نتكلم عن تجربة إسلامية قادمة للحكم 3

نتكلم عن تجربة إسلامية قادمة للحكم

تطمينات.. ولكن ممن؟! (3)

محمد السيد

[email protected]

قال تعالى: (( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)) الأنعام: 152

1_ مقدمة

أعتقد أن معظم الليبراليين والعلمانيين لا يعرفون الكثير عن الإسلام الذي تنتمي إليه الغالبية العظمى من الأمة، مع أنهم محسوبون على هذه الأغلبية، إلا أنهم غائبون أو مغيبون عن المعرفة الحقة وعن الفهم السديد لمن يسمونهم _غمزاً ولمزاً_ (الإسلاميين)! أو أهل (الإسلام السياسي)! ومن المؤكد أنهم قد فصلهم عن تلك المعرفة ظنهم الفاسد: أن الناس تبهرهم بعض الأفكار التي يستوردونها و (يرطنون) بها أمام الجماهير، مستكبرين، ومتعالين بها على الشارع العربي والإسلامي، وما دروا أن أفكاراً (يرطنون) بها هي السبب في ابتعاد الناس عنهم وإدارة الظهر لهم، وقد قيل في الأمثال إن الإنسان عدو لما يجهله. وقد انطبق هذا المثل عليهم؛ فهم لم يفهموا مغزى قولة الفرنسي من أصل لبناني "أنطوان صفير" في مجلة "لوبوان" الفرنسية: (إن مخاوف الفرنسيين يعني "الليبراليين والعلمانيين" مبنية على مزيج رهيب من الأفكار... وهو ما يعني أن هؤلاء لا يعرفون الثقافة العربية ولا الثقافة الفرنسية. إن هناك قطيعة حقيقية في نقل المعرفة؛ لذا فنحن مجبرون حتى يفهم بعضنا البعض الآخر على أن نتعلم كيف يعرف بعضنا البعض الآخر) (1)

 

2_ تطمينات.. ولكن ممن؟!

بناء على ما قدمناه من جهل الليبراليين بالمعادلة الشعبية العربية الإسلامية، نقول: لقد ذهب هؤلاء مذاهب شتى في موضوع نجاح الحركة الإسلامية في الانتخابات الحالية في عدد من دول أمتنا، وراحوا يثيرون المخاوف والهواجس، من توصل الحركة الإسلامية في كل من مصر وتونس والمغرب وليبيا إلى نيل أكثر الأصوات، وقدرتهم بذلك على تشكيل الحكومات، وإدارة البلاد بالشراكة مع غيرهم. وذلك لما تأكدوا أن لا خيار أمامهم سوى خيار واحد يتمثل بأن الإسلاميين سوف يكونون في مقدمة إدارة البلاد للمرحلة المقبلة، يشاركهم فيها من فهم المعادلة من المعتدلين الذين يعيشون الواقع، وتهمهم مصلحة الأوطان، قبل الأنانيات الحزبية الضيقة، والمماحكات الفكرية غير المتوازنة. وارجع في ذلك إلى ما قاله عمرو الشوبكي الليبرالي المتوجس خيفة من تولي الإسلاميين كتابة دستور مصر بأنفسهم، وعدّ ذلك أمراً خطيراً إن حدث، وذلك في ثنايا كلمة ألقاها على عشرات من الليبراليين الذين اجتمعوا ليستمعوا له فوق  

 

1_ صحفي وأستاذ جامعي في العلاقات الدولية في السوربون، ورئيس تحرير "كراسات الشرق" .

سطح إحدى البنايات في المهندسين (حي الأثرياء) في القاهرة، وقد عبأها (كلمته) بالسباب والشتائم للسلفيين، ولا بد أن الإخوان المسلمين نالهم من ذلك رذاذ غير سوي التفكير والتقدير؛ إذ إن واحدة من الحضور "دينا الجندي" المحامية أبدت شكوكاً في استطاعتها بناءً على ذلك الخطاب الذي ألقاه الشوبكي إقناع الناس بانتخابه، وقالت: لقد سألني البسطاء بقولهم: وما الخطأ في الإخوان المسلمين، فهم لن يسمحوا بالتعري في الشوارع، وهنا ماذا أقول لهؤلاء؟ فأنا لا أستطيع مخالفتهم حول ذلك؟!(1)

وعندما غُلب الليبراليون والعلمانيون أمام صناديق الانتخاب، وخاب خطابهم النخبوي بإقناع الناس أنهم يمكن أن يكونوا خُداماً للوطن وللإصلاح ولمصلحة الشعب، لم يجدوا غير الطلب من الإسلاميين أن يقدموا تطمينات للناس، _وهم يعنون بالناس أنفسهم في الحقيقة_ ونحن في هذه النقطة نواجههم بقول الله جل وعلا: ((وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)) وبقوله جل شأنه: ((تالله لتسألن عما كنتم تفترون)) النحل: 56 . ثم بقوله سبحانه وتعالى الذي يأتي تذكيراً وتحذيراً لهؤلاء وأمثالهم من أن كل ما يقولونه ويفعلونه مسجل عليهم وسوف يحاسبون عليه: ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)) ق: 18 . وهذه الآيات المواجهة لهؤلاء هي الأساس، ثم إن عندنا أسئلة، سوف تلقي أجوبتها أضواء كاشفة لما يستبطنه الليبراليون والعلمانيون من أبعاد ومرامٍ يدفعهم إليها أفكار ليست إلا فتاتاً لملموه من بقايا موائد الغرب أو الشرق بعد أن تضرر هؤلاء بفساد تطبيقها على مجتمعاتهم، وها هم في الفترات الأخيرة بدأوا يئنون من نتائجها ومآلات سيرورتها. وتلك الأسئلة التي ستفيدنا في إلقاء الضوء الكاشف لاستبطانات مطلب الليبراليين المبني على الظن، يحدونا في طرحها ويجب أن يحدوا الجميع توجيه رسولنا الكريم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم القائل: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا التقوى ها هنا)) وأشار بيده إلى صدره. حديث رواه مسلم بروايات متشابهة، وروى البخاري أكثر رواياته.  

·        وفيما يلي الأسئلة التي سوف نطرحها وهي:

1_ من الذي يجب أن يقدم التطمينات؟ أهم الإسلاميون، أم الليبراليون العلمانيون؟

2_ ما الذي يدفع الليبراليين والعلمانيين إلى الوقوف بهذه السلبية تجاه الحراك الإسلامي، وتجاه ما يمكن أن يتخذوه من إصلاح معتمد على الرجعية الإسلامية؟

3_ ما نوع الديمقراطية التي يطرحها هؤلاء؟  

1_ هذا جزء من مقال نشرته جريدة الغد الأردنية يوم الاثنين 19/ 12/20111 نقلاً عن مقال للكاتبة الأمريكية " سارة توبول " نشرته النيويورك تايمز.