الدكتور (صبحي غوشة) كان هنا
إبراهيم جوهر - القدس
منذ يومين اتصلت بي الصحافية الشابة (لما غوشة) من مجموعة (بيالارا) الشبابية لإجراء لقاء للبرنامج (البيالاري) المتميّز (طلّات مقدسية) ، واليوم كان اللقاء .
عند الساعة الثالثة عصرا حتى السادسة قبيل المساء سألت وأجبت ، وصوّر (عبدالله) .
( مها) أعدّت أسئلتها إعدادا جادا ، وهي تمتلك إحساسا عاليا بالكلمة ومراميها .
كانت قد أنبأتني بأنها قرأت لي طويلا وبكت أطول وهي بصدد التحضير لأسئلتها .
أعرف لماذا يبكي الشباب ممن يمتلكون إحساسا بات غائبا في أيام السرعة والاغتراب والرفض .
الكلمة الصادقة حين تلامس عاطفة نقية تبكي . والقارئ الواعي حين يحس بالكلمة يبكي .
(مها) قرأت وجعي في اليوميات وبعض صفحات السيرة فبكت .
( حين اتصل بي برنامج " فلسطين هذا الصباح" وكانت المقابلة حول هذه اليوميات أدركت من أسئلة المقدّمين أنهما لم يقرأا منها شيئا ! ولم يعلما شيئا عن وجعها ! فكتبت زميلتي (حنان أبو دلو) يومها : لم يقرؤوك يا أبا إياس ...)
أن تجد من يحسن عمله ويتعب في سبيل احترام مهنته أمر يثلج الصدر . وأن تجد من لا يقيم وزنا لمهنته تعلم أن الخراب يعم وينتشر .
سألت (مها غوشة) وصوّر (عبدالله القضماني) ؛ شابان متحمسان ، متطوّعان ، حالمان ، باحثان عن الجمال ، والصدق .
حضرت المكتبة ، والذكريات ، والقدس ، والكتابة ، وندوة اليوم السابع ، وزملاء الوجع .
حضر الماضي البعيد الذي سبق التاريخ المعاصر . وحضرت نوافذ من الأمل ، وقليل من الفرح ، وكثير من الحزن .
(أنت تصرّ على أن تدفعني للبكاء ، قالت وأنا أخاطب الرسم الشخصي الذي أهدتنيه الفنانة (خلود صبحي) قبل أربع سنوات ).
في ختام البرنامج كان لا بد من المرور على قمة الجبل حيث المنتزه المشرف على أبهى منظر للقدس التي لفّعها الضباب وقتها .
هنا كنت أدرس للامتحانات النهائية العامة أيام المدرسة ، وهنا تعرفت على شجرة الخروب . وهنا مرّ (الدكتور الإنسان " صبحي غوشة" ) في أعقاب حرب حزيران برفقة متطوعي الصليب الأحمر لجمع جثث شهداء الجيش العربي الأردني الموجودة الآن في ضريح " الجندي المجهول" في باب الساهرة .
تذكّرت الطبيب الذي لم نكن نعرف أحدا سواه حتى سجنه وإبعاده ، وذكرت شيئا من سيرته لابني أخيه ( مها ومحمد) .
الطيبون يحفرون أفعالهم في الذاكرة والأرض .
ذاكرة المكان المطلّ على القدس وقد لفّها الضباب والدموع حضرت فورا .
اليوم كنت في برنامج (طلّات مقدسية).
اليوم التقيت شبابا وشابة فتحوا نافذة أمل في جدار حزني .
اليوم فتحت صفحة من ذاكرة الجبل .
اليوم كان الدكتور (صبحي غوشة) هنا على قمة الجبل .