجل قبله ، نهض منزعجا يصرخ بعصبية وهو يرى لون دليل عذريتي يصبغ غطاء فراشه باللون اﻷحمر...لم أفهم ما يحدث لم أفهم سبب ردة فعله العنيفة. ..الصدمة كانت بالنسبة لي أكبر بكثير من أن أستوعب كل كلمة من كلماته ﻷتناقش معه عما حصل. .. كل الذي إستطعت أن أفعله هو أن أرتدي ثيابي وأهرب بعيدا. ..ﻷهرب مما حصل. .ورأيت نفسي أسير في الشوارع ككتلة من اللحم بلا روح. ... كتلة جامدة تتحرك ولكن كيف تتحرك لا أدري. ...شعور واحد كان يحبس أنفاسي يجعل خطواتي تسرع أكثر فأكثر ﻷصل إلى البيت وأدخل إلى الحمام وأغلق الباب على نفسي وأفتح صنبور الدوش على جسدي وأنفجر بالبكاء...ﻷول مرة شعرت كم كنت غبية. ...بعض صديقاتي فقدن عذريتهن في ال16 عشر من عمرهن ، بعضهن في ال17 أو ال18.... أنا رفضت. .. بقيت محتفظة بعذريتي ﻷبقى عفيفة، طاهرة لذلك الشاب الذي سأكون حبيبته، شريكة حياته ، أم أطفاله. ....كنت أحلم بتلك اللحظة، اللحظة التي سيشعر بها أن حبيبته لا تزال عذراء. ...ليعلم بأنها كانت وستكون له فقط مدى العمر . ... له فقط لتبقى تلك اللحظة في نفسه أجمل ذكرى في حياته....هذه الذكرى التي ظننتها أنها ستكون أجمل ذكرى في حياتي أيضا عندما سأرى في عيونه تلك الفرحة التي سيعلم فيها أني عذراء.... في ذلك اليوم شعرت بأنني كنت بالنسبة له مجرد عاهرة....عاهرة يرمي فيها قذارته مجانا...) كانت تتكلم بإنفعال و مع كل كلمة تلفظها كان يزداد إنفعالها حتى وصلت إلى مرحلة وكأنها لم تكن تتحدث معي ولكنها تتحدث إلى نفسها وكأنها تعيش حقيقة تلك اللحظات التي عاشتها عندما أغلقت باب الحمام على نفسها، وتابعت كلامها قائلة ( ..أجمل لحظة التي كنت أعتقد أنها ستكون في حياتي وحياة كل فتاة . ..تلك اللحظة التي تجعل المرأة تشعر بأن حياتها تتبدل لتأخذ شكلا جديدا . ..اللحظة التي كنت أحلم بها سنوات. ...اللحظة التي خططت لها وبنيت عليها أحلام جميلة. ... هذه اللحظة ضاعت ولن تأتي أبد...ﻷنها تحولت فجأة إلى كابوس... كابوس فظيع. ...كابوس دمر كل إحساس جميل . ..دمر كل براءة في داخلي . . كابوس جعلني أنظر إلى نفسي في المرآة وأحتقر نفسي. ...) وتابعت كلامها بصوت باكي متقطع وهي تمسح عينيها التي تحولت إلى نبع لا يتوقف من الدموع .

كنت جالسا مع إثنين من أصدقائي (صباح و حازم) في إحدى الكافتيريات السياحية في أثينا نتحدث بمواضيع مختلفة ورغم أني كنت أشارك في المناقشة ولكن إهتمامي كله في تلك اللحظات كان منصبا على تلك الفتاة الجالسة على المنضدة أمامي التي تبعد عني ثلاث أمتار تقريبا. فرغم أنه مر أكثر من خمسة دقائق على جلوسنا أمامها لم تحرك حتى عينيها لترى من هم أولئك الذين جلسوا أمامها وراحوا يتكلمون لغة غريبة. كانت جالسة كالصنم بدون أي حراك تنظر إلى نقطة ثابتة أمامها على المنضدة تفكر بأشياء عديدة أو ربما لا تفكر بأي شيء، فقد كانت تعابير وجهها غريبة يمكن للشخص الذي يراها أن يتصور عنها أي حالة يريدها. فكأنها في تلك اللحظات قد نست أنها في كافتيريا ونست أنها تشرب البيرا وأنها تدخن ، فطول رماد السيجارة التي بيدها الثابتة على المنضدة كان قد وصل إلى أطول من ثلاث أرباع طول السيجارة نفسها ،وكأنها أشعلتها ثم نستها في يدها. كان شكل الفتاة غريب فرغم أنها قامتها متوسطة ولكن وزنها كان أكيد لا يتجاوز اﻷربعين كيلو غرام وربما أقل ، وكأنها جلد على عظم فقط، ولكن رغم نحافتها الشديدة من يتمعن جيدا في معالم وجهها سيشعر أن هذه المرأة التي لاتتجاوز ال35 من العمر كانت قبل سنوات قليلة فتاة جميلة وربما جميلة جدا، فكان وجهها يشبه وجه الممثلة سعاد حسني في فيلم " خلي بالك من زوزو ".

