خريف باب العامود
إبراهيم جوهر - القدس
يومي بدأ عند (الفجر الكاذب) الذي يسبق (الفجر الصادق) .
حركة رياح تحمل برودة منعشة تذكّر بأجواء الخريف .
(هل بدأ الخريف مبكّرا هذا العام ؟ )
في الخريف عادة تنتقل الحياة من أجواء الصيف إلى الشتاء بلياليه الباردة التي كانت تحمل الحكايات والمؤانسة قبل انتشار المسلسلات التركية والفضائيات المغناجة !
أوراق الدالية الوحيدة جارتي وأنيستي على الشرفة المفتوحة تطفر وتتساقط بفوضى قد تكون مزعجة لغيري ، لكني أحبها !
استمرت حركة الهواء البارد حتى موعد شروق الشمس . تأخر ظهور شمس هذا النهار بفعل الغيوم المتراكمة في الشرق حيث الشروق المنتظر .
ما زالت تحية صديقي الشاعر ( محمد ضمرة ) منذ الليلة الفائتة تعيش في أحاسيسي . أوصاني :
(سلّم على باب العامود كلما مررت به وقل له : الطفل الذي ضاع عند أعتابك يهديك السلام ...)
كيف أنقل السلام ؟ والسلام أمانة ، والأمانة عرضت على السماوات والأرض فأبينها وحملها الإنسان ... كيف لي أن أوصل السلام إلى الباب الذي شهد ضياع الطفل (محمد ضمرة ) ؟!!!!
هل توصل القصائد السلام ؟ أم الدموع ؟ أم صفحات الذاكرة الحية ؟
( سأل محمود درويش صديقه سميح القاسم عن "الخروبة" ؛ أخبارها ، وحالها ، والذين مروا عنها ومن تحتها وحكوا حكاياتها ) ، لماذا تحضر الأشجار والحجارة والناس والتاريخ حين نتذكر الوطن ؟
عدت بالذاكرة إلى صورة ذاك الطفل الممسك بيد أبيه وهو يتخطى درجات باب العامود بخوف ، واستغراب ، ومراقبة لكل شيء و.... تمعّن في الحجارة المبهرة والناس الكثر . ذاك البريء العاشق كان أنا ، فبقي هناك منذ ذاك الزمن الجميل .
منذ اليوم سأوصل السلام في كل جولة على الباب ، وسأسأل عن الطفلين ؛ ذاك الذي أضاعه الزحام ، والآخر الذي يبحث عن صورة كانت له .
اليوم مضى بأجوائه الخريفية . في الخريف المبكر تحضر الغرابة ، ودموع الغيوم المتهيئة ، والذاكرة الحية ، والأوراق التي تأبى السقوط .