يذوب الثلج ويبان المرج
وخزة ضمير (8)
يذوب الثلج ويبان المرج
فراس حج محمد /فلسطين
كثيرة هي الحقائق المخفية التي نجهلها، وإذا ما اكتشفت أصابنا الفزع والهلع والاستغراب نتيجتها، وما ذلك إلا لأننا نعاني من أمراض الثقة الزائدة عن حدها بأناس ليسوا محل ثقة أصلا، فهم مجردون من كل قيمة إنسانية أو فكرية أو أخلاقية، فإذا ما وثقت بأحدهم فإنك لا تلوم إلا نفسك إذا خيبوا أملك وكانوا لك من المنكرين، وهذا الأمر واضح بين في العلاقات الشخصية والعلاقات المهنية وكذلك في الحكم والسياسة والتأليف والنشر وأفكار الكتّاب، ولا يكاد يسلم من ذلك فئة من الناس أو مستوى من المستويات.
لله در أمثالنا الشعبية ما أصدق حكمتها وما أجل تعبيراتها!! لقد اختصرت كل ما أريد شرحه وبيانه بعبارة حادة موجعة، نصلها كأنه الخنجر، وذلك عندما صاغت المخيلة الشعبية ذلك المعنى بقولها (يذوب الثلج ويبان المرج)، وهنا تُكتشف الحقيقة ساطعة لا مجال للشك فيها.
إن ما يُمارس علينا كأمة كاملة وشعب يرزح تحت الاحتلال لهو أكبر عملية خداع يقوم بها أصحاب رؤوس الأموال الذين لا يعبدون إلا المال، ولا يسبحون إلا بحمد الدرهم والدولار، يرون الأمد بعيدا والشقة كبيرة بينهم وبين الأخلاقيات والوطنيات وكلام الجرائد والبلاغة الإنشائية التي تصطف في جمل خاوية الروح ليس لها من أمر الحياة شيئا.
فلعلكم تذكرون قصة جدار الفصل العنصري ودور بعض شركات الاستثمار الوطنية في بنائه، وكانوا يخرجون علينا بتصريحات نارية ضد سياسة إسرائيل التعسفية وبناء الجدار.
والآن تسمعون عن رجال الأعمال واستثماراتهم في مناطق الاستيطان، ولا شك بأن هؤلاء معهم من الجاه والنفوذ ما يحميهم من المساءلة القانونية، فاتحاد رؤوس المال وأصحاب الحكم والسلطان معروف في كل زمان ومكان، ولكن لا يكفّ الطرفان عن أن يصدعوا رؤوسنا بالكلام الناري عن قرارات ومعاقبات من يتعامل مع بضائع مجلوبة من المستوطنات، ويعاقبون التاجر الصغير، ويبقى الحوت مبتلعا وطنا كاملا وشعبا كاملا يمص دماء الفقراء، ويستمر الخداع، وتستمر الأبواق بالتمجيد، ولكن لا بد من أن يذوب الثلج وتظهر الحقيقة، فلم نعد ذلك الشعب الغبي أيها الأذكياء!!