عندما وصلت قوة ثقل رماد السيجارة أكبر من قوة ترابط الرماد مع القسم غير المحترق سقط على المنضدة ، عندها فقط عادت الفتاة من سهوتها ، نظرت إلى الرماد الذي سقط ورفعت يدها ورمت الرماد من المنضدة ثم نفخت لتبعد ذرات الرماد المتبقية ، وعندها أيضا تذكرت كأس البيرة أمامها فأخذته ورفعته إلى فمها لتشرب شيئا منه ،ومع رفعة رأسها لينصب شيئا من البيرة في فمها إرتفع بصرها ووقع علي ، في تلك اللحظة كنت قد شعرت بأنها ستراني ولكي لا أجعلها تشعر بالحرج بأنني كنت أراقبها ، كنت قد إلتفت إلى صديقي صباح قبل أن تراني هي. فشربت شيئا من البيرة وأعادت الكأس ثانية إلى المنضدة وأشعلت سيجارة جديدة وراحت تنظر إلي بإستمرار ، تدخن وتتمعن في وجهي. فلمح صديقي صباح كيف كانت تنظر إلي فأخبرنا عنها دون أن يلتفت أحدا منا نحوها فتشعر أننا نتكلم عنها. وراح حازم يمزح معي ويقول ( المرأة سحرت بك ونسيت نفسها) . ولكن بعد دقائق نهضت من مكانها وأقتربت منا وسألتني إذا كنت أتكلم اليونانية فأجبتها بنعم فقالت لي بكل لطف ( إعذرني ،هل أستطيع أن أسألك سؤال ؟) فإجبتها ( نعم،بكل سرور،تفضلي ) فسألتني ( من أنت ؟) نظرت إليها وأنا لا أصدق بأنها ستسألني هذا السؤال بالذات ، شعرت في تلك اللحظة وكأن روحها كانت تعلم بانني كنت أشبه وجهها بوجه سعاد حسني في فيلم "خلي بالك من زوزو" لتسألني هي أيضا نفس السؤال الذي سألته سعاد حسني لحسين فهمي في الفيلم عن طريق الورقة لكي لا يعلم أحد آخر سرهما. صديقاي صباح وحازم ظنا بأنها تسألني عن إسمي وأنا فعلا أجبتها ذاكرا لها أسمي.. فتمعنت جيدا للحظات في معالم وجهي ، ثم إرتسمت على وجهها إبتسامة مرهقة وقالت بصوت يكاد لا يسمع ( آسفة على اﻹزعاج ) وعادت إلى مقعدها وأشعلت سيجارة وراحت تدخن وتنظر في وجهي. صديقي صباح مباشرة طلب مني أن أذهب وأجلس معها قليلا قائلا لي (عيب أن تخجل إمرأة وترفض مجالستها ) أما صديقي حازم فكان رأيه مخالف نهائيا فقال لصباح ( ماذا تقول يارجل ،إتركه بعيدا عنها ، إنظر كم هي نحيفة . . هذه أكيد إما أنها مصابة بمرض اﻹيدز أو تتعاطى المخدرات).

بقيت جالسا في مكاني أتركها تنظر إلي فقد كنت على يقين تام بأنها هي، هي فقط كانت تعلم بأن كل ما كانت تريد أن تخبرني به قد وصل إلي ، فالحديث بين شخص وشخص لا يعني بالضروة أن يتم بواسطة الفم واللسان والكلمات، ولكن أيضا يمكن أن يتم عن طريق آخر أرقى بكثير من الطريقة اﻷولى ﻷنه يتم عن طريق التعبير الروحي بين اﻹثنين. فروح هذه المرأة رغم صمتها كانت تتكلم معي في تلك اللحظات وكأنها كانت تقول لي ( انظر إلي أنا نتيجة ثقافة الفكر الحديث. .. الذي يطالب بمساواة المرأة مع الرجل. .الذي يطالب المرأة أن تتحرر من جميع قيود العصور القديمة لتثور ضد جميع قوانينها التي كانت تجعل منها كائنا من الدرجة الثانية. ... ولتبدأ عصر جديد أول قوانينه الحرية الجنسية....وثقنا بهم فإستغلونا أبشع إستغلال، إستغلوا شعورنا بالظلم الذي حدث بحقنا عبر آلاف السنين نحن معشر النساء ، إستغلوا طيبة قلوبنا ، إستغلوا قلة خبرتنا في العلوم ، خدعونا وحطموا جميع أحلامنا. ..وها أنا اﻵن وحيدة ، نصف روح بلا شريك حياة بلا أولاد بلا أمل. .. حياة بلا أي معنى. ... أخذونا لحما ورمونا عظما. .) .

