الحب عاطفة إنسانية مصوغة من رَوْح الله
أوراق لم تسقط سهوا (13)
فراس حج محمد /فلسطين
كِلانا مُظهِرٌ لِلناسِ بُغضاً |
وَكُلٌ عِندَ صاحِبِهِ مَكينُ |
وَأَسرارُ المَلاحِظِ لَيسَ تَخفى |
وَقَد تُغري بِذي اللَحظِ الجُفونُ |
وَكَيفَ يَفوتُ هَذا الناسَ شَيءٌ |
وَما في القَلبِ تُظهِرُهُ العُيونُ |
ما أبدع ما قاله البحتري في هذه المقطوعة الرائقة الجميلة! وعلى الرغم من أننا في عصر غير عصر البحتري، إلا أنه ما زال يتحدث عن طبيعة النفس البشرية التي لم تغيرها الأفكار الجديدة المتعددة، فما زال العاشقون يخشون الناس ومراقبتهم، ويتوارون عن العيون، فمن منهم يجرؤ على أن يعيش حبه في النور يتنفس نسيم الصباح ويعانق ضياء الشمس، ويتسامى في آفاق الرؤى الكاملة المتكاملة، والتي يتخلص منها الإنسان من أوهام شر النفس وفداحة العلاقة المريبة بين المرأة والرجل.
ما أبدع ما قاله البحتري! الذي لخص المأساة وقد عاشها، كونه إنسانا ذا مشاعر طافحة بالحنين، فقد تظاهر وتظاهرت بالبغض والخصام، تورية وإبعادا عن كل ما يأتيهما من غريب الأفكار والتفسيرات، فما زالت الناس كما عهدها البحتري تشك في المشاعر النبيلة التي شكلها الحب الطاهر العفيف، لقد أنكر الناس طهارة القلب وصفاء الروح، ولم يعد بمقدورهم إلا النظر بمنظار أسود حاجب للحقيقة والأمل.
ولكن، هل يستطيع المحب العاشق أن يكتم سره، ويداري شوقه، لا بد أن العاشق مفضوح، لا يفلح في إخفاء مشاعره مهما حاول إلى ذلك سبيلا، ومهما تحلى بكل أنواع الذكاء العاطفي والبيني والاجتماعي، فإن الحب مثل النور لا يمكن إلا أن يبدو ويظهر ساطعا، متجليا في بريق الوجد في عيني كل عاشق، وفي خفقان قلبه المتسارع، حتى لتكاد تسمع تلك النبضات، وتحس بخروج القلب من مكانه ليصافح المحبوبة بكل ما أوتي من شوق ووله. إنه الحب والضياء والطهارة والنقاء، فيا ليت قومي يعلمون بأن الحب عاطفة إنسانية مصوغة من رَوْح الله معزوفة على أوتار الوجود، فلا حياة بغير حب، ولا بد أن يتصالح الناس مع الفطرة وسليم الخلقة!!
جميل ما أبدعه البحتري في هذه الورقة بأبياتها المترنمة بآمال الحياة بأصفى مشاعرها، وأتمنى أن يأتي زمان ليقول شاعر آخر غير منتقص من قول البحتري أو ناقض له، ولكنه يعيش زمنا جديدا بأفكار جديدة وتطلعات جديدة، يا ليت ذلك الشاعر يأتي ليقول:
كلانا مظهر للناس حبا |
عظيما غامرا أركان نفسِ |
فلا نخشى الملامة من أناس |
يعيش الحبّ في زهو وأنسِ |
فما في النفس أو في العين يبدو |
عيانا شارحا كمتون طرْسِ |