جدائل الزعفران..
سمر مطير بستنجي
الشمس عجوز تشاكسها رعشة الأفول..جلست على حافة الغياب تكتب مواويل الوداع ليوم لن يعود..وتخلط من بقايا نورها حناءا نحاسيّ البهجة للحسناوات المسترخيات بدلال على أرائك الأديم يسرّحن جدائل الصِبا..فاستيقظ الشفق الغافي بتودّد في جيوبها ليرشّ سفوح الأفق ببذار الزعفران الشبيهة بلون الحنّاء المتدلّي من مجاليّ الشمس ؛ والملتصق تِحنانا بكفّ امي..
بدا النهار ينشقّ عن حزب الضياء..وتدفّق ليل العيد غزيرا يغازل بشقاوته القلوب التوّاقة لطعم الشجن..المكتظّة بالأحزان..بالحنين ..بالفقد بالتوق باللوعة .. بأسرار غائرات بذكريات شائخات عقيمات.
ليلي استثنائيّ يتقاسمه ملكوت ذو اتساع..من يُمناه تلوح دعابات الصغر ..وعن يُسراه تهبّ ريح صبا ولّى وعبر....وفي جوفه تصهل احصنة التوق لكل ما مرّ وخطر..
بين كفيه تركت جدائلي المنبعثة فتنة من لمسة شمس الطفولة ؛جدائلي الزعفرانية العابقة بالحنين من أنفاس أمي وقت جلست تسرّحها في ذات امسية عيد بهيّ..فنالني من رقّتها سِنة حتى تغشّاني نُعاس طويييييل العمر طويل.
وعن سنوات يناهزن كثير وجع كبرت..كبرت وإذا العمر باسط ذراعيه اليّ بالوصيد..وغابت شمس الطفولة وذرذرت ريح العمر انفاس الحنين من أمي واصطبغت جدائلي بلون الليل الحاقد على ألقي ..
وطالني أمر الفراق فأطعتهُ قسرا.
فيا ايها الشفق المطلّ على ارضي الحبيبة..!
أيها الشبيه بسنوات القي بحناء أمي بزعفران قهوتي ..!
إبقَ بارك الله بك متألقا فتيّا حارسا على جميل ذكرياتي ،ومرافقا لأوائل استهلال العتمة في جفون ليلتي..وكن دليلا لما تشتّت من بعضي وإماما على ما تبقى من كلّيتي..
تورّق على اكفّ السديم وتمدّد وعرّش وتسامى وافرد حقول الزعفران لأفتّش بين حزمها عن بقايا ضحكة سقطت مني هناك سهوا ،أو عن غمزة او شقاوة تطاولتُ بها على امي في ذيّاك المساء من العيد البعيد وقت كانت تجدّل جدائلي ؛ وتدعو لي وتغنّي.
اتخذني كأسا للعابرين بحثا عن عصائر العيد أو شراب الزعفران ..أو عاملا يمتهن رشّ سفوح الأفق ببذور الزعفران ،أو حتى نصّبني مُعاونا للشمس العجوز..
اشتريني بذرة تشتهي التناسل في ليالي العيد بهجة ..ولا تكن نذيرا لوجع لاحق أو سوف يأتي.
فقط..!لا تدع الزمن ينتزع الحنّاء من لون ذاكرتي...أو يرشّ بالبياض لون جديلتي،
يا سماء الطهر في بلدي..!
تألّقي بلون الشفق كلما دانى الغياب.. وناوليني الفرح كي أعيد ترتيب جدائلي المبتلّة بأنفاس أميّ فترضى عنكِ وعنّي..
رتّلي معي وملائكة الروح السابحة في ملكوتكِ آيات البعث والنشور لأعيذُني من مسّي برب الغسق .. ومن حزني .
انقذي ما تبقى من ضياء الكون؛ومنّي.. فلقد تطاول الظلام على حقول الزعفران حتى جفّت و تساقطت وناح الشفق الحنون وقت خاب في الأيام ؛ في الأنام ظنّي..
فقلد اعتنقتُ الفقد قَسرا حتى اعتنقني واجتاحَني وتطاول على ألقي وفنّي..
فقولي بربّكِ يا مساءات العيد في وطني..!
مَن تطاول على لون الفرح في زعفران الشفق المغنّي..؟؟
مَن بعثر جدائلي التي سرّحتها لي أمي وقت جلست تغازل الشفق في مساء العيد ولي تغنّي..؟؟
فإليّ ..رجوتكَ يا عيد بالفرح،بأنفاس أمي .. فلقد اعتنقتُ الفقد قسرا حتى تمادى واستفحل واحتلّني..
يا عيدا مرّ مرتبكا بوطني..
اليّ بأنايَ "الفقيدة " فلقد ماتت مذ فارقتكَ كُرها فترحّم ،أو فارحم ..فلقد بِتُّ من جنوني في الأفراح في الأتراح في الأعياد في المآتم..في الشتات أترنّح ألما وأتمايل جرحا ..
وبلا وعيٍ من أسايَ ومذ اعتنقني الفقد أغنّي وأعيد الغناء وأغنّي.