عندما أتى الوقت لننصرف. . نهضت من مكاني ونظرت إليها وقلت لها مبتسما (مساؤك سعيدا ) فإرتسمت على وجها الجميل ثانية إبتسامتها المرهقة وهزت برأسها وكأنها تقول لي (ومساؤك أنت أيضا ) ، ورغم إبتعادي عنها خطوات عديدة كنت أشعر بأن نظراتها لا تزال تلاحقني ، ورغم مرور سنوات عديدة لا أزال أشعر أنها لا تزال تنظر إلي حتى اليوم بإبتسامتها المرهقة تريد أن تبكي ولكن ضعف جسدها الشديد لم يكن بإمكانه أن يمدها بالقوة لتستطيع إفراز الدموع من عينيها.

لا أدري لماذا كلما أتى عيد فالنتين ( عيد العشاق ) الذي يصادف كل 2/14 من كل عام ، أجد صورا من الماضي تمر في ذاكرتي وكأنها تمر أمام عيني كشريط فيلم سينمائي. ... مقاطع عديدة وكأنها أفلام قصيرة ،في كل فيلم تلعب دور البطولة فيه إمرأة أخرى . وأشعر بنفسي كمشاهد يرى مأساة إمرأة فيتأثر لما يراه دون أن يستطيع أن يتدخل ليغير مجرى تلك الأحداث التي رأتها عيني يوما أو سمعتها أذني من فم بطلة تلك المأساة.

اﻷخطبوط والذي شكله يشبه تماما شكل العين وعضلاتها، عندما يشعر بالخطر يفرز مادة سائلة ملونة لتساعده على اﻹختفاء من عدوه. هذه المادة السائلة هي في الحقيقة رمز للدموع التي تخرج من عين اﻹنسان. الدموع حسب الحكمة اﻹلهية في خلق اﻹنسان هي في الاصل سلاح المرأة الوحيد أمام قساوة الرجل الذي يفوقها قوة جسدية. فدور هذه الدموع أن تطري قلب الرجل ليتوقف عن سلوكه القاسي معها وليشعر أنها مخلوق في داخله روح تتألم وتحزن وتعاني.

أحد المذاهب الفلسفية اليهودية والتي تعود جذوره إلى حكمة النبي سليمان عليه الصلاة والسلام يذكر هذه العبارة ( الله يعد دموع المرأة) دموع المرأة هي مؤشر يحدد درجة إيمان الرجل ، و هكذا شاءت اﻷقدار أن تلعب دموع المرأة دورا كبير في تحديد مسار حياتي بأكملها. فمنذ وقت مبكر من عمري شعرت بأن سبب وجودي في هذه الحياة هو أن أزيل الغشاوة عن عين الرجل ليرى حقيقة هذا الكائن الذي يدعى إمرأة ،ليراها تماما كما تراها عيني. وعندما كبرت قليلا بدأت أشعر أن لي دورا آخر أيضا و هو نزع القناع عن وجه الرجل لكي تستطيع المرأة رؤيته على حقيقته لحماية نفسها من خداعه، كنت أشعر وكأنني جاسوس بين الرجال يعمل لصالح معسكر النساء. قد يستغرب البعض من هذه اﻹحساسات الغريبة التي كنت أشعر بها ولكني متأكد تماما بأن كل رجل لو عاش بنفس الظروف التي عشتها وحصل معه ما حصل معي من أحداث في مرحلة طفولتي ومراهقتي وشبابي سيكون لديه نفس اﻹحساسات وسيتصرف كما فعلت أنا تماما. فمن خلال تلك اﻷحداث التي عشتها و رأتها عيني وسواء كان تحليلي لها لفهمها صحيحا أو خاطئا كانت نتيجتها واحدة وهي أن أتابع سيري في تلك الطريق التي مشيت بها منذ نعومة أظفاري. فمنذ أن وعيت على هذه الدنيا كنت أشعر بأن الله أنعم علي شيئا يوقظ في النساء عاطفة غريبة أراها في نظراتهن في تلك البسمة التي ترتسم على وجههن لتجعل كل منهن تنجذب نحوي لتقول لي بصوت ناعم (ما شاء الله) ولتتداعب بأناملها بحنان شعر رأسي، ولا أدري لماذا منذ أن وعيت على الدنيا وشيئا ما في داخلي يجعلني أشعر بإستمرار بأن هذا الكائن الذي يدعى إمرأة هو كائن معذب في اﻷرض، مهضوم الحق ، رغم أن معاملة أبي ﻷمي كانت على أحسن ما يرام، لا أدري ، فشعوري هذا عن الظلم الذي يحدث في حق المرأة كان شعور دائم لا يفارقني أبدا، ربما سببه قد بدأ مع حادثة حصلت معي عندما كنت في السنتين من عمري. حادثة قد يرى البعض عدم وجود أي علاقة مع الموضوع الذي نتكلم عنه ،ولكن ترجمة إحساس الطفل ﻷحاسيسه تختلف نهائيا عن ترجمة الكبار.

