سياسة الاختيار بين الحزبية والوطنية 2
د. محمد جمال صقر
ما أشبه السياسي الحزبي المخلص بالفَنَّان القلق المُبدِع!
وما أشبه السياسي الوطني المخلص بالعالِم المطمئن المُتبحِّر!
إن الفنان يرى في فنه الفنون كلها، ويستغني به عن الفنون كلها. وكذلك السياسي الحزبي يرى في حزبه الأحزاب كلها، ويستغني به عن الأحزاب كلها. وكلما اشتدت رؤية كل منهما واستغناؤه واستوليا على تفكيره وتعبيره- أسرع بالفن والحزب تطورُهما، وازدان بهما دون غيرهما رُقيُّهما.
وإن العالم مسؤول عن خصائص الأسلوب في كل فن، غير مُعْفًى باستيعاب أحدها عن استيعاب غيره؛ فإنه يُعَلِّم كلَّ مُتعلمٍ ما يناسبه منها، ولا يعتذر عنه بالجهل. وكذلك السياسي الوطني مسؤول عن ملامح العمران في كل حزب، غير مُعْفًى بتطبيق ما في أحدها عن تطبيق ما في غيره؛ فإنه يصطنع لكل مشكلة علاجها، ولا ينصرف عنها بغيرها.
ولقد علمتنا الحياة ألا غنى بالعالم عن الفنان ولا بالفنان عن العالم؛ فينبغي أن نتعلم ألا غنى بالسياسي الوطني عن السياسي الحزبي ولا بالسياسي الحزبي عن السياسي الوطني؛ فكما يَرُودُ الفنان للعالم مَجاهل لم تخطر له ببال، يرود السياسي الحزبي للسياسي الوطني- وكما يُؤسِّسُ العالم للفنان معالم ما تَحَقَّقَ، يؤسس السياسي الوطني للسياسي الحزبي.