هموم في سيطرة التكنولوجيا والعالم الافتراضي

ماذا يخطر في بالك؟

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

سؤال دائما يطرحه عليك مربع الحالة هنا في الفيس بوك، لتكتب مشاركتك في هذا المربع، ولو أردت أن تجيب عن هذا السؤال، فماذا تكتب؟

من المؤكد أن كل واحد له ما يخطر على باله، وما يعن على خاطره، وخاصة وهو متسمر أمام جهاز الحاسوب الذي أصبح سارقا لنا من أنفسنا وعائلاتنا والناس أجمعين، شيء يشبه الإدمان، أو قل إنه الإدمان نفسه، فمن منا يستطيع أن يضبط نفسه ولا يقوم بفتح الحاسوب في اليوم عشرات المرات؟ ومن منا يستطيع أن يمر يومه دون أن يتفقد صفحته على الفيس بوك وتويتر وجوجل بلس، وغيرها الكثير، ناهيك عن الموقع الشخصي أو المدونة وأخيرا البريد الإلكتروني؟

كلها أضحت اهتمامات على سلم أولوياتنا، وزاحمت العمل والجلوس مع الأصدقاء والأحباب، حتى وإن ضمك مجلس مع بعضهم فإنك لا تترك هذه العادة، سيصحبك بكل تأكيد جهازك (اللاب توب)، لتعطيه عقلك وتفكيرك، ولمحدثك شخصك وحضورك الخاوي من العاطفة والاحتفاء والمشاركة الفاعلة.

قديما وبعد انتشار الفضائيات، كان التلفاز لصا اجتماعيا بامتياز، لا يزاحمه في هذه اللصوصية أي وسائل أخرى، أما الآن فقد ازداد عدد تلك الوسائل اتساعا وغدت أكثر سهولة، فعدا الحاسوب فإن جهازك الجوال (الخلوي) هو الآخر لص ذكي وخفيف الظل، تعبث بأزرار حروفه وهو مختف بين يديك توزع ابتساماتك على محدثيك، فيظنون أنك معهم، وإذا بك واقع تحت تأثير منوم الرسائل النصية وما احتوته من نكات وأباطيل أو ملخصات وأعاجيب، كل ذلك يحدث تحت سمع الناس وبصرهم، والعجيب والغريب أن لا أحد يعترض. أتدرون لماذا؟ لأن الكل يمارس تلك الطقوس العبثية التي تزيد الهوة بين المعارف والأصدقاء والأحبة، فهل من مخرج يا ترى من هذا الكابوس الإلكتروني المزعج؟

تدل الإشارات الواردة من مواقع حياتنا المعاصرة، والتي يتأكد حضورها يوميا أن الأمر في ازدياد وتطور، فقد اتخذت كل شركات الأجهزة الإلكترونية من هواتف نقالة وإنترنت وحواسيب على عاتقها مهمة تطوير تلك الأجهزة وتلك الأساليب لتشدك أكثر وأكثر بأمراسها نحو شاشات تبرق لك بكل ما هو جديد في عالم ترسيخ الفردية والأيقونات المتناثرة من أسرة واحدة يجمعها سقف البيت الواحد ليس أكثر، فكل فرد فيها سابح في عوالمه الخاصة لا يكاد يشعر بمن حوله؛ من أبيه وأمه وإخوته وزوجته وأبنائه، حتى مائدة الطعام لم يعد لها ذلك السحر المؤلف للقلوب، فالكل يأكل بنهم وعقله شارد حيث تركه أسيرا في أجهزته الإلكترونية!!

المسألة مهمة وخطيرة، ولكن من هو على استعداد أن يتحرر من قيوده الإلكترونية بقوتها الناعمة ليكون حرا من كل قيود، تدفعه للسير في طريق الفردانية والتشيؤ؟ مطلب غدا عسيرا علينا أن نحققه في ظل حياة لا تحركها إلا التكنولوجيا والأجهزة الباردة! في مواقع التواصل الاجتماعي، وهل تستحق هذه المواقع هذه الصفة من التواصل؟ فأين ألفة المحبة والتآلف والاجتماع؟ أم أن في الأمر خديعة وتلاعب في المفاهيم والمسميات؟ أم أن المجتمع هو فقط مجموعة أفراد متناثرين لا يجمعهم فكر ولا نظام ولا مشاعر سوى لحظات افتراضية في مواقع الاجتماع الافتراضي، لنظل أناسا محتملين وافتراضيين؟؟