حيث سيدة عاقر عندما رأتني مع أمي وإخوتي ننتظر في محطة القطار لم تستطع أن تقاوم إحساسها وعندما رأت أمي تلتهي باﻹهتمام بأخي أخذتني في حضنها وهربت. هذه الحادثة سمعتها وأنا طفل من أمي مرات عديدة وهي تقصها على بعض النساء ، وسمعتها مرة من أبي وهو يقصها على صديقه الطبيب ( أبو ماهر ) في عيادته عندما مرضت وكان سبب مرضي حسب رأي أمي ضربة عين. فعندما سمع أبي الطبيب يقول عني ( زوجتك معها حق أن تؤمن بضربة العين،فإبنك بوجهه هذا يسحر قلوب النساء ) ،عندها أخبره أبي عن حادثة خطفي بالتفصيل، فكما أخبره ،عندما لحق بالمرأة لم تعرف أنه والد الطفل الذي خطفته ، كانت فرحة جدا وكأنها تعيش حلم ، وعندما مد يده ليأخذني منها راحت تدعي أنني إبنها ورفضت أن تعيدني ﻷبي وكأنها صدقت نفسها بأنها هي أمي، وأتى بعض الناس ليساعدوها ظانين أن أبي يريد خطف إبنها منها. وكماذكر أبي بأنه تأثر كثيرا لحالتها عندما رأها تبكي وتتوسل له بأن يتركني لها ﻷكون إبنها وستعطيه أي مبلغ يطلبه منها، ﻷنها بلا أولاد بينما هو لديه أولاد آخرين.

لا أدري إذا كان سماعي لهذه الحادثة مرات عديدة هو الذي جعلني أتصور وجه تلك المرأة وهي تنظر إلي وتبكي ، أم أن وجه هذه المرأة وأنا أراها في تلك اللحظات عندما كنت في السنتين من عمري هو الذي ظل في أعماق روحي ليجعلني أشعر بذلك اﻹحساس عن المرأة بشكل دائم. إحساس رؤية وجه حنون تملأ عيونه الدموع ينظر إلي ويتوسل ،لا أدري ، وربما ساعد في ذلك إنتحار الطفلة سعاد التي أرادت أن تكون لي بمثابة أم أثناء وجودي في شارع الحي ، ليقوى هذا الشعور في داخلي ويتحول إلى رمز يعبر تماما عن حقيقة عما تعانيه المرأة في عصرنا الحديث. ولتأتي بعدها السيدة أم جورج لتحل مكان الطفلة سعاد ﻷراها وهي تسير على العكازة بأرجلها المنتفخة وكأن روحها تقول لي بما معناه بأن الوضع العام في هذا العصر قد أصبح قاسي جدا على المرأة وأنها لن تستطيع السير لتتابع طريقها إذا لم يحدث تصحيح وتغيير جذري في هذا الوضع. ومع هذا الشعور كنت أشعر وكأنهن يطلبن مني أن أساعدهن في تحقيق هذا التصحيح ، فكثير من المرات سمعت بعض النساء يقلن ﻷمي ( جميع أولادك لك ،ولكن إبنك هذا لنا ) هذه العبارة لم تسمعها فقط أذني ولكن شعرت بها روحي أيضا من الكثير من النساء من خلال تعابير ملامح وجههن وهن ينظرن الي.

