لقد أتى الخريف يا شهرزاد
فراس حج محمد /فلسطين
تتجددين يا شهرزاد الأماني والأمل، مثل الحكايات المتوالدة من رحم الواقع الذي يدخلنا في دهاليزه، فنتوه إلا قليلا، نبحث عن أنفسنا وتمنياتنا، فلا نجد لها ظلا ولا شبحا، فلا تلوح في الآفاق بوارق من حياة إلا على هدي النفس التي اقتنعت بأن تغير من واقعها، فلا تريد أن تظل محبوسة في قمقم الماضي الذي يزعجها، تريد أن تتنفس نسائم الصباح الفواحة بالعطور، تريد أن تخلص في عملها فتتقنه على أكمل وجه، تريد أن تقاوم العبث والفساد، تحلم بالتغيير فتصنعه، فلقد صار الواقع مؤلما إلى درجة التخدير، فلا بد يا شهرزاد الهدى من توجيه البوصلة لإنقاذ العالم من وهدته التي يعيش فيها لينطلق نحو الحرية والأمل والحياة الكريمة.
إنني يا شهرزاد أريد أن أتغير، أريد أن يشعر الإنسان الذي يستكن بداخلي بقيمة نفسه، لا مجرد رقم في إحصائيات الدولة، يصففها الأتباع والموظفون في سجلات الحياة والموت، وفي سجلات السجون والمعتقلات.
أريد أن يحس الإنسان إحساسا طبيعيا أنه حر في هذا العالم؛ يقول ما يريد، ويكتب ما يريد، ويتصرف كيفما يريد، بعيدا عن إرادتي ومشيئتي، وأي إرادة بشر مهما كانت سلطته، فإن ظل الناس أسرى الغواية والخوف، فإن هذا يزعجني ويتعب خاطري، فلم تعد لعبة السيطرة تغويني وتسعد روحي، فلا بد للناس أن تتغير، فإن لم تتغير فإنها حتما ستفنى، ويلفها العدم.
لقد أتى الخريف يا شهرزاد لا ليسلبنا الأمل، وإن تساقطت أوراقه، ولكنه ليعدنا بأوراق متجددة بعد حين نضرة خضراء يانعة، سالمة من كل أذى، بعيدة عن أيدي العابثين وأفكار الفاسدين، أتى الخريف ليخلصنا من أورامنا المرضية السرطانية الصفراء، ويكتبنا في ربيع قادم حالم بأن العالم ضوء وسعادة وأمل!!
لم يتسلل اليأس إلى رؤاي على هدير ريح الخريف العاصفة، ولم يتراءى لي الموتُ وإن وجدت أشجار حديقة القصر قد تخلت عن وشي لباسها، لأنني على يقين بأن القادم من زمن سيعطيها بهاء ورونقا أمتع وأجمل، لن يشقي روحي بعد الآن إلا سكون الناس وموت أمانيهم وخواطرهم وانكسار قلوبهم، فيا ليتهم يتعلمون من الطبيعة المتجددة، ففي دورات حياتها أعظم حكمة وأجل فلسفة، فأين من يحسن القراءة في كتاب الكون كما يحسن القراءة في الأسفار التي هدتها أوجاع أفكار الفلاسفة والمفكرين دون أن تجد من يضعها موضع التطبيق في عالم يحتاج إلى الحياة والماء والأزهار والوجوه الحسنة وإلى الأخلاق والمعاملة الطيبة، بعيدا عن أوصاف تقلق الروح وتزعجها.
إن الإنسان يا شهرزاد - مهما كان سيئا- لن يكون شيطانا أبدا، وإن لفيه نفحة من روح الله تقربه - إن شئنا- إلى الملائكة الأبرار، هذا درس تعلمته منكِ أنت في حكايتنا الثالثة بعد الألف، وستظل حكمة بالغة الأثر لن تزول، فلست بيائس أبدا، وما زلت راكبا شراع الأمل، ولست أريد أن أصل إلى شواطئ اليأس التي تفقد الإنسان هدايته وبوصلته، فما زال في الأفق متسع لبعض حياة من جديد الآمال والأمنيات.
دمت بخير يا شهرزاد فلقد علمتِني الحكمة والتواضع وصناعة الأمل، فلن تجفّ أوراقنا مهما كان الخريف قاسيا، وسيكون هناك ربيع قادم يحملنا بأجنحته لنرى عالما أجمل في دنيا الناس ودنيانا، فكل ليلة وأنت بألف ألف حكاية تسكنين وفي خاطر الزمان تعيشين، دمت دوام الربيع أيتها الربيع.