فلسطين .... يا حلم الشفق المسافر في عينيّ أغنية
فلسطين ....
يا حلم الشفق المسافر في عينيّ أغنية !
سمر مطير البستنجي
مسّني شغبٌ من حنين .. ويمّمت وجهي نحو عشق ما بَرح يُخالجني !
من ضلعي الأيمن أوقدت شمعتي،ومن الأيسر اتّخذت يَراعي , وهي ما بين الضلوع تربّعت ...
قلتْ ! سأغازلها بِضاديتنا المَعشوقة .. وانتظرت انهمار الكلمات !
تقلّصت كل الأشياء فيّ سوى حاجتي لكلمات غابت عن قاموس أخيلتي .. انغمستُ في حضرة التلاشي وأصبح ماء الروح غورا، ومدادي نفطٌ أسود ..تمدّد بداخلي بوح يتيم ،ضرير كحلمي أنا !
فتحتُ كتاب الجرح أرشي المفردات .. لم أبتكر ألم الحروف أنا .. فهي من أنّ ثم انكسر ..
ويحي أنا !
أأكتب فلسطين شعرا ... !! فكيف تستطيعها قافيتي المكسورة أمام هيبتها وجبروتها ؟!
أأكتبها نثرا ...!! فكيف ألملم نِثارا تفتّق في كتب السهر , وهل ستطاوعني مفرداتي المغموسة في قواميس الألم ؟
أأكتبها غزلا ...!! وكيف لي أن أستَعطف التعاويذ كي تمنحني بعض كلمات سحريّة ,, كسِحرها ..أو بعض حُظوظ للشجن؟!
أأكتبها شوقا ...!! وكيف لبرودة الشرق القابعة رغماً في حنايايَ أن تصمد أمام وهج حرارته ؟
أم أكتبها سردا ...!! أأسرد حفلة عرسها وقت تهاوى فارس ليلتها تحت خُطى الخيانة ؛ فأصبحت تنثر العطر المسكوب في وجعٍ أنوثتها دمعا،وتراقص طيفه على وقع زغاريد الجنازة .. وحزنها تشهدهُ النّجمات التي اصطفّت على شرفة الفناء تراقصها؛والوجع ؟
الأرض تدور بي , وتدور... تتسع وتضيق فإذاً أنا الآن سأرسمها رسما ...
يا أنا ! أيهذي الوقت أم أهذي أنا !!
ماذا سأرسمها ؟!
أأرسمها شراعا ممتدا من خلجان همّي إلى محيطات غَمّي ؟!
أأرسمها ربيعا عاثت الريح فسادا في لون خضرته،، أم خريف يحتضر قد تساقطت وريقاته على ضفاف نهر منسيّ أهوج،فاحتلّت إبر الصنوبر الغابات تفرشها،، لتقيم عليها جنازة زيتونة مصلوبة وبعض سنديان ؟
أأرسمها غيما ...!! وكيف أخادع المطر وهي من شربت من الدماء أغدقُهُ.. وقت هدّد العطش جذورها فتوضأت بالطين والدماء ؟
أأرسمها فراشة قزحية رهيفة مبثوثة من نور ونار تسبح في أرجاء اللامحدود المكتظّ بملايين الأرواح التي ضاقت بها الأرض بما رحبت ،فيممت باطمئنان نحو بارئها ؟
أم أرسم قبّتها،أقصاها،كنائسها حاراتها.. بيارات البرتقالها العابق فيّ أريجها،ومزارع الزيتون المذبوح فيّ كيف أرسمها..وهل أستطيع رسم السواحل وبأي لون ألونها..بلون السماء أم بلون عينيها..
تناسلت دهشتي ... ووجهتي يمّمت شَطر الزوال فما بيني وبين الوصف رحلة مغشيّ عليها وحائط من لاكلام ،وليلة مُثلجة..
يا حلم الشفق المسافر في عينيّ أغنية إ
أعذري أبجديتي الممّدة على تابوت المساء بانتظار رحلة سوداء ..وقلمي المتجذّر في تراب الغباء حتى أخمصَيه.. فلقد انتظرت معجزة تمنحني بعض مفردات،أوعصاً سحريّة تَضرب هامة الضّاد , وتكسر قاعدة الإعجاز ... فلربما استوي فيّ الجَدل. .وما استطاع.