عدا عن تلك النعمة التي وضعها الله في معالم وجهي. أنعم علي بشيء آخر وهو عائلتي التي كانت تتألف من أفراد عديدة وكل فرد منها كان يحمل موهبة مختلفة. فأخي الكبير مثلا كان يرسم لوحات زيتية جميلة من يراها لن يصدق أنها رسمت من فتى في الرابعة عشر من عمره فقط ، فكان يكفي لي أن أراه وهو يرسم ﻷكتسب أنا أيضا شيئا من هذه الموهبة، وهكذا سرعان ما إكتسبت مواهب عديدة من أخوتي اﻵخرين، مواهب أعطتني شيئا أستطيع به جذب جميع اﻷنظار وخاصة النساء واﻷطفال وأجعلهم يتساءلون مع أنفسهم عن طبيعة هذا الطفل الذي عدا عن شكله إستطاع جمع مواهب تسعة أطفال في طفل واحد. فالجميع كان يعلم بأن وجودي في مكان معين كان يحذف وجود جميع اﻷطفال من حولي في ساحة رؤية اﻵخرين وخاصة النساء. فاﻷمر لم يكن موضوع طفل جميل، فكلمة جمال كانت كلمة فقيرة جدا لوصف ما يحدث ، وقد شاءت اﻷقدار أن أفهم ذلك منذ كنت طفلا فنسبة الجمال في أطفال الحي الذي كنت اسكنه كانت مرتفعة جدا ،حيث كل طفل من حينا أثناء وجوده في مكان آخر كان يشعر بأنه أجمل من بقية اﻷطفال، و الغريب في اﻷمر رغم أنه كان يعلم تماما بأن وجودي معه سيحذف وجوده في نظر اﻵخرين كان لا يشعر نحوي بأي حقد وكأن روحه نفسها كانت تعلم بأن جميع تلك المميزات التي أنعم الله علي لم أكن أستخدمها لتحقيق غرور ال "أنا " ولكن في سبيل تحقيق سعادته هو وسعادة اﻵخرين.لذلك كان بدلا من أن يعرقل أهدافي ليظهر هو بدلا مني ، كان يساعدني ﻷقوم بها على أكمل وجه.

والغريب في اﻷمر أيضا أنني منذ كنت طفلا كنت أشعر بأن كل هذه المميزات التي تبهر عيون اﻷخرين هي من المرأة ويجب أن تذهب لصالح المرأة. فشدة ملاحظاتي لما يحدث حولي كان يساعدني على تصفية نفسي من كل الشوائب السلبية التي كانت تحاول الدخول إلي واﻹحتفاظ بالمميزات اﻹيجابية فقط. فمثلا عندما كنت طفلا وعندما يحدث شجار باﻷيدي غصبا عني مع أطفال من الحي المجاور كنت أستطيع بالحيلة اﻹنتصار على أطفال أكبر مني سنا وحجما، هذه الميزة ، ميزة الفوز في الصراع الجسدي مع اﻷطفال اﻵخرين رغم أنها كانت تدهش اﻷطفال والرجال لم أحاول نهائيا تطويرها ﻷنها لم تعجب النساء فقد لاحظت أن أبغض اﻷشياء بالنسبة للنساء أن يشاهدن مشاجرة باﻷيادي بين اﻷطفال أوالرجال وفي كثير من اﻷحيان كن يشعرن بالخوف ويتحول لون وجههن إلى اﻷصفر.

أذكر مرة كنت مع أصدقائي في الشارع فشعرت بالعطش ورغم أني كنت أتحمل الجوع والعطش ولا أترك رفقة أصدقائي لمثل هذه اﻷسباب ولكن في ذلك اليوم لا أدري لماذا وجدت نفسي أصعد إلى البيت. كانت أمي نائمة وكانت أخواتي مع بنات الجيران في غرفة الضيوف ، وعندما دخلت المطبخ رأيت المجلى مليء بالصحون ، ففكرت أنه عندما تستيقظ أمي وتأتي إلى المطبخ سترى هذه الصحون بأنها غير مغسولة ستزعل وتغسلها هي بنفسها. وحتى لا أعكر لحظة إستيقاظها بدأت بغسيل الصحون، بعد لحظات أتت أختي إلى المطبخ فإستغربت دخولي البيت بدون أن تشعر، ثم تركتني وعادت إلى صديقاتها ، وبينما كنت أتابع غسل الصحون شعرت بأن أحد يراقبني فالتفت إلى باب المطبخ رأيت أختي ومعها فتاة من الحي المجاور ، ينظران إلي، فضحكت أختي قائلة لها ( هل رأيتي ما يفعله أخي، مثل أخي لن تجدي في كل العالم ) وتابعت كلامها قائلة لي وهي تشير إليها ( أعرفك على صديقتي تعمل مضيفة في خطوط الطيران السورية وهي معجبة بك جدا وتريد ان تراك عن قرب منذ زمن طويل ) ورأيت صديقتها تنظر إلي مندهشة ثم ترسم إشارة الصليب على وجهها لتطرد عين الحسود عني كما يفعل المسيحيين عادة ، وقالت ﻷختي ( سبحان الله كلما أرى أخوك هذا يجعلني أشعر برعشة تسري في جسدي لكل شيء يفعله ).

قد يتساءل البعض وخاصة الرجال هل من ممكن أن يكون رؤية فتى صغير يغسل الصحون أن يؤدي إلى هذه الدهشة ؟ الموضوع هنا ليس موضوع غسل الصحون ولكن عملية غسل الصحون هنا أخذت معنى رمزي، يمثل مساعدة الرجل في أشغال البيت ، فما شعرت به هذه الفتاة قد تشعر به كل إمرأة عاملة ، فنحن نعيش في عصر تشعر المرأة فيه أنه يجب عليها المشاركة في بناء جميع نواحي المجتمع من جديد، ولكن حتى تستطيع القيام بدورها على أكمل وجه يجب عليها أيضا أن لا تخسر دورها في تكوين عائلة سعيدة ولتستطيع القيام بالدورين بنجاح في البيت والعمل يتطلب من الرجل أن يشاركها هو أيضا في أعمال البيت ﻷن أعمال البيت لوحدها تحتاج إلى جهد و ساعات غير قليلة.

أشياء عديدة والتي بعضها قد تبدو بسيطة وربما بسيطة جدا في نظر الرجل يمكن أن تؤثر في روح المرأة ليس ﻷنها كائن ساذج كما يعتقد بعض الرجال ولكن ﻷن هذه اﻷشياء البسيطة يمكن لها أن تمدها بالقوة لتستطيع أن توفق بين واجبات عملها وبين واجباتها كأم وكزوجة. وربما سبب شدة إعجاب النساء لكل ماكنت أفعله لم يكن سوى إحساس روحي يعبر عما تحتاج إليه روح المرأة من الرجل. فكل ما كنت أحاول أن أفعله عندما كنت فتى صغير هو أن أظهر لها صورة عن اﻹبن المثالي، وعندما كبرت ودخلت المرحلة الجامعية تحولت هذه الصورة في عيون الفتيات إلى صورة فارس اﻷحلام المثالي الذي سيكون شريك حياتها ووالد أبنائها. فأهم ما تريده المرأة من الرجل هو الشعور باﻷمان وهذا الشعور لا يعني قوة جسدية كبيرة تحميها من اﻷعداء ولكن أن تستطيع معه تكوين بيت هادئ ذو بيئة مثالية يسمح لها بتربية أطفالها على أحسن ما يرام لتضمن لهم مستقبلا سعيدا.

وشاءت اﻷقدار أن يكون في كل شيء يحدث معي ليزيد الدهشة في عيون اﻵخرين أن يصاحبه شيئا ، ربما هو حسن الحظ أو ربما هو شيء آخر لا أستطيع تسميته سوى التدخل إلهي. مثلا إحدى المرات أحد كبار رجال اﻷعمال من مدينة أخرى قد سمع عني أشياء عديدة وﻷنه كان لديه إبنة يحبها حبا جما، لها من العمر في ذلك الوقت كان 16 عام ، فأول ما فكر به هو أن يستطيع ان يجعل ذاك الشاب الذي يحمل جميع تلك المواصفات أن يكون زوجا ﻹبنته ليضمن لها حياة سعيدة إلى اﻷبد. فأتى إلى حلب وأتصل بأهلي ليسألهم عن العنوان ليأتي لزيارتنا ويراني عن قرب ليتأكد جيدا مما سمعه عني. فطلبت مني أمي أن أذهب إلى ساحة البريد القريبة من البيت ﻷنتظره هناك وآتي به إلى البيت. فحملت نفسي دون أن أعرف لا أنا ولا أهلي عن السبب الحقيقي لهذه الزيارة. وأمام مدخل مبنى البريد وقفت أنتظره ولم أنتبه أنه كان على الطرف اﻵخر من الساحة ينتظرني داخل سيارته وعندما رأني أراد أن يأتي إلي مباشرة ولكن قبل أن يشغل السيارة ليأتي إلي ،حدث شيء جعله يتوقف ويراقب ،ففي تلك اللحظة مرت أمامي فتاة بعمري تقريبا ويبدوا أن معالم وجهي قد أثارت عواطفها ،فعادت وإقتربت مني وجعلت نفسها وكأنها تسأل عن عنوان مكان ما ،ورغم أني شعرت أن سؤالها كان حجة لتتكلم معي ولكني جعلت نفسي وكأنني لم أفهم شيئا من سلوكها وأخبرتها عن المكان الذي تبحث عنه. فشكرتني وذهبت ولكن ما أن خطت عدة خطوات رأيتها تعود إلي وتتظاهر وكأنها لم تفهم جيدا عنوان المكان،فشرحت لها ثانية بشكل مفصل عن المكان فشكرتني ثانية وتابعت طريقها ولكن ما أن خطت بضع خطوات حتى رأيتها تعود إلي وتتوسل لي أن أذهب معها ﻷنها تخشى أن لاتعثر عليه. فإعتذرت منها وأخبرتها بأنني أنتظر شخص ولا أستطيع أن أغادر المكان فقد يأتي ولا يراني. ولكنها ظنت أن هذا الشخص الذي أنتظره هو صديقي وأنه لن يحدث شيئا إذا أتى ولم يراني فراحت تطلب مني أن أذهب معها . فإعتذرت لها وأخبرتها بأنني لا أستطيع أن أساعدها أكثر مما فعلت لها ، فذهبت ولكن ما أن سارت أربع أو خمس خطوات رأيتها تلتفت إلي وتبتسم وتنظر نظرة توسل لعلني أعطف عليها وأذهب معها ، في تلك اللحظة شغل الرجل سيارته وأتى وصفها أمامي فعرفت الفتاة أنه الشخص الذي أنتظره فتركتني وذهبت ،أما هو فراح ينظر إلي و يتمعن في وجهي وهو لا يصدق ما رأته عينيه. ففي تلك الفترة الزمنية كانت اﻷمور مختلفة نهائيا عما هي عليه اﻵن. . أن تتوسل الفتاة إلى الشاب لتتعرف عليه كان من المستحيلات.