يا نقاء سريرتي!
غادري لغتي الخرساء،واستمعي لوجيب قلبي .. وهزّي الذات المنكفئة على عالمك الساحر لتتساقط عليكِ ابتهالات وحُبّا... وارقَبي خيول الشوق الجامحة فيّ نحو فضائاتكِ وهي تدكّ بحوافرها جبهة الخنوع وتمضي إلى حيث أنتِ، لترتوي من بحرك الثائر في وجه الطُغاة.
يا ابنة المارد المهدّد بالقتل ،والذي ما هابَ يوما وارتَعد !
يا سليلة العرق المهدّد بالضياع , والذي ما فقد يوما قِبلته أينما قصد.
يا نسل الفراش المبثوث هيبة ووقارا..نورا ونارا ذات لهب..
جراحك ! آيات نشور تُتلى , كحلا قد ارتسم في عين خنساء العرب ،وندوب شوّهت ملامح تاريخ قد اغتصب.
وعظامك المنخورة ! يتقيأها الدُود حين تُخمتِهِ،لترث الأرض بعضا من عناصر البقاء..فتنمو جذور دالية عناقيدها قنابل وشهب..
ودموع الثكالى!صلوات أمّهات في مآقي الليل تتهجّد حتى المَطلع..
يا وجعا تلهّى به المدّ كما الزبد، ينثره في ذات هَباء،ثم يعيد الجمع ليوزعه في طرقات الشتات دليلا لنوارس الغربة وقت يشتهيها الإياب..
يا وصية تكفّل ضمير الغائب بتنفيذ خطّتها وقت تحنط من حولها الأحياء .
يا فسيفساء آلهةٍ نقوشها نفحات روحانية تمسح على ناصية المساجد والكنائس والبيوت والطرقات ،فإذا الكلّ في خشوع سابح نحو النقاء..
أيها الوجع المقدّس فينا!
لا زلنا نهواكِ هَياما للأرواح وقت يغزوها الجفاء،فرحا يعانق سنديان ربيعنا ،ويجري فوق سهول الكبرياء..
لملمينا ؛كنِثار الضوء في وجه الفضاء،كحبّات مطر تناثرت من عين السماء،واجمعينا تضاريس شاهقة،وجدولاً من دم الشهداء ينساب في غدقٍ،،ثم ارسمينا على وجه التاريخ خارطة ما لوّن مفاتيحها الجبناء.
اكسري الظلّ الممزق وهماً على وجه سعادتكِ،وافقئي عين السراب وقت زيّف مواسم الرجوع..ومدّدي الشمس على دروب عودتنا واغلقي قطارات المساء .
اسكبي الطلّ في أوردةٍ أرهقها نقص الدماء،ودَعي البلابل تشدو بأبجديات تاريخك المنقوش مجدا على خدّ السماء.. دعيها تتهجى غزلنا المبثوث في قصائد الشمس المجدّلة بالقوافي ،ودعي البوح اليكِ يرتحل من حناجر من صلّوا باقصاكِ ثم تهجّدوا لحن البقاء،وأنشدو:
باقون ما بقي التين والزيتون..
باقون ما بقي التين والزيتون
وقادمون..قادمون!
في أريج الزهر
في سنابل القمح
في لون الشفق
في حليب الغيم..حتى في سراب خيبتكم
وعائدون..عائدون!
كجلجلات الرعد
كغضب البرق
مع صفير الريح
في مناقير الطيور..
في ريش الغراب
في زرعكم ....
في نسلكم.....وحتى في أحلام ليلتكم
وعهدنا أننا:
باقون باقون
عائدون عائدون.
"
نثَرت الريح
أحلامها كدقيقٍ على دروب الروح
أشتاتا..
فانطلقت تشتكي
الريح العابثة لمحكمة الفصول..
فانعقدت المحكمة
:
لقد تمردْتِّ على
الحدّ المسموح بهِ للأمنيات
!!
فحُكِمَ عليها
بالسير
حافية القدمين
على أشواك واقعها لتجمع أمنياتها الكبييييييييرة بنفسها،،وتجّففها في
ظلّ خيبتها..."