هذه الحادثة التي رآها الرجل بأم عينه جعلته يصدق كل ما سمعه عني وبدلا من أن نذهب إلى بيتنا ذهبنا إلى بيت آخر ،هناك رأيت إبنته التي لم تكن على علم بما يفعله والدها من أجلها .ومن ثم عدنا إلى البيت فتركته مع أهلي ودخلت غرفتي ﻷقرأ أحد الكتب. بعد قليل رأيت أختي تدخل الغرفة وهي فرحة تبتسم لي قائلة ( هل رأيت إبنته ؟) فإستغربت سبب سؤالها ولكني أجبتها بنعم فسألتني عن شكلها فأخبرتها بأنها صغيرة وجميلة فزادت بسمتها وسألتني ( هل تعلم لماذا أتى لزيارتنا ؟ ) فأجبتها بكلا فضحكت وقالت لي ( ليخطبك ﻹبنته ) في تلك اللحظة رأيت أمي تدخل الغرفة وهي تبتسم وكأنها لا تصدق ما يحدث وسألتني (ماذا نقول له ؟) فقلت لها بأنه يمزح لا أكثر ولا أقل، وبعد لحظات رأيته يدخل الغرفة ليخبرني بأنه لا يمزح وأن الموضوع جدي وأنه فعلا يتمنى أن أكون زوجا ﻹبنته وبأنه بعد تخرجي من كلية الزراعة سيساعدني برأسمال كبير يسمح لي أن أفتح مدجنة ضخمة ،تؤمن لي ولزوجتي حياة ومستقبل سعيد، وطلب مني أن أفكر بالموضوع جيدا فإذا وافقت فما علي إلا أن أرسل له جوابي. فأخبرته بأنني كنت أفكر بعد حصولي على الشهادة متابعة دراستي خارج القطر ، ولكن سأفكر في الموضوع. وأخبرته أيضا أن الزواج هو في كل اﻷحوال (قسمة ونصيب ) وتمنيت ﻹبنته حياة سعيدة سواء معي أو مع غيري.

هذا الخبر طبعا سمع به معظم سكان أهل الحي. ورأيت أصدقائي في الحي يقولون لي (مبروك ع الخطبة ) وأم جورج تقول لي : (إياك أن تقبل هذا الزواج وتبتعد عنا ... قلت لك بانني سأختار لك فتاة جميلة مسيحية وسأبحث لك هذه المرة عن واحدة غنية أكثر من تلك التي يعرضوها عليك ).

لا أدري كيف ومن أين أتت لي فكرة الخروج من القطر لمتابعة دراستي في دولة غربية ، فمنذ أن دخلت المرحلة الجامعية شعرت أن أهم مخططات حياتي المستقبلية هو الذهاب إلى دولة غربية ، فحسب ما كنت أشعر به هو أن نصف القاعدة العلمية التي أحتاج إليها ﻷستطيع أن أحصل على تفسيرات صحيحة لجميع الإستفهمات التي كنت أبحث عنها موجودة في منطق العلوم الغربية ،هذا الشعور ، الشعور بأنني سأغادر القطر لفترة قد تمتد عدة سنوات صنع حاجزا يمنعني من إقامة أي علاقة مع أي فتاة . وﻷني كنت على يقين كامل بأن أي فتاة أعجب بها لن ترفضني، وأن مفتاح هذه العلاقة هو في يدي ﻷن جميع الفتيات كن يتمنين أن أكون من نصيبنهن ، لذلك كنت أتهرب من إقامة أي علاقة مهما كانت مع أي فتاة ، ورغم أني كنت أراقب وأحلل كل حركة وكل ردة فعل يقوم بها هذا الكائن الذي يدعى إمرأة ،شيء واحد لم أعطيه أي أهمية في تحليلاتي وهو شعورها نحوي ، فقط كنت أعلم من خلال تلك اﻷحداث التي حصلت معي هو أنني شاب محظوظ ، محظوظ جدا مع النساء.

في الكلية كنت أتحدث وأتناقش مع زميلاتي وكثيرا من اﻷحيان كنت أجلس معهن في كافتيريا الكلية أثناء اﻹستراحات لنشرب فنجان قهوة أو شاي. ورغم ذلك لم يذهب فكري نهائيا في تحليل فكر وتصرفات أي زميلة ﻷعرف شعورها نحوي. ولكن ومع ذلك شاءت اﻷقدار أن أسمع وبتفصيل كل شيء يتحدثن به زميلاتي عني في الكلية. حيث إحدى الزميلات رغم أن شعورها نحوي لم يكن سببه رغبتها بالزواج مني ﻷنها كانت أكبر مني سنا ولكن إعجابها بي كان إعجاب عام، إعجاب إمرأة بصفات رجل مثالي من جميع النواحي، فأخبرت شقيقتها عني وذكرت لها أشياء كثيرة أثارت فيها الفضول لترى هذا الطالب الذي يحمل جميع هذه الصفات ،فقررت أن تأتي مع شقيقتها إلى كلية الزراعة لتراني عن بعد دون أن أعلم أنا بشيء ،وشاءت اﻷقدار أيضا أن تكون شقيقتها طالبة في كلية العلوم قسم الرياضيات وهذه الكلية كانت بجانب كلية الزراعة فأخبرت زميلتها هناك أيضا لتأتي معهما لترى ذلك الشاب المقصود. عند وصولهن إلى الكلية ، في تلك اللحظات كنت واقفا مع بعض الزملاء على مدخل الكلية. وعندما رأتني زميلتي أشارت لشقيقتها وصديقتها عن مكان وجودي لتشاهداني ، فسألتها صديقة أختها ( تقصدين ذلك الشاب الذي يلبس. ......) فأجابتها زميلتي بنعم فسألتها عن أسمي فأخبرتها ، ومباشرة راحت تناديني ، بينما الشقيقتان وقفتا مندهشتان من تصرف صديقتهما الغريب، فإتجهت نحوهن وما أن وصلت إليهن رأيت صديقتهما تقول لي وهي تحرك بكفها أمام وجهي وكأنها معلمة تؤنب تلميذ مشاغب( ماذا تفعل بزميلاتك بالكلية ألا تخجل على نفسك ؟ ) ظلت الشقيقتان واقفتان كالصنم بدون أي حراك خجلات مما تفعله صديقتهما. ثم إلتفتت نحوهما وفقعت من الضحك قائلة ( هل تعرفان من هذا الشاب؟..... هذا أخي ) ضحكت شقيقة زميلتي هي اﻷخرى على هذه المصادفة العجيبة، أما زميلتي فقد إحمر وجهها خجلا ﻷنها علمت بأن أختي ستخبرني بكل ما حدثتها عني. وفعلا عندما عدنا إلى البيت قصت أختي على أمي الحادثة تماما كما ذكرتها هنا.

في مرحلة الدراسة الجامعية ورغم محاولة العديد من الفتيات ﻹقامة علاقة عاطفية معهن كنت أتصرف وكأنني لا أفهم من سلوكهن شيئا ،لذلك بقيت جميع علاقاتي مع الفتيات علاقة أخ مع أخته أو زميل مع زميلته لا تتعدى حدود الزمالة. ولكن عندما ذهبت إلى مدينة دمشق لتأدية الخدمة العسكرية وجدت أن جميع الظروف من حولي تتغيير بشكل كبير وتفرض علي تغيير سلوكي نحو النساء سواء شئت أم أبيت...

يتبع